روسيا: سقوط الأقنعة.. حرب باردة جديدة بقيادة آية الله بوتين

تضع لمساتها بمنهج الخطوة خطوة .. وقد تفجرها كوسوفو ودرع بولندا

TT

توقف مع ثلاثة أحداث طازجة، وأخرى قديمة نسبيا لتقترب كثيرا من عقلية روسيا التي ستتعامل بها مع الأسرة الدولية عام 2008.

الأول يقول لك إنه ومن منطقة البلقان اندلعت شرارة الحرب العالمية الأولى فعاشت البشرية مخاض الحرب الباردة التي أكملتها الحرب العالمية الثانية، فجاء سقوط الاتحاد السوفياتي ليضع نهايتها ضمن نظام عالمي جديد لا يزال في طور التشكيل خلافا لما يعتقده البعض بأنه قد تشكل بالأحادية القطبية الأميركية.

ومن منطقة البلقان، ومرة ثانية، وبسبب إقليم كوسوفو كشرت روسيا عن أنيابها للغرب مع إصرار الأغلبية الألبانية في الإقليم على استقلاله عام 2008 فيما تصر بلغراد على سيادتها عليه في انتظار ما سيتوصل إليه مجلس الأمن بشأن تقرير الترويكا المكونة من وسطاء من الاتحاد الأوروبي وأميركا وروسيا.

موسكو حزمت أمرها على خلفية العرقية السلافية التي تربط معظم شعبها بصربيا وترى فيها حليفة لا يمكن أن تفرط في سلبها سيادتها على الإقليم، فيما ركبت صربيا بهذا الدعم الروسي مركب التشدد فأعلنها رئيس وزرائها فيوسلاف كوستينتشا بأن صربيا ستبطل أي إعلان استقلال لإقليم كوسوفو الذي تديره قوة سلام بقيادة الناتو منذ 1999، لتواصل موسكو دعمها فيعلن الكسندر بوتسان الموفد الروسي الى كوسوفو عن طعن روسي في شرعية بعثة عادية من الشرطة والقضاء ينوي الاتحاد الأوروبي إرسالها الى كوسوفو. وتتلاحق التهديدات الروسية فتقول وزارة الخارجية الروسية إن الوضع هناك وصل حدا خطيرا قد يؤدي لاندلاع أزمة لا يمكن احتواؤها.

الثاني يقول لك إن روسيا ستخوض انتخاباتها الرئاسية في مارس (آذار) 2008، وقد حزم الرئيس بوتين أمره بعدم تعديل الدستور ليمنحه ولاية ثالثة، وأعلن مرشحه أو مرشح حزبه (روسيا المتحدة) ديمتري مدفيديف، 42 عاما، للرئاسة، ولكن مع إشارة مضللة قال فيها إنه لا يمانع من أن يتولى رئاسة الوزراء، أي البقاء في صورة الحكم، وبالتالي التأثير على مرشح رئاسي هو الذي أعده، لتقول واشنطن أن ذلك شأن داخلي ولكنها راغبة في التعاون مع روسيا. وكان ذلك بالتحديد يوم الأثنين 17 ديسمبر (كانون الاول)، لتهديها موسكو أسوأ هدية في نفس اليوم فيعلن قائد القوات الإستراتيجية الروسية نيكولاي سولفستوف أن الدرع الأميركية المضادة للصواريخ التي تعتزم واشنطن نشرها في بولندا وجمهورية التشيك قد تصبح هدفا للصواريخ الروسية وأن روسيا مرغمة على اتخاذ الإجراءات التي تراها ضرورية لأمنها، لتعلن البحرية الروسية وفي نفس اليوم أيضا أن غواصة روسية أجرت يوم الاثنين تجربة ناجحة لصاروخ بالستي قاري من طراز سينيفا أطلقته من بحر بارنتس إلى أقصى الشرق الروسي لكي لا نسمح تحت أي ذريعة بالتقليل من القوة الروسية في مجال الردع النووي، ولا نستبعد أن يتم اختيار تجهيزات الدرع المضاد للصواريخ في حال محاولة من هذا النوع كأهداف لصواريخنا الإستراتيجية العابرة للقارات بناء على قرار أعلى للسلطات العسكرية والسياسية في البلاد. والمطلوب هنا إعادة قراءة الفقرة الأخيرة المتعلقة بقرار السلطات الأعلى بالبلاد وما يحتويه من تهديد وإن بالتضمين.

ومن هنا فالمتوقع بالطبع، إلا إذا حدثت معجزة، أن يفوز مدفيديف باعتبار أن المعارضة الروسية مشتتة ومن المستبعد أن تتوافق على مرشح رئاسي واحد (أبرز المرشحين بوريس نمستوف وفلادمير بوكوفسكي)، ليصل مدفيديف إلى الكرملين بوجهه الحقيقي متخذا في خلوته وجها آخر هو وجه فلادمير بوتين.

الثالث يعود الى موقف روسيا من الملف النووي الإيراني، فموسكو وكما هو معلوم هي الأب الروحي لمفاعل بوشهر بصفقة قيل مع بدايات إعلان المشروع أنها تبلغ ستة مليارات دولار. ففي تداعايات الضغوط الغربية حاولت موسكو قدر الإمكان تجنيب طهران العقوبات، ولا تزال إلى الأمس القريب بتسليمها إيران 82 طنا من الوقود المخصب للإنتاج الكهربائي ضمن صفقة تأجلت كثيرا.

عبر هذه المحطات، وغيرها منذ أن أعلن بوتين أنه لا يعتبر منظمة حماس منظمة إرهابية، فدخل قادتها الكرملين في ذروة هياج الغرب ضد فوز حماس بالانتخابات الفلسطينية، وبخطوط تعاونه الممتدة مع سورية وإيران والسودان، وضعت موسكو ما يمكن أن يسمى (إطارا) لسياسة جديدة لن تكثر فيها من قول نعم لواشنطن، إذا لم يكن عام 2008 وبتقديرات الكثير في الغرب سيضع الألوان على معالم لوحة تقول بحرب باردة جديدة بنسخة جديدة، وإمعانا في السخرية من قيادة روسيا لها، روّج بعض حملة الأقلام في الغرب لإلحاق لقب آية الله بوتين بالرئيس الروسي إمعانا في تقاربه مع إيران. (تعداد سكان روسيا وريثة الاتحاد السوفياتي في مقعده الدائم بمجلس الأمن وأزراره وأسراره النووية 141 مليونا وثمانمائة ألف نسمة وناتجها الإجمالي المحلي 1.42 تريليون دولار ومتوسط دخل الفرد منه 10 آلاف دولار في العام، فيما يتوقع للاقتصاد الروسي خلال 2008 نسبة نمو 6.3%.