واشنطن قد توافق على تأجيل الانتخابات التشريعية

الاغتيال وجه ضربة للديمقراطية الأميركية ولمشرف

TT

ظلت إدارة الرئيس الاميركي جورج بوش تأمل طوال أشهر ان تحقق الاستقرار في باكستان من خلال النفوذ المتزايد لزعيمة حزب الشعب بي نظير بوتو. إلا ان اغتيالها هشم هذه الآمال وهدد بتجميد أهداف الولايات المتحدة هناك أهمها التصدي للإرهاب، وضمان سلامة الأسلحة النووية في باكستان ومنع حدوث فوضى إقليمية.

ولإدارة بوش آمال كبيرة في رئيسة الوزراء السابقة الصديقة للغرب، وكان المسؤولون الأميركيون على قناعة بفوز حزب بوتو بمقاعد كافية في الانتخابات المقبلة كي يصبح قوة فعالة في الحكومة مرة أخرى. وفي باكستان ترك موتها الحزب في حالة فوضى والانتخابات نفسها في حالة شك في اجرائها. أما بالنسبة للبيت الأبيض فإن الحدث سيترك فراغا يتطلب وقتا وعملا كبيرين لملئه.

ووجه الاغتيال ضربة حتى للرئيس الباكستاني برفيز مشرف، الذي يعد أقرب حليف للولايات المتحدة في باكستان، والذي قد يفقد الآن المباركة الانتخابية التي كان بحاجة إليها للحفاظ على مصداقيته وشرعيته المهزوزة. والأسوأ من ذلك، هو أن الكثير من الباكستانيين يحمّلون الرئيس والمقربين إليه مسؤولية اغتيال بوتو، حتى لفشلهم في منعه.

وجاءت هذه الانتكاسة في وقت سيئ للولايات المتحدة بشكل خاص، مع تصاعد نشاطات الإسلاميين المتطرفين في أفغانستان والتركيز بشكل متعمد على شن هجمات داخل باكستان نفسها، بعد ان أنفقت الولايات المتحدة، وما زالت، نحو مليار دولار سنويا في باكستان.

قال دانيال ماركي من مجلس العلاقات الخارجية التابع للكونغرس، والذي كان مسؤولا رفيعا في وزارة الخارجية حتى بداية هذه السنة: «يوم سيئ لباكستان ويوم سيئ للولايات المتحدة. نحن سندفع ثمنا له لفترة». وقال مسؤولون أميركيون إن قلقهم الأساسي هو احتمال هيجان مدني. وقال أحد المسؤولين إن هناك مخاطر من أن يصبح العنف أقوَى من أن يتم التحكم به حتى بالنسبة للجيش الباكستاني الذي يلعب دوراً أساسياً في الحفاظ على وحدة البلد. ومع مقتل بوتو وانتهاء الآمال في تشكل تحالف ما بينها وبين مشرف، يكون على المسؤولين الأميركيين أن يقرروا أي زعماء باكستانيين عليهم أن يدعموا لشن حرب على الناشطين الإسلامويين وتحقيق استقرار للبلد النووي.

وحتى مشرف، فشل في إظهار نتائج على عدة جبهات، فهو فشل على سبيل المثال في القبض على أسامة بن لادن الذي يعتقد الكثيرون أنه يختبئ في باكستان. ويرى عدد من مسؤولي الاستخبارات الأميركية أن جزءا أساسيا من حصة المليار دولار التي تقدم إلى باكستان كمساعدات سنوية من الولايات المتحدة منذ هجمات 11 سبتمبر(أيلول) 2001، لم تنفق تماما على «الحرب ضد الإرهاب».

ومع تقلص قوة مشرف، يواجه المسؤولون الأميركيون خيار إصلاح علاقات الولايات المتحدة مع رئيس الوزراء السابق نواز شريف الذي يتوقع أن يكسب قوة ضمن النظام السياسي المهزوز.

وعلى الرغم من أن شريف يدين الولايات المتحدة غالبا فإنه يعتبر شخصا براغماتيا إذا لم يكن سياسيا مغاليا في وطنيته من قبل أبناء بلده. مع ذلك، فإن على البيت الأبيض أن يتغلب على الشكوك التي تراود الكثير من المسؤولين فيه والذين يعتبرونه شخصا لا يوثق به قبل السعي للتقرب منه.

وقال بيتر رودمان، الذي كان مسؤولا كبيرا في الشؤون الأمنية الدولية في البنتاغون حتى الشهر الماضي ان شريف «شخص يصعب التكهن بمواقفه والثقة به». وقال انه من غير المحتمل ان صفقة مع شريف يمكن أن تقدم المزايا نفسها التي يمكن أن تؤدي اليها صفقة مع بوتو. غير ان المسؤولين الأميركيين «يتصلون بطائفة واسعة من الشخصيات السياسية الباكستانية» وفقا لما قاله مسؤول أميركي كبير.

واثار اغتيال بوتو أسئلة حول ما اذا كانت الادارة قد ركزت في دعمها على كبار الحلفاء مثل مشرف وبوتو، أكثر من نشر أفكارها على نطاق واسع عبر الحكومة والمجتمع المدني الباكستاني.

وقال جون شلوسر، المسؤول السابق في وزارة الخارجية الذي يعمل الان نائبا لرئيس «ستونبريدج انترناشيونال»، وهي شركة استشارات، انه «اذا ما اردت ان تكون صديقا للبلد فانه قد يتعين عليك القيام بمهمة أفضل قليلا في أن تكون أكثر توازنا الى حد ما في ما يتعلق بالممثلين السياسيين الشرعيين المختلفين. لقد بالغنا في السمة الشخصية لعلاقتنا مع باكستان. وعلينا ان نعالج هذه المبالغة».

وأصرت الادارة على أن اغتيال بوتو لن يجلب تغييرات سياسية عاجلة ولكن المسؤولين الأميركيين عبروا عن المرونة بشأن أحد ابرز اهدافهم وهو الانتخابات البرلمانية المقرر اجراؤها في الثامن يناير(كانون الثاني) المقبل.

وقالت الادارة علنا انه ينبغي عدم السماح لموت بوتو بفرض تأجيل. أما في السر، فقال مسؤولون انهم يمكن أن يوافقوا على تأجيل طالما ان حكومة مشرف لم تستخدم الاغتيال لإلغاء عودتها الموعودة الى حكم أكثر ديمقراطية.

وتكهن ماركي، المسؤول السابق في وزارة الخارجية، بان الادارة «ستدرك بأن الوضع قد أصبح أكثر فوضى وانها لن تضغط كثيرا في المدى المتوسط على الأقل ما دام يبدو ان الانتخابات لن تتأجل الى موعد غير محدد». ولكن المسؤولين قالوا ان واشنطن لا تفضل عودة مشرف الى حالة الطوارئ. وعلى الرغم من أن المسؤولين الأميركيين يشعرون بالقلق من العنف فانهم لا يعتقدون ان سلطات رئاسية اضافية تعتبر ضرورية لإيقاف الفوضى. وقال المحلل السياسي الباكستاني عارف رفيق انه من المحتمل ان يواجه مشرف تشكيكا جديدا وتدقيقا عاما شديدا لما تبدأ حكومته تحقيقها في موضوع اغتيال بوتو.

ان موت بوتو، الذي شكل ضربة كبيرة للمصالح الأميركية، سيكون اكثر اثارة للضرر اذا ما اصبح ينظر اليه على نطاق واسع في باكستان كتجلٍّ لقدرة الجماعات المتطرفة على الضرب في قلب الحكومة من دون أن تنال عقاباً.

* خدمة «لوس انجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»