العالم في2007: 2007 عنوان فلسطيني واحد: الصراع بين فتح وحماس

بدأ بشجار في يناير ووصل ذروته في يونيو بسيطرة حماس على غزة > أنابوليس محطة أخرى

TT

كان الواقع أكثر درامية من توقعات حسن عبيد، صاحب البقالة في حي الرمال الذي كان في الخامس من يناير (كانون الثاني) من عام 2007، شاهد عيان على مواجهة محدودة وقعت أمام بقالته بين عناصر القوة التنفيذية التي شكلها وزير الداخلية الفلسطيني في حكومة هنية الأولى، وعناصر من جهاز الأمن الوقائي الذي كان يرأسه رشيد ابو شباك. حينها قال عبيد لجيرانه إنه لن ينتهي هذا العام حتى يقضي أحد الطرفين على الآخر. وبنظرة للوراء يمكن القول إنه من ناحية الفلسطينيين فقد كان العام 2007 هو عام الصراع بين حركتي فتح وحماس الذي وصل ذروته في الرابع عشر من حزيران 2007 عندما سيطرت حماس على قطاع غزة بعد موجات من الاقتتال الداخلي.

* حرب الصلاحيات:

كان التوتر بين حماس من جهة، والرئيس محمود عباس من جهة، بلغ اشده بسبب جملة القرارات التي اتخذها ابو مازن في أعقاب فوز حركة حماس، وهي القرارات التي اعتبرتها حماس انقلاباً على نتائج الانتخابات التشريعية التي جاءت بالحركة للحكم. فقد أصدر أبو مازن تباعاً العديد من القرارات الهادفة لتقليص صلاحيات الحكومة الجديدة بشكل كبير، بحيث أنه لم يعد هناك للحكومة الكثير مما تعمله في أعقاب هذه القرارات.

فقد أمر ابو مازن بتحويل مديرية المعابر الحدودية من التبعية لوزارة الداخلية الى ديوان الرئاسة، مع أن العلم بأن مداخيل هذه المديرية تعتبر من مصادر الدخل الرئيسية للسلطة. وأصدر أبو مازن قراراً بسحب الإشراف على هيئة الإذاعة والتلفزيون والمؤسسات التعليمية الرسمية مثل وكالة الابناء الرسمية (وفا) والهيئة العامة الفلسطينية للاستعلامات من وزارة الإعلام الى ديوان الرئاسة. ومما لا شك فيه أن أخطر مرسوم اصدره أبو مازن ـ في نظر حركة حماس ـ هو المرسوم القاضي باستحداث منصب أمني جديد، هو منصب مدير جهاز الأمن الداخلي، بحيث يكون هذا المدير مسؤولاً عن أجهزة الأمن الداخلي، وهي: الشرطة، وجهاز الأمن الوقائي، والدفاع المدني. ويحدد المرسوم أنه لا يحق لوزير الداخلية الإشراف على أجهزة الأمن الداخلية بشكل مباشر، بحيث تنحصر علاقته بها باتصاله بمدير الأمن الداخلي.

* المرحلة الأولى من الاقتتال الداخلي:

في السادس عشر من ديسمبر من العام 2006، اعلن الرئيس عباس بشكل مفاجئ وفي خطاب القاه في رام الله انه اصدر مرسوماً يقضي بإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية مبكرة بدون التنسيق مع حركة حماس، بعد أن شن هجوماً كاسحاً عليها. إصدار هذا المرسوم جاء بعد أن أعلنت حركة حماس موافقتها على وثيقة «الوفاق الوطني»، التي كان أبو مازن متحمساً لها، وهي الوثيقة التي بلورت آليات لحل الخلاف الداخلي، مع العلم بأن جميع الفصائل الفلسطينية قبلت هذه الوثيقة.

