الأمم المتحدة تسعى إلى توضيح دورها عالميا في مواجهة هجمات «القاعدة»

بن لادن ناصبها العداء بزعم أنها تعمل ضد الإسلام

TT

أثبت هجوم الجزائر الانتحاري على مبنى الأمم المتحدة الذي أسفر عن مقتل 37 شخصا على الأقل وجرح 17 من المنظمة، انها أصبحت هدفا رئيسيا في حرب تنظيم «القاعدة» ضد الغرب. وكان تنظيم «القاعدة» وجماعات مرتبطة به قد هددت هذا العام باستهداف مسؤولين في الأمم المتحدة وحفظ السلام في مناطق نزاع مثل أفغانستان والعراق والصومال والسودان وجنوب لبنان، حيث قتل ستة من أفراد قوات حفظ السلام في تفجير في يونيو (حزيران) الماضي. إلا ان هجوم الجزائر، وهو الأكثر دموية منذ الهجوم الذي استهدف مبنى الأمم المتحدة في بغداد في أغسطس (آب) 2003، أكد على ان مدى المخاطر التي تهدد المنظمة حتى في المناطق التي تتمتع بسلم واستقرار نسبي. وكانت المنظمة قد خصصت ملايين الدولارات لتحصين مبانيها وقوافلها عقب تهديدات تلقتها في أفغانستان والعراق. كما اثبت هجوم الجزائر أيضا ان أثار قلقا بشأن تعرض وكالات العمل الإنساني التابعة للأمم المتحدة لمخاطر جدية بعدما يزيد على عشرة أعوام من جهود ومساعي مجلس الأمن للوقوف على نفوذ تنظيم «القاعدة» وحركات إسلامية أخرى متطرفة.

وقال ريتشارد باريت، رئيس فريق الأمم المتحدة المسؤول عن مراقبة فعالية عقوبات المنظمة على «القاعدة» وطالبان ان تنظيم «القاعدة» يعتبر منظمة الأمم المتحدة معوقة ومعادية لمصالحها. وعلى الرغم من النظر إلى منظمة الأمم المتحدة في الكثير من الأحيان كونها معادية لواشنطن وإسرائيل، فإن صورة المنظمة في الشرق الأوسط سلبية أيضا. فعقوبات الأمم المتحدة ضد دول مسلمة، بما في ذلك العراق وإيران، ورفضها الدخول في مفاوضات مع مسؤولي «حماس» المنتخبين استغل بواسطة الذين يقولون ان المنظمة تعمل لمصالح الولايات المتحدة وإسرائيل. يضاف إلى ذلك ان أسامة بن لادن، زعيم تنظيم «القاعدة»، ظل يناصب المنظمة العداء ويحملها مسؤولية عدد من الجرائم، على حد وصفه، ضد الإسلام، ابتداء من الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية في قلب العالم العربي.

ويقول مسؤولو الأمم المتحدة ان إراقة الدماء الأخيرة تؤكد الحاجة إلى هز تلك الفكرة. وأبلغ بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة العاملين في الأمم المتحدة في حفل بنيويورك لتمجيد ذكرى زملائهم الذين فقدوا بعد رحلة إلى الجزائر «يجب علينا أن نعمل بصورة أفضل لنفسر للناس ووسائل الإعلام دور الأمم المتحدة حيثما نعمل. يجب ان نوضح اننا لسنا هناك لنمثل مصالح أي مجموعة مصالح أي مجموعة من الدول على حساب أخرى. ويجب ان نوضح أننا هناك لإزالة الألغام وبناء المدارس وإدارة العيادات الصحية وترسيخ حكم القانون والحفاظ على البيئة والمساعدة على حماية حقوق الإنسان».

