«الميليشيات».. لعبة تستهوي أطفال  البصرة في العيد

آباء يشكون: أعمال العنف باتت جزءا من ثقافة المجتمع

TT

«تعال نلعب ميليشيات»، صوت صدر من مجموعة أطفال تجمعوا على مقربة من سوق الجبيلة وسط محافظة البصرة، يدعون فيه أحد أصحابهم لمشاركتهم في لعبة الميليشيات، التي ابتكرها الأطفال للتسلية في أيام عيد الأضحى المبارك، حتى باتت الأكثر استهواء من بين ألعاب الأطفال. ويمكن معرفة تفاصيل اللعبة من خلال مراقبة الأطفال، إذ ينقسم الفريق المشارك فيها إلى مجموعتين، حسب الرغبة، تتألف المجموعة الأولى من الميليشيات الذين يرتدون الملابس السوداء والأقنعة على الوجوه، وهم يقفون متربصين في زاوية من الشارع بانتظار مرور دورية للقوات البريطانية، التي تمثلها المجموعة الثانية من فريق الأطفال. وعند مرور الدورية، وهي إما راجلة أو محمولة على دراجة مربوطة بها عربة، يطلق عليها «الستوتة»، تمثل لديهم عربة «همر»، التي تستخدمها القوات البريطانية، أمام الكمين تفتح مجموعة الميليشيات آلية لعب أسلحتها الرشاشة التي تفننت مصادر التصنيع بتنويعها، مع إيقاد أعواد البارود التي تطلق أصوات انفجارات، حيث تجري معركة فيها بعض التفاصيل. ومن المفارقات أن الأطفال المشاركين في هذه اللعبة حريصون على انتصار فريق الميليشيات على أطفال الدورية البريطانية في نهاية المعركة.

قال أبو بسمل لـ«الشرق الأوسط»، إن ولده البالغ 10 أعوام، طلب منه شراء بدلتين، الأولى سوداء تماثل ملابس ميليشيات «جيش المهدي»، والأخرى عسكرية مرقطة تشابه ملابس الجيش البريطاني، لكي يستطيع أن يلعب الدورين، حسب الاتفاق مع أقرانه من أولاد المنطقة. وأضاف «هذه اللعبة هي نتاج طبيعي لمشاهدة الأطفال لما يحدث حولهم، سواء في الشارع أو على شاشة التلفاز طيلة ما يقارب الخمس سنوات»، مؤكدا أن «أعمال العنف باتت جزءا من ثقافة المجتمع، إذ مارسها الآباء والأجداد، إما حين كانوا جنودا في الحرب العراقية الإيرانية وما تلاها، أو كانوا أطفالا يتفرجون على (صور من المعركة) التي حرص تلفزيون النظام السابق على عرضها  بشكل يومي». وأكد والد الطفل كمال سالم أن «كل أطفال العالم يشتركون بخيال حكايات وألعاب الحيوانات الأليفة والطيور والفراشات والعرائس وغيرها من الألعاب المسلية في البلدان المسالمة، التي لا حرب فيها ولا قتال، ولكن في بلدنا اندثر فيه هذا الجمال البريء وانقلبت الموازين وتحولت لعب الأطفال إلى أسلحة وعصابات وبنادق ومسدسات ليزرية».

وقال سرمد عباس (صاحب محل لبيع لعب أطفال في العشار)، إن الطلب يزداد على المسدسات والبنادق وما شابهها من الألعاب الأخرى، حيث ترتفع المبيعات خلال الأيام التي تسبق مناسبات الأعياد. وأضاف «الأطفال يطلبون تلك الألعاب من بين عشرات الألعاب الجميلة، عندما يترك لهم أولياء أمورهم حرية الاختيار».

وعلى الرغم من تحذير جميع الدراسات والمختصين في علم نفس الطفل من مخاطر انتشار هذه اللعب بين الأطفال، فإن السلطات الحكومية المختصة لم تحرك ساكنا لمنع استيرادها. وأشار الدكتور احمد علي (اختصاص علم النفس) إلى أن «الدراسات الحديثة أكدت خطورة تأثير هذه الأسلحة (الألعاب) على التحولات النفسية في حياة الأطفال»، مؤكدا أن ظاهرة إقبال الأطفال على اقتناء اللعب النارية «لها نتائج سلبية كثيرة على حياتهم وحياة الآخرين، ومن ثم خلق نوع من الاضطراب لديهم، فالطفل لا يستطيع أن يعي ما تؤدي إليه هذه اللعبة، فهو يتصورها لعبة يتسلى بها، ولكن نتائجها وخيمة».