«شبح الاستيطان» يخيم على مفاوضات الدولة الفلسطينية.. ومصر تطالب بالحسم

مصادر إسرائيلية: مكتب أولمرت حذر الأميركيين من انهيار «كاديما» إذا أوقفت الحكومة بناء المستعمرات

TT

خيم «شبح المستوطنات» على ثاني جولة مفاوضات بشأن الدولة الفلسطينية امس، في وقت طالبت فيه مصرُ اسرائيلَ بحسم قرارها، مؤكدة ان الاستيطان والسلام نقيضان. وقال مساعدو الرئيس الفلسطيني محمود عباس ان المحادثات الحقيقية بشأن الحدود ومصير القدس واللاجئين الفلسطينيين، لن تبدأ الا بعد أن تلتزم اسرائيل بوقف كل النشاط الاستيطاني، وفقا لما نصت عليه خطة «خريطة الطريق» لإحلال السلام المتعثرة منذ فترة طويلة. ومن المفترض ان يلتقي وفدا التفاوض الفلسطيني برئاسة احمد قريع، والاسرائيلي برئاسة تسيفي ليفني، امس في وقت متأخر في ثاني جولة للمفاوضات منذ مؤتمر انابوليس، وسط خلافات تتعمق، بسبب اصرار اسرائيل على المضيِّ قدماً في التوسع الاستيطاني بالقدس الشرقية التي تطالب بها السلطة عاصمة للدولة الفلسطينية.

ورغم الاستياء الفلسطيني، وتأكيد السلطة أن لا جدوى من المفاوضات في ظل الاستيطان، تصر اسرائيل على اعتبار القدس قضية خارج الاتفاقات، باعتبارها عاصمة اسرائيل الأبدية. وبعد مؤتمر عقد برعاية أميركية في أنابوليس بولاية ميريلاند، افتتحت الجولة الاولى من المحادثات بين الجانبين الاسرائيلي والفلسطيني وسط خلاف في 12 ديسمبر (كانون الأول) بعد أن طالب عباس اسرائيل بالتخلي عن خطط بناء نحو 300 منزل جديد في منطقة قرب القدس يطلق عليها الاسرائيليون «هار حوما»، والفلسطينيون ابو غينم. فرد الاسرائيليون اول من امس بتوسيع البناء ليشمل مستوطنة «معالي ادوميم» كذلك. وقررت وزارة الإسكان الإسرائيلية بناء 750 وحدة سكنية في المستوطنتين خلال العام المقبل. وقال الوزير لشؤون القدس، رافي إيتان، «لم تقرر الحكومة الإسرائيلية بتاتا تجميد البناء في منطقة «أورشليم» (القدس). وتابع «لم نمنح أيَّ تعهد لأي جهة بأننا لن نواصل البناء في (ابو غنيم)».

وأكد صائب عريقات، رئيس دائرة شؤون المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية، أن وجود جرافة واحدة أو رافعة أو عامل بناء واحد في مستوطنة «هارحوما» المقامة على أراضي جبل أبو غنيم الواقعة بين القدس الشرقية وبيت لحم، يعتبر خرقاً فاضحاً للالتزام المترتب على إسرائيل بوقف كافة النشاطات الاستيطانية بما فيها النمو الطبيعي.

وقال عريقات في رسائل بعث بها امس، إلى أعضاء اللجنة الرباعية وإلى سفراء وممثلي وقناصل الدول الآسيوية والأفريقية والأميركية وأميركا اللاتينية وكندا وأستراليا، إنه وفي عشية المفاوضات بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، وجهت الحكومة الإسرائيلية من خلال عطاءات بناء استيطانية وتخصيص أكثر من 25 مليون دولار لتوسيع مستوطنة «معاليه أدوميم»، إضافة إلى التوسع الاستيطاني في منطقة الغور. واستمرار بناء جدار التوسع والضم، وعدم فتح المؤسسات المغلقة في القدس الشرقية، ضربة قاسية لجهود إطلاق عملية السلام وللزيارة المرتقبة للرئيس الأميركي جورج بوش.

ودعا عريقات المجتمع الدولي إلى التدخل الفوري وإلزام الحكومة الإسرائيلية بوقف الاعتداءات العسكرية والاقتحامات والاغتيالات وفرض الحقائق على الأرض وفك الحصار والإغلاق ووقف النشاطات الاستيطانية وبناء الجدار واستخدام الاملاءات بدلاً من المفاوضات.

وأكد أن الحكومة الإسرائيلية لا تستطيع أن تجمع بين مسار الاعتداءات والمستوطنات مع مسار السلام والمفاوضات، وأن عليها أن تختار إما السلام وإما الاستيطان.

