باكستان: الأحزاب الإسلامية تبحث عن مزيد من الدعم

وسط انقسامات داخلية وخيبة أمل أنصارها بسبب عدم تحقيق وعودهم

TT

في عام 2002 صوت ابرار حسين لتولي قوى اسلامية السلطة، واذ شعر بالسأم من حكومة باكستان التي يقودها العسكر والمعارضة العلمانية، قرر حسين أنه يتعين اعطاء فرصة للزعماء الدينيين لتحسين ظروف المعيشة في هذه المدينة الحدودية.

ولكن بعد خمس سنوات من الدعم من جانب اشخاص، مثل حسين وهو ما دفع الأحزاب الاسلامية الى الفوز بالسلطة المحلية، يعيد الحانوتي البالغ من العمر 36 عاما التفكير بخياره.

وقال حسين «يمكنكم رؤية نظام تحلية المياه هنا»، مشيرا بازدراء الى قناة ضيقة أمام محله، حيث المياه الآسنة. واضاف «كان الناس يطلبون المياه النظيفة ولم يحصلوا عليها. كانت لدينا آمال كبيرة. ولكن رجال الدين لم يفعلوا شيئا لنا».

وخيبة أمل حسين هي ليست سوى سبب واحد يفسر سعي القوى الدينية الحثيث، من اجل اجتذاب الناخبين في باكستان عشية الانتخابات البرلمانية الجديدة. وعلى السطح، في الأقل، هناك العديد من الأمور تميل لصالحهم، فالرئيس الباكستاني برويز مشرف لا يتمتع بشعبية واسعة، وكذلك الحال مع من يدعمونه في واشنطن. وكانت لدى سياسيي المعارضة البارزين فرصهم في السابق وقد أخفقوا. وعلى العموم فان خيبة الأمل في باكستان واسعة.

ومع ذلك فإن الأحزاب الاسلامية لا تبدو في وضع جيد لاستثمار خيبة الأمل تلك، واذ تواجه انقسامات داخلية مريرة فإنها اخفقت في التوصل الى استراتيجية حملة انتخابية موحدة. وفي غضون ذلك يتعين على مرشحيهم الاجابة على سجلهم المشكوك فيه في حكم الاقليم الحدودي الشمالي الغربي، وهي قاعدة دعمهم التقليدية. كما انهم يجدون ان المشاعر المناهضة لأميركا ليست ناضجة كما كانت في السابق.

وقال عبد الجليل جان (50 عاما) وهو موظف، ومرشح لتمثيل بيشاور، عاصمة الاقليم الحدودي الشمالي الغربي، في الجمعية الوطنية: «في المرة السابقة كان الوضع سهلا. أما الان فانه في غاية الصعوبة».

وينشغل جان منذ الفجر حتى منتصف الليل في الحملة الانتخابية التي بدأت منذ أسابيع ولا يتوقف الا في مواعيد الصلوات الخمس. وهو يجول في الأسواق وفي مختلف أحياء بيشاور ساعيا الى الحصول على الأصوات.

ولا يستجيب كثيرون الى هذا الحماس، ولكنهم يعلنون «أنا معكم». ويجيب آخرون بعبارة «ان شاء الله».

وقال جان أخيرا وهو يجوب الشوارع ان «بعض الناس غاضبون».

ويظهر الغضب في استطلاعات الرأي حيث قال أربعة في المائة فقط من الباكستانيين، في استطلاع اجري أخيرا انهم يعتزمون دعم الأحزاب الدينية في انتخابات الثامن من يناير (كانون الثاني) المقبل.

ولم يكن مفترضا ان يرشح جان لانتخابات العام الحالي، فقد منح حزبه، وهو جمعية العلماء المسلمين المقعد الى شريكهم في التحالف، وهم الجماعة الاسلامية. ولكن بسبب قلق الجماعة الاسلامية من أن الأصوات قد تتفرق، فان زعيم الحزب قاضي حسين احمد قرر انه لا ضرورة للتنافس. ولا يشارك معظم مرشحي الجماعة الاسلامية في الانتخابات.