في حركة حماس اعتبروا خطاب أبو مازن بمثابة المرحلة الأولى من مخطط لإسقاط حكومة هنية. وربط قادة الحركة بين الخطاب وبين حادثة محاولة الاغتيال التي تعرض لها هنية في معبر رفح لدى عودته من مصر قبل يومين من القاء الخطاب ومحاولة الاغتيال التي تعرض لها وزير داخليته سعيد صيام في 10 ديسمبر (كانون الاول) 2006. ورداً على مرسوم ابو مازن الرئاسي قامت حماس بتنظيم مسيرات للتعبير عن رفضها للمرسوم، أسفرت عن احتكاكات بين الاجهزة الأمنية التابعة لأبو مازن ومجموعات حركة فتح المسلحة من جهة، وبين القوة التنفيذية و«كتائب عز الدين القسام» ـ الذراع العسكري لحركة حماس من جهة ثانية. شكلت هذه المواجهات المرحلة الأولى من الاقتتال الداخلي حيث استمرت لمدة 53 يوماً، واسفرت عن مقتل 117 شخصا، وجرح 655 اخر، ومن بين القتلى عشرة من الأطفال وجرح 44 اخرين، كما تم في هذه المواجهات استهداف 39 مؤسسة، منها 15 حكومية، و6 أهلية، وواحدة دولية، والباقية مؤسسات خاصة. لكن اكثر الاحداث التي لفتت الانظار هو قيام عناصر حرس الرئيس الفلسطيني باقتحام الجامعة الاسلامية وحرقها. وفي هذه الفترة انتقل التوتر بين حركتي فتح وحماس الى الضفة الغربية. وشهدت هذه المرحلة تلقي أجهزة السلطة كميات كبيرة من السلاح والذخيرة من الدول العربية، الى جانب صدور قرار من الإدارة الأميركية بتقديم دعم مالي كبير لأجهزة أبو مازن، الى جانب قرار إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش تقديم مبلغ 86.4 مليون دولار لقوات الأمن الموالية للرئيس لأبو مازن. وبررت الإدارة القرار بأنه جاء لمساعدة الاجهزة التابعة لابو مازن بالوفاء بالتزامات السلطة الخاصة بتفكيك البنى التحتية للارهاب في الضفة الغربية وقطاع غزة.

وكان واضحاً من خلال سير المواجهات خلال المرحلة الاولى أن حركة حماس تغلبت بشكل واضح على جميع الأجهزة الامنية التابعة لأبو مازن، حيث أن حماس فاجأت ابو مازن بسيطرتها على جميع مقار الاجهزة الأمنية في شمال القطاع في زمن قياسي. وشهدت هذه الفترة ظهور خلافات داخل الأوساط القيادية في حركة فتح، وتحديداً بين التيار الذي يقوده أحمد حلس أمين سر حركة فتح في قطاع غزة سابقاً، ومحمد دحلان المستشار الأمني لابو مازن. وبسبب موقف حلس الرافض لتوجهات دحلان فقد اعتبر حلس في نظر الكثيرين من قيادات السلطة متواطئا مع حماس.

* مولد وانهيار اتفاق مكة وبعد أن انهارت سبع اتفاقات لوقف إطلاق النار بين الجانبين، نجحت الحكومة السعودية في اقناع الطرفين باللقاء في مكة للتباحث حول سبل حل الأزمة. وبالفعل تم التوصل لإتفاق، اطلق عليه «اتفاق مكة»، والذي قدمت خلاله حركة حماس تنازلا سياسيا كبيرا، عندما وافقت على المبادرة العربية للسلام، كما تم الاتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية، الى جانب التوصل لتفاهمات فضفاضة حول الشراكة السياسية بين حركتي فتح وحماس واعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية.

لكن الأمور على أرض الواقع كانت أبعد بكثير مما تضمنته نصوص الاتفاق، حيث أنه باستثناء تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، فلم تتم مناقشة قضية الشراكة السياسية، كما لم يتم التعاون بجدية مع قضية اعادة بناء منظمة التحرير. الى جانب ذلك فقد كانت الشراكة داخل حكومة الوحدة صورية الى حد كبير، حيث أن وزراء كل من حركتي فتح وحماس احتكموا الى مرجعيات مختلفة ومتضاربة.

