خطب العيد في لبنان تعكس المواقف المذهبية من الاستحقاق الرئاسي

دار الإفتاء تعتبر فشل جلسات الانتخاب «هزيمة للوطن» * المجلس الإسلامي الشيعي يدعو الأكثرية للتفاهم مع عون * مشيخة عقل الموحدين الدروز تتمنى الإسراع بانتخاب الرئيس

TT

تراجعت حدة السجال السياسي في لبنان رغم زيارة مساعد وزيرة الخارجية الاميركية لشؤون الشرق الاوسط، ديفيد ولش، ونائب مستشار الامن القومي في البيت الابيض إليوت أبرامز، وذلك لانشغال الناس بعيد الأضحى المبارك. وبرز من الكلام السياسي تساؤل مفتي الجمهورية اللبنانية، الشيخ محمد رشيد قباني، الذي أمّ المصلين أمس في حضور رئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة والوزراء حسن السبع، وخالد قباني، واحمد فتفت، ورئيس كتلة المستقبل النيابية النائب سعد الحريري، في خطبة عيد الاضحى في الجامع العمري الكبير في وسط بيروت :«ما الذي دهانا في وطننا لبنان، هذا البلد الطيب الآمن؟ الذي يكاد يذهب ضحية أبنائه، فكلنا يشعر اليوم أيها الإخوة أنه مهزوم، هزمنا ومعنا هزم الوطن، تسع جلسات لمجلس النواب لم تعقد، عجزنا عن عقدها، سجلنا فيها الهزيمة تلو الهزيمة، هزمنا أنفسنا، هزمنا الوطن. ندخل إلى رحاب المجلس مبتسمين منشرحين، مقبلين على بعضنا البعض، ونخرج منه مبتئسين عابسين مدبرين، ندير ظهورنا ونكيل لبعضنا البعض كل أنواع الاتهامات وأقذع العبارات، ينام اللبنانيون على حدث ويصحون على حدث، وبعد كل حدث مأساة ومأساة، ننتظر اغتيالا بعد آخر لخيرة رجالاتنا ورموزنا، وامتدت يد الإثم مؤخرا إلى أحد القادة العسكريين المميزة بالاغتيال. هدرنا وقتا كثيرا، أضعنا فرصا أكثر، تسببنا بالآلام والأحزان لشعبنا وأهلنا ومواطنينا...». وأضاف: «البلد أفقرناه، والاقتصاد دمرناه، والدستور مزقناه، والقانون أهملناه، وقطعنا من الجسور في ما بيننا ما قطعناه، ووضعنا على قلوبنا الأختام، وأقفلنا على عقولنا بالأقفال، فلا عين رأت ولا أذن سمعت، ولكن عيون الناس مفتوحة ومدهوشة، وآذان الناس مصغية ومألومة، قلوبهم تدمع، وعقولهم تجزع، من هول ما يجري وما يحصل.. لقد صبر الناس على أوضاعهم وأحوالهم كثيرا، وصبروا على من يسيسون الأمور أكثر، أفليس من حقهم علينا أن نخرج عليهم بعد رحلة الآلام التي مشوها، بحل يريحهم ويطمئنهم ويبلسم جراحهم؟ ألا يستحق شعبنا أن نتوافق من أجله؟ من أجل التخفيف من معاناته ومحنه الكثيرة؟ ألا يستحق وطننا أن نعطيه كما أعطانا، وأن نكون له كما كان لنا؟ ألا يستحق أن نحفظه كما حفظنا وأن نصونه كما صاننا واحتضننا؟ ألا يستحق منا هذا الوطن أن نتنازل قليلا عن كبريائنا؟ وهل كثير على شعبنا وعلى وطننا أن نضع أيدينا في أيدي بعضنا من أجل إنقاذه؟ أو ليس الانتصار للوطن أحق من الانتصار على بعضنا البعض؟ وهل يبنى الوطن ويستقيم الأمر بهزيمة بعضنا للبعض الآخر؟ أي انتصار نجنيه بهزيمة أحدنا للآخر؟ لبنان لا يعيش ولا يقوى بانتصار فريق على آخر، معا ننتصر وينتصر بنا الوطن، ومعا ننهزم وينهزم معنا الوطن، ولقد سجلنا معا انتصارات كثيرة، وليس آخرها انتصار لبنان على العدو الإسرائيلي، ولكننا استعجلنا في تحويل انتصارنا إلى هزيمة مروعة، في مؤسساتنا وفي اقتصادنا وفي مرافقنا وفي وفاقنا الوطني، وأمعنا في تدمير ما بقي من مقومات الدولة ومؤسساتها. لقد عانت أمتنا الكثير من المحن والآلام، منذ أن احتل العدو الإسرائيلي فلسطين العربية، وحال تمزقنا وانقسامنا على بعضنا البعض دون استرجاع الأرض التي سلبت منا غدرا، بل خسرنا المزيد من الأراضي العربية التي لا تزال تغتصبها إسرائيل، والأدهى والأمر أن بذرة الانقسام وعدواها انتقلت إلى داخل كل بلد من بلداننا، والعراق ليس عنا ببعيد، وغزة واقتتال الإخوة في ما بينهم قريب وقريب. وأطماع الدول في ثرواتنا، وفي استنزاف مواردنا وطاقاتنا، لم تتوقف، فمتى نستيقظ من سباتنا؟ وإلى متى نكل أمرنا ومصيرنا ومستقبلنا إلى غيرنا، يخطط لنا، ويقرر عنا، ويعمل مقصه الماضي تمزيقا وتقسيما لأرضنا ولأمتنا ولشعوبنا». وقال المفتي «آن الأوان أيها الإخوة، أن ندرك الاخطار التي تحيط بنا، آن لنا أن نثق بإنساننا وأن نثق بقدراته وإمكاناته، وأن نهيئ له سبيل العلم والحياة الحرة الكريمة، التي تكفل له ولأجيالنا أن تعيد بناء نفسها وأن تأخذ دورها ومكانها في هذا الدعم، عسانا أن نعيد لأمتنا كرامة أضعناها، ومكانة فقدناها بين الأمم». ودعا «النواب الكرام، إنقاذا للبنان، للتوجه يوم السبت المقبل إلى مجلس النواب لانتخاب رئيس للجمهورية بما يتفق وأحكام الدستور، والبدء بإحياء مؤسسات الدولة التي تحمي الوطن والمواطن، وتصون أمن البلاد وسلامتها وديمومتها». وبعد إلقاء المفتي خطبة العيد، توجه وممثل رئيس مجلس الوزراء الوزير خالد قباني الى ضريح الرئيس رفيق الحريري حيث قرأ الفاتحة على روحه وارواح رفاقه في حضور النائب سعد الحريري.

