الشركات الأمنية في العراق: 48 ألف متعاقد.. وأكثر من ملياري دولار

أكبر قوة أمنية خاصة تستخدمها الولايات المتحدة.. مهامها حماية القوافل الدبلوماسية

TT

تجاهلت الحكومة الأميركية تحذيرات كثيرة خلال العامين الماضيين بشأن مخاطر استخدام شركة «بلاك ووتر» وشركات أمن خاصة أخرى في العراق، وسعت وجودها حتى بعد أن أظهرت سلسلة من أحداث اطلاق النار ان الشركات تعمل في اطار قليل من الضوابط أو الاشراف، وفقاً لما ذكره مسؤولون حكوميون ووثائق وشركات أمن خاصة.

ونقلت التحذيرات في رسائل ومذكرات من خبراء في قضايا الدفاع والقانون، وفي مناقشات عالية المستوى بين مسؤولين أميركيين وعراقيين. وعكست القلق بشأن افتقار الى التحكم بعشرات الآلاف من الحراس الخاصين في العراق، الذين يشكلون اكبر قوة امنية خاصة استخدمتها الولايات المتحدة في فترة حرب.

ولم تتخذ لا وزارة الدفاع ولا وزارة الخارجية اجراءً فعالاً لتنظيم عمل الشركات الأمنية الخاصة الى ان فتح حراس «بلاك ووتر» النار يوم السادس عشر من سبتمبر (ايلول) في بغداد، مما ادى الى مصرع 17 من المدنيين العراقيين وأثار احتجاجات حول دور متعاقدي الأمن في العراق.

وقال كريستوفر بيس، كبير اداريي شركة ارمورغروب انترناشيونال الأمنية البريطانية، ذات العمليات الواسعة في العراق «لماذا لم يروا المارة في المكان؟ ذلك يدهشني. كان بوسع أي امرئ ان يرفع راية ويقول: توقفوا فهذه ليست انباء سارة بالنسبة لنا».

وقد اندفعت شركات الأمن الخاصة الى العراق بعد غزو مارس (آذار) 2003. وكان الجيش الأميركي الذي دخل البلاد بقوات بلغ تعدادها 130 ألفا بحاجة الى قوة بشرية اضافية لحماية قوافل الامدادات والدبلوماسيين. وكانت الشركات الأمنية الخاصة تبدو «مثل الفطر بعد المطر» وفقا لما رواه مايكل اريغي الذي عمل في مجال الامن الخاص بالعراق منذ عام 2004.

وفي العام الماضي، قدرت وزارة الدفاع ان 20 ألفا من الحراس عملوا في العراق، بينما قدر مكتب المحاسبة الحكومي العدد بحدود 48 الف حارس.

وأبلغ مسؤولون عسكريون أميركيون اللواء حسين كمال، مدير الاستخبارات في وزارة الداخلية العراقية، ان شركة «بلاك ووتر» تعمل تحت سلطة وزارة الخارجية وليس في اطار سلطتهم.

وقال تي إكس هاميس، كولونيل مارينز المتقاعد الذي عمل مستشاراً للجيش العراقي الجديد من يناير (كانون الثاني) حتى مارس 2004 «اعتبرنا هذا الوضع فاشلا منذ البداية». وأضاف ان حراس الأمن الخاصين يثيرون غضب العاملين العراقيين معه بسبب اساليبهم العدوانية، مشيرا الى انه ابلغ القيادة العليا بهذه المشاكل. ويجادل مسؤولون أميركيون بأن المتعاقدين الأمنيين يوفرون أموالا ويحررون القوات للقيام بمهمات أكثر إلحاحاً مثل القتال ضد المتمردين.

وكانت وزارة الخارجية قد حققت في أحداث إطلاق نار سابقة من جانب «بلاك ووتر» ولم تجد انها ارتكبت اخطاء وفقا لمسؤول رفيع معني بالقضايا الأمنية. وقال ان السفارة الأميركية ناقشت كل المخاوف التي عبرت عنها الحكومة العراقية بشأن تصرف الشركة. وقال المسؤول الذي تحدث مشترطا عدم الاشارة الى اسمه بسبب التحقيقات المستمرة في حادث السادس عشر من سبتمبر الماضي، «لست على دراية بتحذيرات مهمة».

