أطفال البصرة على أبواب العام الجديد: منهم من يعيل أسرته.. وآخرون مشردون

مشرف تربوي: أطفالنا ضحايا النظامين السابق والحالي

TT

كلما توغلت في الأحياء الشعبية في محافظة البصرة ثاني اكبر المحافظات العراقية، اتسعت مشاهد الأطفال الصغار في الأزقة التي يقضون معظم ساعات النهار فيها وكأن المناطق الأكثر فقرا خالية إلا منهم، إذ لعقت  أوحال الشوارع نضارة وجوههم حتى باتت بلونها، فيما انتشر الأطفال الأكبر سنا بشكل كبير في الأسواق وعليهم مظاهر الحرمان والتشرد.. منهم من اقتحم ميادين عمل شاقة وخطرة لتحمل أوزار أسرهم وآخرون مشردون ابتكروا وسائل جديدة للتسول والانحراف. إن رؤية صراع هؤلاء الأطفال من أجل لقمة العيش باتت مألوفة في المشهد اليومي للمدينة وهي امتداد لظاهرة «أطفال الشوارع» التي بدأت تداعياتها بالظهور في مطلع التسعينات عند فرض الحصار الاقتصادي نتيجة تفشي الفقر والعوز والفاقة بين العديد من الأسر.

لم يتعود هؤلاء الأطفال الاحتفال بعيد رأس السنة الميلادية ولم يسمعوا بـ «بابا نوئيل» ولم يطرأ ببال احد منهم أن يتطلع إلى أماني جديدة في العام الجديد. قال محمد علوان (أب معاق لخمسة أطفال) لـ«الشرق الأوسط» «إن كل العوائل في البصرة كانت إلى وقت قريب تحتفل بهذه المناسبة حتى لا يمكن لأحد أن يميز بين المسلمين والمسيحيين والصابئة؛ فالجميع يوقد شموع الفرح». وأضاف «أن السنوات الأخيرة التي تدنى فيها الوضع الاقتصادي اقتصر فيها الاحتفال على العوائل الميسورة، لأنه صار جزءا من الترف الاجتماعي»، مشيرا إلى ان الكثير من العوائل لم يحتفل أطفالها حتى بعيد الأضحى المبارك لضعف الحال»، على حد تعبيره.   وأوضح أحمد سالم (6 أعوام) وهو يحاول إقناع المتبضعين في سوق العشار باقتناء أكياس النايلون «أنه يكسب رزقه بالحلال ليوفر العيش لأمه واخته الصغيرة». ووسط عشرات الأطفال الذين اتخذوا من تقاطعات الإشارات المرورية مكانا لترويج بضاعتهم من علب المناديل الورقية والموز والمشروبات الغازية والشوكلاتة، أكدت حليمة عبد الحسين (8أعوام) بطريقة لا تريد أن توحي للمقابل انها يتيمة كي لا تستدر عطفه «أنها وثلاثة من أبناء عمها الذين تسكن عندهم يعملون في تقاطع التربية منذ الصباح الباكر وحتى المساء لنكسب أرزاقنا..»، مؤكدة أنها تتمنى الذهاب للمدرسة.

وقال حيدر إبراهيم (ميكانيكي سيارات) «انه يلجأ إلى تشغيل أعداد من الأطفال وهم عادة من أبناء الأقارب لمساعدة ذويهم على مواجهة ظروف المعيشة الصعبة ولإكسابهم مهارات يستطيعون من خلالها شق طريقهم في المستقبل»، مشيرا إلى رغبة أعداد من الأسر بتشغيل أطفالها في المهن الحرفية على باقي الأعمال الحرة الأخرى. ويرى شهاب احمد (مشرف تربوي) «أن آلاف الأطفال هم ضحايا النظامين السابق والحالي وان معظمهم من الأيتام الذين فقدوا إباءهم في الحروب وأعمال العنف»، مشيرا الى ان جميع الإحصائيات أكدت ارتفاع نسب الأطفال في عدد السكان، محذرا من نشوء جيل جديد من الأميين والجهلة وسط مجتمعات في دول مجاورة دخلت مضمار الحضارة والتقدم. وقال علي الحسيني مسؤول في اتحاد نقابات عمال المحافظة «ان قوانين العمل تحرم اشتغال الأطفال.. وان هذه الظاهرة هي نتيجة ثلاث حروب متوالية بدأت بالحرب الإيرانية ـ العراقية وازدادت بدخول القوات الأميركية للعراق في أبريل (نيسان) 2003». وأوضح «ان وفاة وإعاقة وبطالة معيلي هؤلاء الأطفال جعل من بعضهم العائل الوحيد لأسرهم في أعمال خطرة وشاقة مقابل أجور زهيدة وساعات عمل طويلة..».

ورأى هاشم الزامل (شاعر) أن السياسة سلبتنا حتى من مشاهدة الأطفال وهم يلعبون بالأراجيح ودواليب الهواء في المتنزهات وحدائق الأندلس وجعلت مجاميعهم الهائمة في الشوارع بملابسهم الرثة هي الصورة الوحيدة لأطفال البصرة.