وبدوره دعا نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان، الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد إلى «تكثيف لقاءاته ومشاوراته مع الملك عبد الله بن عبد العزيز، لدفع علاقات التعاون بين البلدين قدما وتفعيل التضامن الإسلامي والعربي»، مؤكدا «ان التعاون الإيراني السعودي خطوة مباركة ينبغي تفعيلها لتشمل مختلف الصعد والمجالات لما فيه خير البلدين الشقيقين». وتساءل قبلان عن «سبب عدم تواصل الأكثرية مع العماد ميشال عون»، داعيا السياسيين إلى «التفاهم معه لأنه يمثل المعارضة بفعل التفويض المعطى من المعارضة له، فلذلك أطالب السياسيين بأن يكونوا في مستوى المسؤولية لأن لبنان على مفترق طرق خطر، ونطالبهم بحزم أمرهم وتكثيف مشاوراتهم وتواصلهم والتعاون مع الرئيس نبيه بري حتى ينهوا خلافاتهم، ويتوافق النواب ويلتقوا يوم السبت في المجلس النيابي لانجاز الاستحقاق الرئاسي بروح التوافق». من جهته، تمنى شيخ عقل الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن على المسؤولين «الاسراع في إنجاز الاستحقاق الرئاسي، في ظل الإجماع على اختيار قائد الجيش العماد ميشال سليمان لهذا المنصب»، كما دعا النواب الى «ممارسة دورهم».

وقال في خطبة عيد الأضحى: «يأتي عيد الاضحى المبارك هذا العام والوطن يعاني مشكلات جمة على مستويات مختلفة، لكأن قدر الوطن ان يعيش الاخفاقات الدائمة والتحديات، وكأن لبنان لا يكفيه ما يحصل من انقسامات وتشرذمات وتعطيل للمؤسسات». ودعا «أولي الشأن الى عدم إضاعة الفرص المتاحة لإنجاز الانتخابات الرئاسية، واعتبار الاستحقاق مدخلا أساسيا لإعادة الثقة بين المسؤولين والمعنيين، وقيام ممثلي الشعب بممارسة المهمات الملقاة على عاتقهم والمبادرة الفورية الى إجراء هذه الانتخابات، من دون النظر الى حسابات تزيد من حالة التباعد القائمة، وخصوصا في ظل الإجماع على قائد الجيش العماد ميشال سليمان لقيادة سفينة خلاص الوطن والامان». واعتبر الأمين العام للحزب الشيوعي خالد حدادة أن «المشروع الأميركي نجح في العديد من الأماكن، أهمها إبعاد القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي عن واجهة وأولوية الصراع. وكذلك نجاح هذا المشروع في إذكاء النعرات الطائفية والمذهبية والعرقية في المنطقة، ونجاحه في نقل الكيانات المواجهة إلى شبه حليفة للأميركي أو اغراقها في صراعات داخلية».