مدرسة الفضيلة لأولاد الأثرياء في الصين

تغرس القيم التقليدية في النفوس وتعلم أن في الحياة هناك ما هو أكثر من جمع المال

TT

في غرفة درس مستعارة من مدرسة الحزب الشيوعي في المنطقة، كان استاذ الفلسفة يخاطب 15 من الطلاب المراهقين. وكانت رسالته: حاولوا ان تمتلكوا روحا.

وقال جيانغ ينغهانغ الأستاذ في جامعة جيجيانغ ان «الناس في الصين لا يحترمونك، اذا كنت غنيا فحسب. فأنت بحاجة ايضا الى اخلاق جيدة وشخصية محبوبة ومعنويات رفيعة. وهذا ما يفتقر اليه الطلاب الأغنياء في الصين».

كان ذلك اليوم هو اليوم الافتتاحي لـ«مشروع العائلة يستمر أبدا» (جيي تشانغكينغ)، وهو حلقة دراسية لمدة اسبوع لأبناء وبنات المقاولين الأغنياء، وخصوصا الأبناء والبنات الذين هم على وشك أن يرثوا المشاريع التجارية للعائلة. وبينما كان الكورس الدراسي يشتمل على دروس اعتيادية في الادارة والاستراتيجية، فانه يهدف ايضا الى غرس القيم الصينية التقليدية لدى جيل أصغر يتعلم في اطار الطرق الغربية الرأسمالية.

وبكلمات أخرى، فإن هناك في الحياة ما هو أكثر من مجرد جمع المال.

وقال ليو يو،31 عاما، المتخرج من المدرسة في سيشي والذي يدير مصنع والده الذي يحقق ايرادات تصل الى 50 مليون دولار عبر بيع الانتاج الى الولايات المتحدة، قال ان «المدرسة وجدت جزئيا بسبب متلازمة الطفل الواحد، حيث الأباطرة والأمراء الصغار يترعرعون وكل شيء متوفر لهم. وهم لا يشاركون الآخرين أي شيء».

ويعتبر المقاولون، الذين كان الآخرون يسخرون منهم ويزدرونهم في السابق، من بين نخبة الصين في الوقت الحالي. غير انه على امتداد الطريق الى الثروة أهمل كثيرون اطلاع اطفالهم على ما يعتبرونه الطريقة المناسبة للسلوك. واذ يريدون الآن التوثق من أن أبناءهم مؤهلون لتولي المسؤولية فان كورسات مثل «مشروع العائلة يستمر أبدا» تزداد شعبية.

وشأن الكثير من الأثرياء الصينيين حديثي النعمة، فإن آباء الطلاب في هذا الكورس عملوا بدأب واعتمدوا على اصدقاء وأقرباء في اطار مشاريعهم. كما أنهم ركبوا موجة اصلاح اقتصادي غيرت الصين خلال العشرين عاما الماضية.

ان أطفالهم أفضل تعليما ولكنهم غير معتادين على المصاعب. فهم ينفقون المال بحرية ويعودون الى الوطن بعد الدراسة في الخارج بأفكار غريبة مثل التواصل مع الغرباء عبر شبكة الانترنت. ونصف الطلاب الملتحقين بالحلقة الدراسية هم ممن درسوا في الخارج، وبينهم امرأة وحيدة كانت تخرج من الصين وتعود اليها منذ سن السابعة ولا تفهم سوى جزء من محاضرة جانغ.

وقال جانغ ان «المقاولين يحددون وجهة المجتمع، واذا كانت هذه الجماعة غير قادرة على فهم الثقافة الصينية، فإن ذلك سيكون ضارا جدا بالمجتمع. سيكون الناس أقل فأقل سعادة حتى وان كانت لديهم أموال أكثر».

ورأى مؤسس كورس «مشروع العائلة يستمر أبدا»، وهو نفسه مقاول، هذا الأمر بصورة مباشرة. وفي جولاته عبر الصين للحديث عن قصة نجاحه غالبا ما التقى ماو ليشيانغ آباء تغرورق عيونهم بالدموع اذ لا يعرفون ما الذي يفعلون مع ابنائهم. فأحد الأبناء من مقاطعة أنهوي لم يكن يريد الدراسة. ووريث عائلة في مقاطعة جيجيانغ لم يكن يتطلع سوى الى أفضل الملابس واسرع السيارات. ولم يكن أطفال آخرون مهتمين بوراثة مشاريع آبائهم على الرغم من أن معظم الصينيين الذين يعملون في القطاع الخاص يفعلون ذلك في ما يتعلق بالشركات التي تمتلكها أسر.

