العنف يطارد الأسماك في البصرة

الصيد الجائر وتلوث البيئة يهددان الثروة السمكية

TT

لم تسلم الأسماك في محافظة البصرة جنوب العراق  من أعمال العنف خلال السنوات الأخيرة حيث تطاردها وسائل الصيد الجائر بالسموم الرخيصة واتساع رقعة الملوثات في المياه الداخلية مما شكلا خطرا داهما في البيئة الحياتية لها أدى إلى  تراجع في أعدادها واحتفاء أنواع كثيرة من أنواعها. ويرتبط تناول السمك عند البصريين بالموروث الشعبي للمنطقة الجنوبية من العراق إذ لا تقام وليمة إلا وكان السمك يتصدر موائدها كما لا يمر أسبوع إلا والسمك الوجبة الرئيسية للعائلة وقيل في الماضي القريب «الفقير يمشي وسمكته بيده» دليل على توفرها ورخص أسعارها، ومن أجمل الأمثال الشعبية المأخوذة عنها هي ما يقال إن «لفلان قلب سمكة» أي ليس فيه مكان للحقد و«السمك مأكول مذموم».

وإذا كانت البصرة قد اشتهرت بالتمور منذ أزمان بعيدة فإنها أيضا مدينة اسماك تغترف أشباك الصيادين فيها مئات الأطنان يوميا سواء كانوا في الاهوار أو في دجلة والفرات قبل عناقهما بمدينة القرنة وفي شط العرب والخليج العربي، ولكن أهالي المدينة اليوم يشاهدون عشرات الشاحنات المبردة القادمة عبر بوابة صفوان الحدودية الحاوية على الأسماك المستوردة لسد الحاجة المحلية منها ..

وقال الدكتور ساجد سعد رئيس قسم الثروة السمكية في كلية الزراعة بجامعة البصرة لـ«الشرق الأوسط» إن واقع الثروة السمكية حاليا «متدهور جدا بسبب استخدام السموم وهو ما يسمى بالصيد الجائر وارتفاع نسبة الملوثات بالمياه المحلية ومن أهمها ملوثات النفط ..»، وأضاف «إن غياب الأجهزة الرقابية ولجوء الصيادين إلى وسائل الصيد السهلة باستخدام المبيدات الزراعية الرخيصة والعالية السمية والصعقات الكهربائية والصيد أثناء مواسم التكاثر وانتشار الملوثات أدت إلى تدهور الدورة الحياتية للأسماك وبالتالي إلى نقص كبير في أعدادها». ولوقف هذا التدهور شكل مركز أبحاث علوم البحار في جامعـة البصرة فريق عمل من الخبراء لإجراء بحث شامل حول ظاهرة تراجع الثروة السمكية في جنوب العراق، بعد أن بلغ التدهـور حدا كبيرا. وقال سعد السماك ( صاحب محل ) إن الأسماك في البصرة أما بحرية او نهرية، موضحا ان النوع الاخير يتضمن القطان والبني والسمتي والشبوط «ويكون حجم هذه الأسماك كبيرا، وتكثر هذه الأنواع في المسطح المائي الممتد من البصرة إلى مدينة العمارة وتكون أسعارها مرتفعة على مدار السنة وخاصة في فصل الشتاء وتتميز بنكهة خاصة تختلف عن أسماك البحر بل حتى عن أسماك المزارع من النوع ذاته». وبالنسبة للسمك البحري، يوضح السماك ان اشهر أنواعه هي الزبيدي والصبور والنويبي والهامور والجفوت ولسان الثور والروبيان وأنواع أخرى كثيرة.

وأضاف السماك «إن  أفضل فترة شهدتها أسواق الأسماك هي المحصورة بين عامي 1970 و 1979 إذ كان الصيد بلا قيود والدولة كانت تشجع الصيادين من خلال الجمعيات»، مشيرا إلى  إن سوق السمك في البصرة يشهد انحسارا واضحا من خلال عزوف الكثير من الصيادين عن العمل في البحر لارتفاع أسعار الوقود ومستلزمات الصيد الأخرى وانعدام دعم الدولة، مما شجع الآخرين إلى اللجوء لتسويق الأسماك المستوردة، مؤكدا تخلف أسواق السمك المحلية عن مثيلاتها في الدول الخليجية المجاورة لعدم وجود قانون أو نظام يكفل حقوق الصياد وصاحب المحل والمستهلك.