باريس لن تقطع حوارها مع دمشق وتعول على القمة العربية المقبلة

مشروع لقاء لبناني برعاية باريس بات في حكم المؤجل

TT

رغم عطلة الأعياد التي تبدأ اليوم، ما زالت الديبلوماسية الفرنسية تنشط بحثا عن مخارج للأزمة السياسية اللبنانية ولإيجاد أرضية مشتركة بين الأكثرية النيابية والمعارضة لانتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيسا للجمهورية. وتمثلت آخر مبادرة فرنسية بمشروع دعوة الرئيس نبيه بري ورئيس كتلة المستقبل النيابية النائب سعد الحريري ورئيس كتلة التغيير والإصلاح النائب ميشال عون الى باريس لإجراء مباحثات مكثفة في باريس ما من شأنه أن «يوفر» على وزير الخارجية برنار كوشنير العودة مجددا الى بيروت التي زارها سبع مرات منذ الربيع الماضي.

غير أن المبادرة الفرنسية يبدو انها وضعت في ثلاجة. وأمس قالت الناطقة باسم الخارجية باسكال أندرياني «ليس ثمة اجتماعا مقررا في الوقت الحاضر ولا جدول أعمال ولائحة مشاركين» في باريس للسياسيين اللبنانيين. غير أن هذا الكلام لا يعني أن المشروع قد تم دفنه بل إنه مؤجل حتى توافر الاتفاق على ما سيناقشه من بنود وعلى من سيحضره من سياسيين.

ورغم تلويح الرئيس الفرنسي الإثنين الماضي بـ«بق البحصة» وكشف حقيقة الوعود السورية وما لم يتحقق منها، يبدو أن باريس لم تحسم أمرها بعد لجهة الموقف الذي ستتخذه من دمشق وهي ما زالت تأمل من السلطات السورية أن تساعدها «لتليين» موقف المعارضة والتخفيف من شروطها لما فيها شرط الاتفاق على تشكيل الحكومة المستقبلية. وبدا ذلك أمس من خلال تصريحات أندرياني التي قالت إن باريس ما زالت على اتصال «مع كل الأطراف وبالتشاور مع شركائنا وكل الجهات ذات الصلة». ومن هذا المنظور، تفهم تصريحات ساركوزي على انها من باب «زيادة الضغط السياسي» لتوفير شروط الوصول الى حل وانتخاب رئيس جديد.

وسيحمل الرئيس ساركوزي الملف اللبناني الى القاهرة حيث سيلتقي الرئيس حسني مبارك يوم الأحد القادم أي بعد يوم واحد من الموعد المقرر للجلسة القادمة لمجلس النواب التي يبدو أنها ستؤول كما سابقاتها الى التأجيل.

وحتى الآن، لا تزال باريس متمسكة بالبحث عن مخرج «توافقي» للانتخابات الرئاسية ولذا تبدو حذرة إزاء دعوة الرئيس الاميركي جورج بوش لانتخاب رئيس بالنصف زائدا واحدا وهو ما ترى فيه مشروعا للفوضى والتأزيم في لبنان. ورفضت باريس أمس الخوض في دعوة المندوب الأميركي لدى الأمم المتحدة السفير زلماي خليل زاد الى حث مجلس الامن على التفكير بفرض «تدابير إضافية» على سورية بسبب عرقلتها للانتخابات الرئاسية اللبنانية. واكتفت الخارجية بالقول إن موقف فرنسا الرسمي يتضمنه البيان الصادر الاثنين الماضي مكررة الدعوة لكل الأطراف المعنية للمساهمة في تسهيل حصول الانتخابات ومتمنية أن يسمع الجميع هذه الرسالة.

وترى مصادر فرنسية أنه «سيكون من الصعب» إقناع مجلس الأمن بالسير في مشروع لفرض عقوبات على سورية بسبب تعطيلها للانتخابات النيابية خصوصا في ظل انقسام لبناني داخلي حاد. وتتساءل هذه المصادر عن ردود الفعل المحتملة للمعارضة المتحالفة مع سورية على مشروع من هذا النوع وعما إذا كان دخول مجلس الأمن على الخط من شأنه أن يحفزها على تليين موقفها أم على العكس من ذلك سيحفزها على مزيد من التصعيد السياسي وربما الأمني. وتأخذ باريس في الاعتبار وجود ألفين من جنودها في جنوب لبنان في إطار قوة اليونيفيل المعززة وحرصها على ضمان أمنهم ايضا.

وفي أي حال، تقول مصادر فرنسية مطلعة إنه إذا انقضت الدورة الحالية لمجلس النواب من غير انتخاب، فثمة محطة أساسية قادمة قد تكون هي التي ستشهد انتخاب رئيس جديد. ويتمثل الموعد الجديد بمؤتمر القمة العربية القادمة المقررة في دمشق في شهر آذار القادم. وقالت مصادر فرنسية رسمية لـ«الشرق الأوسط» إنه من «المستبعد» أن تدعو القيادة السورية الى القمة العربية فيما الأزمة اللبنانية ما زالت مستعرة. وترى هذه المصادر أن قادة عربا أساسيين «لن يسلكوا طريق دمشق طالما يعتبرون أنها وراء التأزيم الحاصل في لبنان، إما وحدها وإما بالشراكة مع إيران» رغم الاختلافات التي ظهرت بين البلدين بخصوص مؤتمر أنابوليس والأجندات المختلفة بشأن لبنان. وتقدر باريس أن استحقاق القمة «سيدفع المسؤولين السوريين الى إعادة النظر بحساباتهم». غير أن المشكلة كما يقول ديبلوماسي غربي في باريس أن القمة «بعيدة ولا شيء يضمن أن الفراغ الدستوري سيبقى تحت السيطرة لشهرين ونصف الشهر.