ودفعت وزارة الدفاع مبلغ 2.7 مليار دولار للأمن الخاص منذ عام 2003، وفقا لمؤسسة الإنفاق الأميركي، التي تمولها الحكومة وتقوم بمتابعة الانفاق على العقود. وقال الجيش انه يستخدم حاليا 17 شركة في العراق بموجب عقود تبلغ قيمتها 689.7 مليون دولار. ودفعت وزارة الخارجية 2.4 مليار دولار للأمن الخاص في العراق، بينها مليار دولار لشركة «بلاك ووتر» منذ عام 2003.

وفي الخامس من ديسمبر (كانون الأول) وقعت وزارتا الخارجية والدفاع اتفاقا يهدف الى زيادة التعاون بينهما والتحديد الأفضل لسلطاتهما على متعاقدي الأمن الخاص. وحدد الاتفاق الذي صادق عليه ريان كروكر، السفير الأميركي لدى العراق، والجنرال ديفيد بترايوس، قائد القوات الأميركية هناك، وللمرة الولى الخطوط العامة المشتركة لإعداد التقارير عن الأحداث الخطيرة، واستخدام القوة القاتلة، والتنسيق الميداني وامتلاك الأسلحة النارية.

ولكن القوانين التي تحكم المتعاقدين الأمنيين ما تزال غير واضحة. ففي الثلاثين من سبتمبر 2006 أقرَّ الكونغرس قانونا يهدف الى إعطاء الجيش سلطة على كل المتعاقدين في العراق، بما في ذلك «بلاك ووتر». ولكن القانون لم يطبق من جانب البنتاغون. وقال السناتور الجمهوري لندسي غراهام والسناتور الديمقراطي جون كيري، اللذان رعيا القانون، في رسالة لهما الى وزير الدفاع روبرت غيتس بعد فترة قصيرة من حادث السادس عشر من سبتمبر، ان التأخير الذي دام 15 شهرا «أدى الى الكثير من الإرباك حول مَنْ سيجري تغطيته. وأثار ارتياباً بشأن ما اذا كانت الوزارة تعتزم الاستفادة من هذا القانون».

وقال المتحدث باسم البنتاغون، برايان ويتمان، ان البنتاغون يدرس ما اذا كان بوسع القانون ان يتوافق مع التدقيق القانوني.

في الحروب السابقة، كان البنتاغون يمنع المتعاقدين من المشاركة في القتال، لكن في العراق أعاد المخططون العسكريون النظر في هذه السياسة للتماشي مع حقيقة الوضع على الأرض. وفي 20 سبتمبر 2005 أصدر الجيش أمرا يسمح للمتعاقدين باستخدام مواد مميتة للدفاع عن العاملين والأجهزة التي في حوزتهم.

ومكن القرار القيادة العسكرية من زيادة مستوى الوحدات بشكل كبير مع المتعاقدين الذين «أصبحت أدوارهم القتالية الآن موازية لتلك القوات التي يسمح بها الدستور والكونغرس»، حسبما كتب هربرت فنستر من مؤسسة ماكينا لونغ وألدريدج القانونية، التي مركزها في واشنطن. وتساءل فنستر عن شرعية إشراك المتعاقدين في العمليات الحربية. لكن لم تضع لا وزارة الدفاع ولا وزارة الخارجية دليلا لاستخدام عشرات الآلاف من البنادق في ساحات القتال. وأدى غياب الإشراف إلى زيادة الأعباء على الموظفين العاملين في الشركات المتعاقدة التي كانت تقوم بتحقيقاتها الخاصة حينما تقع حوادث إطلاق نار. وتعمل عشرات الشركات الأمنية تحت أطر من التعاقدات الثانوية التي تجعل الإشراف على انشطتهم وتعقبها أمرا مستحيلا. فهم غير مسؤولين أمام أي طرف عن الحوادث العنيفة حسبما قال مسؤولون أميركيون وممثلون عن الشركات على اطلاع بالترتيبات الخاصة بالتعاقدات. وغالبا ما يتوجه المسؤولون الأميركيون إلى «اتحاد الشركات الأمنية الخاصة للعراق»، وهي منظمة تجارية تمولها الشركات الأمنية. وعمل لورنس بيتر، ضابط الاستخبارات المتقاعد كمدير للاتحاد، فيما هو يعمل كمستشار لمكتب دعم إعادة الإعمار للدفاع، وهذا المكتب تابع لوزارة الدفاع ويقوم بإدارة العقود في العراق وأفغانستان. وقال برايان ويتمان المتحدث باسم وزارة الدفاع إن بيتر «يكسب بضعة آلاف فقط من الدولارات في السنة» كمستشار.