ويعظ الحزبان بفكرة تحويل باكستان الى دولة دينية، ولديهم أفكار مختلفة جدا بشأن كيفية تحقيق ذلك.

وقال ارشاد محمود منسق البحث في معهد الدراسات السياسية، الذي تموله الجماعة الاسلامية، ان «جمعية العلماء الاسلامية تعتقد ان الوقت الحالي هو افضل وقت للمشاركة في السلطة. ولكن الجماعة الاسلامية لا تؤمن بالمشاركة في السلطة، انها تريد تغيير النظام».

فتح الانشقاق بين الاثنين فرصة للأحزاب ذات التفكير العلماني، التي هزمت على يد الجماعة الإسلامية وجماعة علماء المسلمين في شمال غرب باكستان عام 2002، لكنها تأمل بالعودة الآن.

خلال تاريخها الذي يمتد لستين عاما ظلت باكستان تفضل باستمرار احزابا علمانية، على الرغم من أن سبب الانفصال عن الهند هو من أجل تشكيل دولة للمسلمين في القارة الهندية، وكان أعلى مستوى وصلته الاحزاب الدينية هو 2002، حيث تمكنت من كسب 12% من أصوات الناخبين.

وكانت تلك الأحزاب آنذاك تقف ضد الولايات المتحدة والكحول والمقامرة وتلفزيون الكابل والتعليم المزدوج، واتضح أن سجلها في الحكم أكثر تواضعا من الشعارات التي رفعتها. لكن الأحزاب المنافسة تأمل في استثمار قضية تنامي تهديد طالبان في شمال غرب البلد، وقالت إن الوضع تدهور أكثر بسبب اللامبالاة، بل وبسبب تعاون الأحزاب الدينية مع طالبان. وأثار المنافسون بشكل خاص موضوع وادي سوات، وهو مركز سياحي، أصبح في الفترة الأخيرة مشهدا لمعارك طاحنة بين المتمردين والجيش الباكستاني.

وقال المحامي لطيف افريدي من الحزب الوطني، إن الأحزاب الدينية «مسؤولة بشكل مباشر عن تدمير سوات». وقال إنهم الآن في وضع ضعيف بسبب تخليهم عن وعودهم.

وبينما كانت حملتهم الانتخابية لعام 2002 هي من أجل تحقيق حكومة نظيفة وتحسين الخدمات للمواطنين، فإن زعماء الأحزاب الدينية سقطوا في فخ المزاعم نفسها المتعلقة بالفساد وفقدان الخبرة الإدارية التي كانت عاهة الأحزاب العلمانية.

قال دبلوماسي غربي تكلم شرط عدم الكشف عن هويته: «الآن أصبح لديهم سجل وهو ليس سجلا جيدا. حينما تكون خارج الحكم تستطيع أن تدعو لكل أنواع الأمور وتكون نموذجا للمثالية، لكن حينما تكون في المكتب يصبح الوضع مختلفا. الأبهة قد تآكلت قليلا».

ويوافق قبلة آياز رئيس قسم الدراسات الإسلامية في جامعة بيشاور على هذا الرأي. وأضاف: «بصراحة هذه حكومة لا يحبها الناس كثيرا». ولآياز صلات بجماعة علماء المسلمين. لكن قال إن هناك أسبابا أخرى قد تجعل الأحزاب الدينية تعاني من انتكاسات في الانتخابات القادمة، منها أنه في عام 2002 لم يكن وقت طويل قد مضى على غزو الولايات المتحدة لأفغانستان، والقلق من احتمال تعرض باكستان للضرب وصل الى أعلى مستوى، واستخدمت الأحزاب الدينية لصالحها. وأضاف: «الآن الوقت مر وكثافة الغضب قد خفت»، كذلك فإنه من الممكن بالنسبة للذين يؤمنون بضرورة جلب الشريعة الإسلامية إلى باكستان، خصوصا الشباب، قد تخلوا عن العملية الديمقراطية وعن الأحزاب الدينية في وقت واحد. وهم يتوجهون إلى العمل السري ويختارون تمردا ما في مجال السياسة.

«واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»