العماد ميشال سليمان رئيسا للبنانيين بمعزل عن آلية الانتخاب

صور قائد الجيش احتلت الطرق قبل وصوله إلى قصر بعبدا

TT

علق لبناني مغترب يزور أهله في فترة الاعياد على صور قائد الجيش العماد ميشال سليمان التي تحتل جوانب الطرق الرئيسية في بيروت والمناطق، فقال: «لدينا رئيس مع وقف التنفيذ، فالعماد سليمان أصبح رئيسا في نظر اللبنانيين، بمعزل عن آلية الانتخاب التي تنتظر المفاوضات والتسويات التي تجريها القوى الدولية والاقليمية». وأضاف: «حيث أعمل يتداول زملائي طرفة بشأن الانتخابات الرئاسية اللبنانية مفادها ان الدولة الوحيدة التي لا تتدخل في هذا الشأن هي لبنان. ليكتفي الجميع برفع لافتات التأييد للرئيس العتيد وكأن الانتخابات تمت وتسلم سليمان مقاليد الرئاسة الأولى». والاقرار بالاتفاق على رئيس للجمهورية واعتبار الانتخاب وكأنه تم في حين لا يزال الفراغ قائما، هو بدعة اخترعتها الطبقة السياسية اللبنانية التي علقت فعل الانتخاب وكأنه من الشكليات التي لا تقدم او تؤخر في مسار الأزمة الحالية التي تشل البلاد، لتختلف على كل ما من شأنه تسهيل انجاز الاستحقاق. وكان رئيس مجلس النواب نبيه بري قد قال قبل حوالي اسبوعين: «انتهت القصة. العماد ميشال سليمان اصبح رئيسا للجمهورية وكما يقال في الفلسفة هو رئيس بالقوة وسيصبح رئيسا بالفعل». كما كان رئيس كتلة المستقبل النيابية وزعيم الاكثرية سعد الحريري قد صرح بأنه «يرى سليمان رئيسا للجمهورية كما رأى أن المحكمة الدولية ستصبح حقيقة وتقتص من المجرمين». حتى أن بلدة عمشيت مسقط رأس سليمان تعيش احتفالا ولكن مع وقف التنفيذ، حيث كل شيء حاضر: الاعلام اللبنانية مرفوعة بكثافة وكذلك صور العماد سليمان التي لا يحتاج الا الى لقب «فخامة الرئيس» والاسهم النارية جاهزة والزغاريد في حناجر النساء تنتظر صفارة الانطلاق، والخطب العصماء وفرق العزف والرقص والدبكة لا تحتاج الا لإشارة صغيرة.

أما عادة رفع اللافتات فالمعروف أنه تقليد لبناني بمعزل عن الحدث الدافع اليها. كل المناسبات صالحة ليعمل الخطاطون على تنميق العبارات التي تعكس التأييد لهذا الزعيم او ذاك، او لشجب هذا الموقف أو ذاك، وكأن في الامر مباراة، من يشارك فيها سيحقق المكاسب المرجوة، ومن يتخلف عنها سيدفع الثمن ويشطب من المعادلة.

ولعل أسماء موقعي اللافتات المرفوعة هي الدليل الاوضح على «آيديولوجية التأييد» التي لا بد منها في كل موسم لبناني. وتختلف هذه الاسماء باختلاف المكان وليس الزمان. ففي منطقة البربير وامتداداتها الى شارع البسطة مثلا، نجد ان اصحاب المحلات التجارية، لا سيما الصاغة هم من أكبر المتحمسين للعماد سليمان، كما تدل على ذلك الشعارات المرفوعة، ومنها: «لبنان ينتظرك يا فخامة العماد» او «تجار المنطقة يرحبون بوصولك الى سدة الرئاسة» او «انت الامل يا حامي الحما»، وما شابه ذلك من عبارات تعتبر وصول سليمان الفرصة الاخيرة لخروج لبنان من أزمته الراهنة. كذلك سارع سياسيو «الصفوف الخلفية» او زعماء «الاحزاب الصغيرة» الى رفع لافتات تطالب بوصول سليمان الى كرسي الرئاسة من دون قيد أو شرط، وتحديدا الاحزاب التي كانت ولا تزال محسوبة على المعارضة، والتي شددت على أن سليمان هو «حصانة الوطن» وهو مرشحها دون سواها، وأي شروط لتكبيله هي «مؤامرة على لبنان». لكن المفارقة ان التأييد لوصول العماد لا ينفي التأييد الاساسي لمرجعية أصحاب اللافتات. ففي منطقة بربور مثلا يبقى الولاء الاول للرئيس نبيه بري، واذا رفع الموالون له صور سليمان، لا بد ان يرفعوا الى جانبها صور زعيمهم. اما اذا توجهنا الى منطقة الطريق الجديدة المؤيدة قلبا وقالبا لرئيس «تيار المستقبل» النائب سعد الحريري، فتوليفة الصور تجمع الرئيس الراحل رفيق الحريري ونجله سعد الى العماد سليمان. أما في المناطق المؤيدة لحزب الله فتغلب صور السيد حسن نصرالله على صور قائد الجيش.

في المناطق ذات الاغلبية السكانية المسيحية تختلط عبارات التأييد لوصول قائد الجيش الى سدة الرئاسة مع عبارات رثاء اللواء فرنسوا الحاج الذي اغتيل الاسبوع الماضي، لا سيما أن «الجرح لا يزال ساخنا»، كما قال أحد سكان منطقة بعبدا حيث وقع الانفجار الذي أودى بحياة الحاج. كذلك رفعت لافتات تشير الى دور الجيش اللبناني في معركة نهر البارد ونجاحه في القضاء على تنظيم «فتح الاسلام» الارهابي. ومنها «انت المعلم في زمن الحرب كما في السلطة» و«انت درع الامة وحاميها».

لكن البارز في مسألة الصور واللافتات تلك التي يمكن تصنيفها بـ«الرسمية» والتي وضعت على جوانب الطرق في علب زجاجية تحمل صور العماد ميشال سليمان بالبزة العسكرية مع عبارة «المنقذ» او «الامر لك». «الكرسي لك» و«لا للفراغ. نعم للرئيس». وتنتشر هذه الصور في محيط الجزء غير المشمول بالاعتصام من وسط بيروت لتمتد الى مختلف المناطق والطرق الرئيسية وكأنها تعلن إصرار فريق الأكثرية النيابية على إجراء الانتخابات بأسرع وقت ممكن ومن دون شروط مسبقة. ولعل أطرف ما يتداوله الشارع اللبناني على هذا الصعيد ما يمزج المفاهيم الاجتماعية بالابعاد الاقتصادية، إذ يقول أحدهم: «لأن معظم اللبنانيين على رغم اصطفافهم الطائفي يعتمدون مبدأ: كل من تزوج أمي صار عمي، تبدو الفائدة الوحيدة في تقليد رفع اللافتات وطبع الصور وتوزيعها على مفارق الطرق هي انعاش السوق وارتزاق بعض القطاعات التي لا تتأثر كما غيرها بالازمات السياسية. فهذه القطاعات تنتعش اذا عم الخلاف وحصلت تغييرات مفاجئة لتزدهر اعمالها. لكن الاحداث المتسارعة أحيانا تربك أصحابها، لذا ما أن حان موعد الاستحقاق حتى حضّروا صور جميع المرشحين لاستخدام إحداها في الوقت المناسب».