وتعهد بان بمراجعة الإجراءات الأمنية للأمم المتحدة لضمان سلامة عشرات الألوف من العاملين في الميدان. ولكن بعض المسؤولين في الأمم المتحدة يقولون ان هناك الكثير مما يمكن ان تقوم به المنظمة. وتساءل احد كبار المسؤولين في الأمم المتحدة «هل تتجهون إلى نموذج القلعة الاميركي» مشيرا إلى جهد واشنطن لتعزيز سفاراتها في الخارج بعد تفجيرات القاعدة لسفارتين اميركيتين في شرق افريقيا عام 1998، مضيفا «أشك في ان الأمم المتحدة يمكن أن تفعل ذلك.

وفي أفغانستان بدأت الأمم المتحدة سحب موظفيها من بعض المحافظات وتعزيز الأمن بعد أن أعلن الملا داد الله، وهو قائد عسكري كبير في طالبان، في 28 ابريل الماضي ان الأمم المتحدة هدف مشروع بسبب دعمها لحكومة الرئيس حميد كرزاي المدعومة اميركيا. وقال داد الله «نحن بالتأكيد نستهدف كل من يعملون مع الأمم المتحدة والولايات المتحدة وكرزاي». وأضاف داد الله الذي قتل لاحقا في عملية عسكرية قادتها الولايات المتحدة «نحن نحاول ان نستهدف كل من يعمل مع الأمم المتحدة وعازمون على استهداف كل مؤسسات وفروع الأمم المتحدة معتبرين إياها مؤسسات اميركية».

ويقول بعض مسؤولي الأمم المتحدة ان تهديد القاعدة، على الرغم من واقعيته، جري المبالغة فيه وان التهديدات الأكثر فتكا في دول مثل العراق هي من المتمردين المحليين الذين يعتبرون الأمم المتحدة ذراعا سياسيا للولايات المتحدة. ولاحظ مسؤولو الأمم المتحدة عداء متزايدا منذ الإعلان عن أنها ستعزز وجودها في العراق. وقال احد الكتاب المؤيدين للتمرد ان الأمم المتحدة، سوية مع وكالة الاستخبارات المركزية وشركة بلاك ووتر الأمنية الخاصة، جزء من جيش احتلال تقوده الولايات المتحدة. وقال ان «أطراف المقاومة ومؤيديها مطلوب منهم ان يقاتلوا بهمة ويعاملوا الأمم المتحدة مثل أية قوة غازية أخرى».

وفي غضون ذلك فان المنظمات المنتسبة إلى القاعدة أو ذات الصلة بها وبينها فتح الإسلام قد تسللت إلى معسكرات اللاجئين في لبنان وشكلت تهديدا جديدا لعمليات الأمم المتحدة هناك. وزاد قتل ستة كولومبيين وإسباني من قوات حفظ السلام في لبنان من مخاوف أن تكون الجماعات تستهدف مهمة حفظ السلام التابعة للأم المتحدة هناك. كما يقول بعض مسؤولي الأمم المتحدة انه قد تكون لسورية، التي يشتبه بدعمها سلسلة من الاغتيالات السياسية في لبنان، يد في الهجمات. وقال باريت ان «الأمور ليست دائما على النحو الذي تبدو عليه في لبنان».

وفي الجزائر أكدت جماعة تطلق على نفسها القاعدة في المغرب الإسلامي مسؤوليتها عن تفجيرات الجزائر ودافعت عن الهجوم على الأمم المتحدة، التي وصفت باعتبارها «وكرا للكفر العالمي».

غير أن بعض كبار المسؤولين قالوا ان الهجمات على الأمم المتحدة هي ببساطة السبيل السهل لإثارة الجماعة اهتماما دوليا. وقال مسؤول كبير في الأمم المتحدة انه «ما من شيء يشير إلى ان لديهم أي استياء من برنامج التنمية التابع للأمم المتحدة بحد ذاته. وتتمثل أحد مخاوفي في انه إذا كانت هناك مواد اقل في الصحافة حول العراق فانهم قد يكونون في إطار بحث عن أماكن لإظهار أنهم مازالوا موجودين وانهم قوة يحسب لها حساب».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط» a