المهاجرون اللبنانيون لا يكترثون بالأزمة وبلدهم وجهتهم المفضلة للأعياد

الهجرة الجديدة خلقت ظاهرة «عولمة لبنان»

TT

قد يبدو لبنان مكانا غير محبذ للإجازة. فالحكومة في مأزق وتفجيرات السيارات بين الحين والآخر ويحذر الدبلوماسيون من حرب أهلية وشيكة. ومع ذلك فان الكثيرين يتوجهون الى هذا البلد الصغير بحيث ان رحلات الطيران كلها محجوزة، وبعض المسافرين الموسرين يسافرون 18 ساعة عبر الخليج. وتمتلئ مطاعم بيروت وباراتها واسواقها التجارية بالناس.

لماذا؟ الجواب ان حركة الهجرة تصبح عكسية فالمهاجرون اللبنانيون يمضون اجازاتهم في بلدهم ويعززون بذلك الاقتصاد اللبناني الذي مزقته الحرب ويعودون كل عام من اماكن عملهم في مختلف انحاء العالم لقضاء وقت مع عوائلهم. ولن يمنعهم شيء، لا الطقس السيئ ولا الرحلات الجوية المتأخرة ولا سياسيو لبنان الذين يتنازعون بلا نهاية.

وقال جورج الياس (23 عاما) الذي يعمل في شركة استثمارات في اليابان «كانت الطائرة التي استقللتها مليئة بلبنانيين عائدين الى وطنهم، وعندما هبطت هتفنا جميعا (بيروت) وصفقنا».

وكان و12 من اصدقائه معظمهم لبنانيون يعملون في الخارج، وسط حانة مزدحمة في الجميزة. وكانوا جميعا يرتدون قمصان تي شيرت بيضاء مميزة طبعت عليها عبارة «فري هاغ» (ضمة مجانية) وكانوا يعانقون كل من يرونه وسط مشاعر عارمة.

وقال الياس «السياسة تسبب مشاكل في لبنان، ولهذا فاننا نريد أن يفكر الناس بشيء آخر». وعندما ظهر جندي من الجيش اللبناني في الشارع احاطت المجموعة به بعناق حار وكان الاخير يبتسم.

وعبر المدينة في بيروت الغربية كانت الأسواق التجارية مليئة بالمتسوقين بل وكانت المقاهي في الخارج مليئة بالناس على الرغم من الطقس غير الملائم.

وقال علي حاصبيني (30 عاما) وهو يجلس في مقهى في منطقة فردان مع ثلاثة شباب لبنانيين ممن يعملون في الخارج «انظر الى كل هؤلاء الناس. هناك أزمة سياسية ولكن هل يهتمون؟ بالطبع كلا».

وكان رواد المقهي بانوراما للهجرة اللبنانية. فواحد من الأشخاص يعيش في سنغافورة، وآخر في عدن باليمن، وثالث في جدة بالمملكة العربية السعودية، ورابع في دبي. وكلهم جاءوا الى الوطن من أجل رؤية عوائلهم.

والحقيقة أن عيد الميلاد توافق هذا العام تقريبا مع عيد الأضحى مما دفع مزيدا من المهاجرين للعودة رغم الازمة العسيرة. فلبنان بدون رئيس منذ 23 نوفمبر الماضي عندما انهى الرئيس السابق اميل لحود ولايته دون اتفاق على من يخلفه. ومنذئذ أجل البرلمان التصويت على انتخاب رئيس جديد عشر مرات، وتحولت المفاوضات الى شيء اكثر صعوبة.

وقال حاصبيني الذي يعمل في شركة معدات تلفزيون وسينما في جدة «مللنا هذا الوضع. انه يشبه اوبرا نراها هنا حية. السياسة؟ خلص، نحن في الوطن». أصبح لبنان بالنسبة لبعض العوائل مجرد مكان لاجتماع أفرادها.

وقالت ماريا باموكيان، 28 سنة، والتي تعمل مهندسة في أبو ظبي «نحن هنا لقضاء عطلنا لكن لا احد منا يعيش هنا». وتتكون عائلتها من 10 أشخاص ـ سبعة راشدين وثلاثة أطفال ـ وكلهم منتشرون في أنحاء الأرض، مع ذلك فهم ما زالوا يمتلكون شقة كبيرة هنا. وقالت باموكيان إنها مثل الكثير من الناس جاهدت كي تحصل على تذاكر طائرات ونجحت فقط بعد أن استعطفت شركة الخطوط الجوية كي تعطيها تذكرة بسبب حفل زفاف إحدى صديقاتها في لبنان، لكن الشركة اعطتها تذكرة إلى دمشق ومن هناك سافرت برا إلى بيروت واستغرقت رحلتها 16 ساعة.

أما طارق المصري، 26 سنة، فقال إنه يئس تقريبا من الحصول على تذكرة سفر من السعودية حيث يعمل، حتى انفجرت سيارة مفخخة في بيروت وقتل أحد الضباط الكبار في الجيش اللبناني في الأسبوع الماضي. وأدى ذلك إلى إلغاء عدد من الناس لرحلاتهم، وهذا ما مكنه من الحصول على تذكرة للقدوم إلى بلده.

وقال المصري إن اهالي بيروت أصلب من أن يُرهَبوا بعد سنوات الحرب الأهلية. وأضاف: «إنهم عادة السياح الخليجيون الذين يلغون رحلاتهم حينما تحدث أمور كهذه. إنهم ليسوا اللبنانيين. نحن سمعنا بأحداث مماثلة من قبل وشاهدناها على ارض الواقع».

لكن هناك لازمة ترافق هذه الطقوس في العودة: الكثير من أبناء الطبقة الوسطى بمن فيهم أكثر الشرائح تألقا وقدرة في لبنان ـ ما عادت تعيش في لبنان. ويبدو أن وتيرة الهجرة تزايدت بشكل كبير بعد العنف الذي تفجر عام 2006 بسبب الحرب مع إسرائيل والأزمة السياسية التي اعقبتها حسبما قالت غيتا حوراني عالمة الاجتماع في جامعة سيدة اللويزة شمال بيروت والتي درست الأنماط التي تتبعها الهجرة من لبنان.

ولعل الثروة المتأتية من النفط في منطقة الخليج ساعدت على جذب عدد أكبر من اللبنانيين الشباب. وقال نسيب جبريل رئيس قسم البحوث والتحليل في بنك بيبلوس «تأتي الشركات الخليجية إلى هنا وتأخذ الكفاءات من البنوك وقطاعات أخرى. إنهم يشغّلون أعدادا كبيرة من كوادر خريجة متقدمة». وهؤلاء المهاجرون يقدمون للبنان دخلا يصل إلى حوالي 1400 دولار للشخص الواحد سنويا حسبما قال جبريل وهذا يعد واحدا من أعلى نسب الدخل المتأتية من الخارج في العالم. وتلك التحويلات المالية هي التي تغذي الاقتصاد على الرغم من أنها لا تجاري ديون البلد المتزايدة أو غياب الاستثمارات على المدى البعيد أو النزيف المستمر لقوة البلد الأساسية أي غياب أبنائها. لكن هناك طريقة أخرى لتحليل هذه الظاهرة. قال جبريل: «ربما بدلا من التحدث عن استنزاف العقول علينا أن نتحدث حول عولمة العقول. عولمة لبنان».

* خدمة «نيويورك تايمز»