مدينة ألمانية تلغي قواعد مرور السيارات والمشاة

مدن أوروبية أطفأت إشارات المرور وأرغمت الناس على الاعتماد على البديهة

مدينة بوهمتي الالمانية ألغت إشارات المرور الضوئية
TT

شأن ما لا يحصى من التجمعات عاشت هذه المدينة الألمانية الغربية لسنوات وهي تعاني من مشكلة مرور بائس. ففي كل يوم تزدحم آلاف السيارات والشاحنات الكبيرة في الشارع الرئيسي ذي المسارين ما يرغم المشاة وركاب الدراجات الهوائية الى التحرك السريع من اجل الحفاظ على حياتهم.

ولم تفعل العلاجات المألوفة شيئا. ولهذا قرر مواطنو بوهمتي ان يقوموا بمخاطرة كبيرة، فمنذ سبتمبر (ايلول) الماضي كانوا يغيرون الأرصفة ويزيلون الحواجز وكذلك علامات الشارع كجزء من خطة راديكالية للتخلي عن كل قواعد المرور تقريبا وإرغام الناس على الاعتماد على البديهة واللياقة بدلا من ذلك.

وهذه الطريقة في ادارة المرور، التي تعرف باسم «الفراغ المشترك» تكسب موطئ قدم في اوروبا. فقد أطفأت مدن في هولندا والدنمارك وبريطانيا وبلجيكا أضواء المرور وأوقفت الاشارات في محاولة لتحويل الشوارع الى الجميع. والافتراض أن السواق معتادون على امتلاك الطريق ونادرا ما يولون اهتماما لحدود الشرعة او اشارات التحذير. ويجري التفكير بأن إزالة اضواء المرور واشارات الطرق ستسبب اثارة اعصاب السواق وبالتالي الى التقليل من سرعتهم.

وقد دعم الاتحاد الأوروبي برامج «الفراغ المشترك» في سبع مدن في خمس دول. وينتشر الاهتمام بالموضوع في انحاء مختلفة من العالم، حيث ارسلت مدن من دول تمتد من أستراليا حتى كندا مبعوثين الى اوروبا لرؤية ما اذا كانت التجربة تفعل فعلها.

وفي بوهمتي، المدينة التي يبلغ تعداد نفوسها 13 الف نسمة، تعب الناس من ضجيج الشاحنات السائرة على الطريق الرئيسي للمدينة. وبما أن الطريق يعتبر رئيسيا فإن القانون الألماني منع المسؤولين المحليين من حظر حركة الشاحنات. وفكروا بإقامة طريق جانبي بدلا من ذلك غير ان التجار راحوا يشعرون بالقلق من ابعاد الكثير من السيارات عن مركز المدينة، الأمر الذي يلحق الضرر بالنشاط التجاري.

وفي عام 2005 علم مسؤولو المدينة بموضوع «الفراغ المشترك» وقرروا تجربة ذلك. وكانت احدى العقبات الكبيرة إقناع مسؤولي المرور بالمصادقة على هذه الطريقة غير التقليدية. وقال ويلي لادنر مساعد رئيس بلدية بوهمتي إنهم وافقوا في آخر المطاف.

وفي السادس من نوفمبر (تشرين الثاني) افتتح جزء صغير من شارع بيرمين الرئيسي للمرور بدون اشارات وحواجز. وبدون فراغات عليها علامات كان بوسع الناس ايقاف سياراتهم اينما يريدون طالما انهم لا يتركونها في منتصف الطريق. وكان الرصيف الجديد بلون الآجر الأحمر وهو ما يعطي اشارة الى السواق بأنهم يدخلون منطقة خاصة.

ولم تبق سوى قاعدتين للمرور: لا يمكن للسواق ان يتجاوزوا سرعة الثلاثين ميلا في الساعة، وهي حدود السرعة في المدن الألمانية. وعلى الجميع ان يسير الى اليمين بغض النظر عما اذا كان سيارة أو دراجة أو عربة طفل.

يمكن القول إن التخلص من العادات القديمة عسير، خصوصا في ألمانيا، فالبلد مهووس بالقواعد حيث من المتوقع للأشخاص الذين يعبرون الطريق بشكل غير نظامي أن يتلقوا عبارات موبخة من العابرين حتى لو لم تكن هناك سيارات بارزة للعيان.

وحينما سئل عن تقديم عروض شخصية وضع هيلبريتش غياب أنظمة المرور في بوهمتي موضع الفحص. فباختيار نقطة ما بادر بشجاعة إلى عبور الشارع، وهو عمل تترتب عنه عقوبة مالية في أي مكان آخر بألمانيا.

قللت السيارات مباشرة سرعتها وأعطت هيلبريتش مسافة واسعة على الرغم من اعترافه بأن ملابس الشرطة التي يرتديها قد تكون نقطة مهمة لصالحه.

وحينما حاول مراسل صحافي أن يفعل الشيء نفسه لم يكلف سائقان نفسيهما من تقليل سرعة سيارتيهما بمن فيهما ذلك الرجل الذي يسوق سيارة شحن صغيرة الذي زاد من سرعته وهو يتكلم مع شخص ما عبر هاتفه الجوال.

اعترف لادنر، نائب عمدة المدينة، أن التغيير قد يستغرق عاما قبل أن يتعود عليه السكان. لكن مسؤولين آخرين بدوا واثقين من نجاح التجربة. وهم سينفقون 3.3 مليون دولار لإصلاح بعض شوارع المدينة قبل انتهاء الصيف المقبل ويأملون أن يوسعوا المنطقة الخاصة تدريجيا خلال فترة العشر إلى عشرين سنة مقبلة.

وتم تصميم البرنامج للأماكن العامة حيث يتشارك المشاة وسائقو الدراجات في الطرق مع السيارات. وقال مهندسو المرور إن ذلك قد يؤول إلى ازدحام خانق إذا تم تطبيق النظام على المناطق ذات الكثافة العالية في السيارات المتحركة، مثل المدن الكبيرة.

من الناحية العملية، يعمل مبدأ «الفراغ المشترك» فقط في نقاط التقاطع التي تجذب أقل من 15 ألف سيارة في اليوم، حسبما قال يورغن غيرلاش، الاستاذ في مركز المرور والنقل بجامعة وبرتال. ويمكن لهذا الأسلوب أن تكون له عواقب سلبية إذا وسع ليغطي مساحة تزيد عن نصف ميل من الطرق في أي وقت. عدا عن ذلك فإن السائقين سيشعرون بالضيق الشديد بسبب السرعة البطيئة ويحاولون تجنبها.

وقال بعض السكان في بوهمتي إنه على الرغم من ضرورة القيام بإجراء ما فإنهم يظلون غير مقتنعين بأن إزالة علامات الطريق واتخاذ إجراءات السلامة الأخرى ستؤدي إلى وضع أحسن.

وقالت ماريا ستولت: «إنها مشكلة كيف أصبح الناس اليوم. الكل متعجل، والكل يتحرك. ولا أحد يلتفت أو يتوقف أو أن يكون مهذبا. آمل أن يؤدي هذا النظام إلى إبطاء حركة الناس».

*خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»