وأرفق عريقات رسائله، بصور ثابتة وشريط فيديو، حول العمل المستمر في عدد من المستوطنات الإسرائيلية، إضافة إلى دراسة خاصة حول الآثار التدميرية التي تواجهها محافظة بيت لحم نتيجة لاستمرار النشاطات الاستيطانية. وبدا الخلاف قبل اللقاء امس عميقا، وقال اري ميكيل، المتحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية إن إسرائيل تأمل في أن «يكون من الممكن دفع المفاوضات وتحريكها قدما إلى الأمام» خلال اجتماع اليوم (امس) على الرغم من الخلافات.

اما قدورة فارس، القيادي في حركة فتح، فقال «إن هناك فهما خاطئا لدى الفلسطينيين فيما يتعلق بقيمة وأهمية انطلاق عملية المفاوضات»، مشيراً إلى أن العملية التفاوضية مهمة ولكن ليس بأي ثمن. وأضاف فارس «أن إسرائيل غير ملتزمة وتستخف بالقيادة الفلسطينية وتستخف بنتائج انابوليس وتستخف بكل شيء، لذلك آمل من الوفد المفاوض اليوم أن يذهب ليبلغ الإسرائيليين ألا نعود لأي جلسة مفاوضات، طالما أن الاستيطان مستمر حتى لو كان الحديث عن إضافة شقة واحدة للمستوطنة». ومن المتوقع أن يلتقي عباس مع أولمرت اليوم او غدا، على أقرب تقدير، لمتابعة مؤتمر أنابوليس الذي عقد الشهر الماضي والذي اتفقا من خلاله على إطلاق محادثات سلام تهدف إلى التوصل لاتفاق بشأن إقامة دولة فلسطينية قبل انتهاء فترة ولاية الرئيس الأميركي جورج بوش في يناير (كانون الثاني) عام 2009.

وكشف احد المواقع الاسرائيلية، أن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي أيهود أولمرت سلم الأسبوع الماضي الإدارة الأميركية رسالة ترتكز على استطلاع أجراه مكتب أولمرت حول البناء في المستوطنات. واتضح حسب معطيات الاستطلاع الذي وصف بالسري، بأن حزب «كاديما» الذي يترأسه أولمرت سينهار كلياً إذا قررت الحكومة الإسرائيلية وقف البناء في المستوطنات، وجبل أبو غنيم، و«معاليه ادوميم».

وحسب مصادر في مكتب أولمرت، فإن الرسالة الموجهة للأميركيين تقول «إن أجبرتمونا على وقف الاستيطان ستضطرون للتعامل مع افيغدور ليبرمن ونتنياهو» (زعيمي حزبي «اسرائيل بيتنا» و«الليكود»). ونقل موقع «يديعوت احرونوت» الالكتروني، عن مصادر في مكتب اولمرت قولها بانه تم الاتفاق مع مجلس المستوطنات في الضفة الغربية على اخلاء بؤر استيطانية معزولة، دون عنف او مقاومة من قبل المستوطنين، وذلك استعدادا لزيارة الرئيس بوش بعد اسبوعين.

ونقل عزام الأحمد، رئيس كتلة فتح فى المجلس التشريعى الفلسطيني، رسالة من الرئيس عباس للأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى، حول المفاوضات الإسرائيلية ـ الفلسطينية والعقبات الإسرائيلية أمام هذه المفاوضات التي تتمثل في استمرار الاستيطان. وانتقدت مصر بشدة الخطط الإسرائيلية لبناء مزيد من الوحدات الاستيطانية في المستعمرات الموجودة في محيط مدينة القدس وشرق المدينة.

وقالت مصر على لسان المتحدث الرسمي للخارجية المصرية، حسام زكي، «إن الاستيطان والسلام نقيضان لا يجتمعان، وأنه على إسرائيل أن تحسم اختيارها». وأضاف «تلك الخطط تلقي بظلال كثيفة من الشك حول جدية الموقف المعلن من إسرائيل حول التفاوض الجاد مع الجانب الفلسطيني في سبيل التوصل لتسوية عادلة تنهي الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، بما فيها القدس الشرقية».

وأشار إلى أن وزير الخارجية المصري يجرى «اتصالات عاجلة» مع عدد من الأطراف الدولية المعنية بالمسألة، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، موضحا أن تلك الاتصالات تهدف إلى توضيح الأخطار المترتبة على استمرار إسرائيل في تجاهل الإجماع الدولي حول رفض سياستها الاستيطانية غير الشرعية والعمل على توحيد الجهد الدولي من أجل حمل إسرائيل على التجميد الكامل لنشاطها الاستيطاني.