وقال ماو، 67 عاما، الذي بدأ سيرته المهنية كمعلم فقير ان «الأطفال الذين لا يتصرفون بطريقة جيدة لا يشكلون عددا كبيرا، ولكن تأثيرهم كبير وهو ما يعطي الأغنياء صورة سيئة». وهو الآن رئيس مجلس ادارة شركة نينغبو فوتيل لأدوات المطبخ التي تبلغ قيمتها 178 مليون دولار.

ومنح ماو شركته الأولى لأبنته ومنح ابنه شركة الأجهزة، وبات يركز الآن على المدرسة على أمل ان تتوسع لتدريس الآباء والأمهات وأطفالهم. ويقول تشين لينغ، استاذ الاقتصاد في جامعة جيجيانغ التي تقدم كورسا تدريبيا للأعمال التجارية التي تديرها الأسر، ان غالبية الصينيين يأملون في ان تستمر تركتهم لتصبح جزءا من حياة ابنائهم وبناتهم مستقبلا.

اما ليو يو، فيفكر على نحو آخر. بدأ والده شركة للماكينات والالكترونيات، وكان عدد العاملين فيها عام 1988 ثلاثين شخصا، إلا ان بالشركة الآن 1100 من العاملين، وتصل عائداتها السنوية الى 50 مليون دولار. يقول ليو انه عندما تخرج من الجامعة كان لديه الكثير من الأفكار الجيدة، وهو يعمل الآن مديرا عاما للشركة. قال ليو انه لاحظ عام 1996 عدم وجود محل جيد لبيع الزهور في سيكس، وفي العام التالي لاحظ ايضا عدم وجود مقهى للانترنت. العمل في هذه المجالات مفيد ويدر عائدات جيدة، كما يقول ليو، إلا ان والده لم يوافق. رأى ليو في نهاية الأمر تضحيات والده وفهم أهمية العمل التجارية الذي تملكه الأسرة، وتوصل الى انه من الضروري المحافظة على الإنجازات والثروة التي كوّنتها الأسرة من خلال العمل الشاق وعدم وضعها تحت مسؤولية شخص آخر من خارج الأسرة. نجح جانغ، الذي لم يكن يستطع الحصول على متخرجين في جامعة جيجيانغ، قد حقق شعبية من خلال محاضراته في جيي تشانغكينغ. وخلال العام الماضي ابلغ جانغ الطلاب بأن بيل غيتس اختار في المدرسة المتوسطة الدراسات الصينية القديمة، وانه في الجامعة حرص على العمل في شركته ومواصلة دراسته في نفس الوقت. في الكثير من الأحيان لا يتفق طلاب جانغ مع ما يقوله. إذ يقول روان شينغليانغ، 23 عاما، الذي يدير مصنعا للأحذية بمدينة غوانغدونغ جنوب الصين، ربط القرارات بتحقيق المصالح منهج ايجابي في مجال الأعمال التجارية، مؤكدا ايضا على التعامل مع العاملين بصورة جيدة وفي نفس الوقت تحقيق صاحب العمل المصلحة والمنفعة المرجوة. على الرغم من ان الكبار يحاولون نقل دروس ومعارف مجال المال والأعمال لأبنائهم، فِإن العكس يحدث في بعض الأحيان عندما يدرّس الكثير من الشباب الصينيين الآباء والأمهات بعض هذه المعارف. يعمل دونغ مينغ، 26 عاما، نائبا لمدير مصنع الآلات الذي يملكه والده بمدينة جينغزو المجاورة، ويقول انه من المهم ان يكون لوالده شبكة المعارف والاتصالات التي تتعلق بعمله التجاري، لكنه يرى ايضا انه يجب ان تكون لديه شبكة معارف خاصة به ايضا، ويرى انه يقوم بعمل ايجابي في هذا الجانب في إقامة علاقات مع وسائل الإعلام ومع مفكرين وشباب في سنه بغرض الحصول على أفكار جديدة منهم.

*خدمة «واشنطن بوست» ـ (خاص بـ«الشرق الأوسط»)