ويعمل الاتحاد من مكتب موجود في دائرة فيلق لوجستيكيات المهندسين يقع داخل المنطقة الخضراء. وقال جاك هولي كولونيل المارينز المتقاعد الذي يرأس هذه الدائرة إن بيتر والاتحاد يلعبان «دورا حاسما ضمن مؤسسات الامن الخاصة لتحسين أدائها. وهما يحاولان ملء فراغ نجم عن فشل الحكومة الأميركية في تشخيص المشكلة».

من جانبه، قال ويتمان مشيرا إلى بيتر: «البنتاغون لا يراه شخصا موالا» لقطاع الخدمات الأمنية الخاص، بل «يراه قناة معلومات لفهم دور المتعاقدين في مجال الخدمات الامنية الخاصة في عملية إعادة الإعمار».

في يوم 27 يونيو(حزيران) 2004، أي قبل مغادرته بغداد بيوم واحد، وقع بول بريمر رئيس الإدارة المدنية لقوات التحالف في بغداد، القرار رقم 17، منح المتعاقدين حصانة من القانون العراقي.

وبعد عامين، وصل ماثيو ديغان، الذي كان يبلغ من العمر آنذاك 36 سنة من سياتل، إلى بغداد ليشغل منصب مستشار رفيع لوزارة الداخلية. وكان أحد واجباته مساعدة العراقيين لتنظيم عمل الأمن الخاص. وبدأ أولا بقراءة القرار رقم 17.

وكان العداء قد وصل إلى قمته تجاه مؤسسة «بلاك ووتر» في وزارة الداخلية العراقية، التي تتحكم فيها الميليشيات الشيعية. وخربت حادثة اطلاق النار التي وقعت في فبراير(شباط) 2006 بكركوك العلاقات الأميركية ـ العراقية في المنطقة، تاركة الأميركيين «مكروهين ومنبوذين» حسب قول علي رئيس مجلس المحافظة.

وقال علي «بعثت برسائل رسمية للقنصليتين الأميركية والبريطانية والتقيت بمسؤولين منهما في مكتبي لتحري من كان قاتلا. لكنهم لم يقوموا بأي شيء كي يعطوني إجابة واضحة. هم قالوا فقط: الذين قاموا بذلك هم من شركة بلاك ووتر».

لكن المتحدث باسم «بلاك ووتر» لم يرد على الرسائل الالكترونية والهاتفية التي تركها كاتب هذا التقرير. أما المسؤولون الأميركيون القريبون من الحادثة فقالوا إنهم لا يتذكرونها.

وكان اعتماد وزارة الخارجية على شركة «بلاك ووتر» الأمنية قد اتسع بشكل كبير عام 2006، حينما فازت شركتا «داينكورب» و«تريبل كانوبي» بعقد جديد قيمته 3.6 مليار دولار. وزادت الحصة المخصصة لـ«بلاك ووتر» من 488 مليون دولار إلى 1.2 مليار دولار. وتضاعف عدد كوادرها من 482 إلى 1082 شخصا من يناير 2006 إلى أبريل (نيسان) 2007. ودفعت وزارة الخارجية الأميركية لـ«بلاك ووتر» ما لا يقل عن 601 مليون دولار في 38 صفقة حسب الأرقام الحكومية.

*خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»