وزادت الأمور تعقيداً لحدثين بارزين: الاول.. وقع في التاسع والعشرين من مارس (اذار) 2007 كشف النقاب عن خطة المنسق الامني الاميركي الجنرال كيث دايتون، التي اعتبرت أن مسوغات بقاء حكومة الوحدة مرتبطة بموافقتها على شروط اللجنة الرباعية واطلاق سراح الجندي الاسرائيلي جلعاد شليط، الى جانب تشديد الخطة على تمركز الصلاحيات الامنية في ايدي الاجهزة الامنية التابعة لابو مازن وبلورتها آليات للتنسيق الامني بين اسرائيل والسلطة. والثاني قرار حركة فتح بتشكيل ميلشيا خاصة بها، اطلقت عليها «القوة التنفيذية» الخاصة بها.

* الحسم العسكري من هنا فقد كان مسار الصدام ممهداً، وحدث ما كان متوقعاً، إذ اندلعت المواجهات بين حركة حماس من جهة وأجهزة أبو مازن الأمنية والمجموعات المسلحة التابعة لحركة فتح. وكانت هذه المرحلة الثانية من الاقتتال الداخلي، والتي اسفرت عن مقتل 84 شخصا، من بينهم 22 مدنيا، ضمنهم خمسة من النساء وطفلان، و600 جريح. ومع غياب شمس الخامس عشر من يونيو (حزيران)، كانت حماس تسيطر على جميع المؤسسات السيادية ومقار ومواقع الأجهزة الأمنية. في هذه الأثناء فر معظم قادة الأجهزة الأمنية وكبار المسؤولين من القطاع، رغم اصدار حماس العفو العام عنهم.

* أبو مازن يرد:

موقف أبو مازن إزاء ما جرى كان حازماً، حيث قام بإقالة حكومة هنية، واعتبرها حكومة غير شرعية، وحظر أنشطة حركة حماس في الضفة الغربية، في الوقت الذي شكل فيه حكومة جديدة برئاسة سلام فياض. ورد العالم على خطوة حماس بالاعتراف بحكومة فياض واستئناف ضخ المساعدات المالية لها، وهي المساعدات التي اعتبرتها حماس بمثابة وسيلة لتقصير حكمها في القطاع، منوهة الى أن هناك مخططا لايجاد بيئتين اقتصاديتين مختلفتين في الضفة الغربية وقطاع غزة، من اجل تشجيع الفلسطينيين في القطاع على التمرد على حكم حماس.

لم يكتف أبو مازن بهذه الإجراءات، بل قام بإصدار تعليمات صارمة لتعقب حركة حماس في الضفة الغربية واعتقال نشطائها وإغلاق مؤسساتها. المنظمات الحقوقية الفلسطينية تؤكد أن المئات من نشطاء حماس تم اعتقالهم وأن عدداً كبيراً منهم تعرض لتعذيب شديد. في هذه الاثناء أعلن وزير داخليته عبد الرزاق اليحيى أن السلطة تعهدت لإسرائيل بتفكيك الأذرع العسكرية لجميع حركات المقاومة الفلسطينية.

في نفس الوقت شنت اجهزة الامن التابعة لحكومة هنية المقالة حملات اعتقال ضد نشطاء حركة فتح على خلفية عمليات تفجير شهدتها العديد من مناطق القطاع. ومنذ سيطرة حماس على قطاع غزة أوضحت كل من اسرائيل والإدارة الأميركية لأبو مازن أنه في حال عاد للحوار مع حركة حماس، فإنهما ستقطعان الاتصال به.

* مؤتمر أنابوليس واخيرا عقد مؤتمر «أنابوليس»، بناء على دعوة الرئيس بوش، وهو المؤتمر الذي ساهم في تكريس القطيعة بين حركتي فتح وحماس. فالنسبة لابو مازن شدد التزامه على تنفيذ المرحلة الاولى من خطة «خريطة الطريق» التي تنص على التزام السلطة بتفكيك حركات المقاومة ونزع سلاحها ووقف التحريض ضد إسرائيل. وهذا ما اعتبر كتكريس للقطيعة مع حركة حماس، وقضاء على فرص الحوار بين الجانبين