إسبانيا: ثقافة متطرفة تطغى على رسائل الأصوليين من خلف القضبان

كتبت بالعربية والإسبانية والفرنسية وتعبر عن عنف وتكشف عن تحالفات مع شبكات في شمال أفريقيا

TT

يبدو المتهمون الثلاثون، وهم يحدقون بمن وجه اليهم الاتهام من خلال زنزانة زجاجية في قاعة المحكمة، اشبه بقطاع طرق أو عمال أو اصوليين منهم بكتاب. ولكنهم خاضوا جهادهم «بالقلم وكذلك بالسيف»، وفقا لما يقوله المدعون. والرجال متهمون بالتخطيط لتفجير مبنى المحكمة حيث يحاكمون الآن. وتركز الأدلة على حوالي 500 رسالة كتبوها، معظمها خلف القضبان. وتكشف الرسائل المكتوبة بخط اليد ثقافة متطرفة. فهي تعبر عن الغضب والجهل. وترسم صورة لتطرف مجموعة تحالفت مع شبكات ارهابية في شمال أفريقيا وكانت لديها صلات تمتد من هولندا الى لومبوك.

وكتب المتهم اللبناني هواري جيرا في اواخر 2004 «نحمد الله على وضعه الجهاد في اعلى مستوى، وان أولئك الذين يعدون الآخرين لتمجيد اسم الله ودينه سيكافأون. الأشقاء الذين يقاتلون في الجبال بالرصاص والقنابل وأولئك الموجودون في سجون الكفار يقاتلون عبر الوعظ بالاسلام بقلوبهم وألسنتهم واقلامهم».

ومن سجن في مدينة ليون الإسبانية وجه الشاب البالغ 27 عاما رسائل الى قائد الحلقة المتهم عبد الرحمن طاهري، المغربي البالغ 34 عاما الذي كان يقوم بعمليات تزوير لبطاقات الاعتماد المصرفية في سالامانكا ثم مايوركا. ويتمتع طاهري بمعرفة جيدة بالقرآن. ويزعم أنه قام بالتدرب على الارهاب في الجزائر مع شبكة تعرف باسم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي. وحصلت «لوس انجليس تايمز» على رسائل المتهمين مع بعضهم البعض، ومع أصدقاء وأقارب. وتناقش الرسائل التي كتبت بالعربية والأسبانية والفرنسية مواضيع مثل الدين وقضايا المحاكم وقضايا عائلية. ولكنها تعود على نحو مهوس الى مواضيع القتال والموت.

وكأن رسائل السجن مواصلة للحرب المقدسة بوسائل أخرى ولكنها كانت كما يقول المدعون غير مراقبة الى حد كبير. وفي مسعى للالهام تراسل السجناء مع ثلاثة ارهابيين ادينوا بتفجير مركز التجارة العالمي بنيويورك عام 1993 مما ادى الى مصرع ستة اشخاص. ويعبر المتطرفون هنا عن اعجابهم بالثلاثة الذين يقبعون في سجون أميركية بسبب هجومهم التاريخي على اميركا وبسبب رسائل وقصائد نشروها في الصحافة العربية بعد احتجازهم. وفي رد على طاهري من لومبوك بدا محمد أمين سلامة كما لو أنه يتحدث الى مبتدئ. وأعطى الأردني الذي يقضي حكما بالسجن لمدة 116 عاما بسبب تفجير مركز التجارة العالمي نصيحة الى المغربي وعنوان محرر صحيفة في لندن.

وكتب سلامة يقول انه «يريد أن أظهر زيف النظام الأميركي. لو انك تمكنت من تصوير مقالتي وارسالها الي بالبريد لأنني أريد ان احصل على اشتراك مجاني في صحيفة عربية بلندن، ومن اجل ذلك أحتاج الى ان اطلعهم على انني نشرت مقالات عدة في صحيفتهم».

وبتعيين نفسه أميرا كتب طاهري للشخص القيادي الثاني: «أنا سأعطيك أخبارا طيبة وهو أنني شكلت جماعة تضم اخوة طيبين مستعدين للموت في أي لحظة من أجل الله. نحن بانتظار أن نخرج من السجن للمضي مباشرة إلى العمل، وأنت ستكون معنا بالتأكيد. إنه واجبك أن تفكر وأن تخطط، نحن لدينا الرجال والأسلحة ولا تنقصنا الأماكن ما نحتاجه هو الممارسة».

ومع تشكل شبكته راح طاهري يتسلم عشرات الرسائل من قواطع زنازين وسجون حسبما قال وكلاء النيابة. وأشار سجناء أنهم كسبوا «احتراما كبيرا» عن طريق تنظيم جلسات صلاة مكشوفة حيث تمكنوا من كسب مسلمين آخرين راحوا يتشاجرون مع سجناء آخرين ومع بعض الحراس. وتمتلئ الرسائل بتحيات شعائرية ونصوص دينية، وتعبر عن اعتماد عميق على الزعيم. وتساءل محمد بكيري من سجن بزاراغوزا في رسالة: «ماذا يجب على المجاهدين أن يفعلوا قبل قيامهم بعملية انتحارية»؟ وقال لطاهري إنهم سينتصرون «مثل انتصار النبي محمد، عندما هزم المسلمون الروم بعد الصمود أمام هجمات العدو».

من جانب آخر طلب السجين عبد الوهاب مساعدة لتفسير النص القرآني حول الجمال. وهو كان يتصارع مع سؤال فلسفي فحواه: «إذا كان هناك كفار يتعاملون معي بالحسنى اليس مفترضا أن أتعامل معهم بالحسنى أيضا؟ لأنني وجدت الكثير من الأشخاص هنا قلقون على حالي».

لأكثر المتهمين تعليم محدود وبعضهم يجد صعوبة في التعبير عن نفسه. وهم يشخبطون كتابات سماها المترجم في المحكمة بأنها «كتابات عربية تخلو من التعليم» يقول صياح مختار عن نفسه بأنه «أخو طاهري وتلميذه». ويرسم مختار صورا على رسائله: دبابة تطلق النار على جنود. وأعلن: «لو أن الجهاد في السجن محسوب فإنني سأقتل نصف الناس هنا».

تحول الكلام إلى فعل حينما خرج طاهري من السجن حسبما قال وكلاء النيابة فهو قد سافر إلى دول عدة من ضمنها هولندا لكنه بقي على اتصال بتابعين متورطين في السرقات والتزوير حسبما قال وكيل النيابة دولوريس دلغادو. وجند طاهري في يوليو 2004 أحد أصحاب السوابق من موريتانيا كما قال وكلاء النيابة. ويزعم أن المجموعة وضعت خطة لرصف شاحنة بقنبلة بجنب مبنى المحكمة العليا التي تتعامل مع قضايا الارهاب على مستوى وطني، على امل قتل مسؤولين امنيين وتدمير الوثائق المتعلقة بهم.

قال طاهري في مكالمة هاتفية من سويسرا إلى إسبانيا بعد شهر واحد: «عسى أن يجعلنا الله شهداء ويحرر سجناءنا من سجون الكفرة والطغاة».

* خدمة «لوس أنجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»