أميركا 2008: المغامرة ملمح مخاض الرئاسة.. وكل المرشحين سنة أولى خبرة

باراك امتنع عن التصويت 130 مرة في ثمانية أعوام من ولايته في مجلس الشيوخ

TT

حينما فاز بيل كلينتون القادم من أركانسو برئاسة أميركا عام 1992، بشعار إنه الاقتصاد الغبي، كانت أميركا قد فضلته على رئيس في خبرة جورج بوش الأب، قضى ثمانية أعوام نائبا للرئيس ريغان، وعمل مندوبا دائما لأميركا بالأمم المتحدة وأول سفير لها في الصين، وخاض الانتخابات قادما بنصر عسكري خارجي شكل ملامحه دحر صدام حسين من الكويت بتحالف دولي قاده لأميركا كولن باول وشوارسكوف بـ«عاصفة الصحراء».

(يعتبر المراقبون ذلك استثناء أي هزيمة قائد منتصر في حرب ويجسد البطولة التي يعشقها العقل الأميركي كما فعل مع دويت آيزنهاور بطل إنزال نورماندي الذي حسم الحرب العالمية الثانية لصالح الحلفاء فكافأه الشعب الأميركي بولايتين رئاسيتين عن الحزب الجمهوري).

يومها، في مناخ 1992 ذاك اختارت أميركا ولأول مرة في تاريخها رئيسا هو بيل كلينتون من مواليد ما بعد الحرب العالمية الثانية وفي الخامسة والأربعين من عمره، ولكنه أخرج الاقتصاد الأميركي ولأول مرة من دائرة العجز المزمنة، فكافأته أميركا بولاية ثانية انتهت عام 2000، ولكنها ركنت للوجوه الجديدة، فجاء المحافظون الجدد بجورج بوش الابن من تكساس، فاستعان بنائب أول من جيل والده هو ديك تشيني، وبقية الفواتير التي دفعتها أميركا معروفة، بدءا من 11 سبتمبر (أيلول) 2001 ونهاية بغزو أفغانستان والعراق، وصورة أميركا في العالم الآن معروفة أيضا. ولكن أميركا وتجاه هواجس الخوف من 11 سبتمبر كافأته أيضا برئاسة ثانية تنتهي في نوفمبر القادم، لتبدو أميركا وكما أنها تعود إلى أجواء 1992، والإشارة إلى تغليب الاهتمام بما هو داخلي أكثر من السياسة الخارجية، وذلك هو حال مخاض الحملات الرئاسية بين الجمهوريين والديمقراطيين.

والغريب أنه ورغم تراجع الجمهوريين منذ انتخابات الكونغرس التكميلية في نوفمبر 2006 (تشرين الثاني) ، يقول الرئيس الأميركي جورج بوش الابن انه واثق من أن حزبه الجمهوري سيحتفظ بالبيت الأبيض في الانتخابات الرئاسية في العام 2008، معتبرا أن حزبه يدرك طبيعة العالم الذي نعيش فيه، مركزا على أن أهم شي هو المبادئ التي يتخذ على أساسها الفرد قرارته.

تأييدا لسيطرة السياسة الداخلية يقول المحلل السياسي الفرنسي الان جان روبير، إن السياسة الخارجية لا تحتل الأولوية في الحملة الرئاسية الاميركية رغم أن الرئيس الأميركي المقبل سيقرر مصير أقطار كثيرة من العالم، أقلها إلى ما قبل أسبوعين من المشاورات الانتخابية الأولى لتحديد المرشحين إلى البيت الأبيض.

فخلال المناظرات التلفزيونية الأخيرة قبل انعقاد جمعيات الناخبين في الثالث من يناير 2008 (كانون الثاني)، لم يشر المرشحون الديمقراطيون والجمهوريون إلى السياسة الخارجية إلا لماما.

ويقول بيل ريتشاردسون، السفير الاميركي السابق لدى الأمم المتحدة وأحد المرشحين الديمقراطيين الثمانية إلى البيت الأبيض: «بطريقة أو أخرى، بتنا لا ندرك أن الحرب في العراق تشكل الموضوع الرئيسي الأكثر أهمية في بلادنا». فلم يعد العراق يحتل اولوية لدى الرأي العام لمصلحة موضوعي الاقتصاد والوظائف والرعاية الاجتماعية بحسب استطلاعات الرأي الأخيرة.

ولكن رودولف جولياني المرشح الجمهوري الأوفر حظا كتب في العدد الأخير لمجلة «فورن افيرز» خصص للسياسة الخارجية في برامج المرشحين للرئاسة يقول: ننتمي جميعا إلى جيل 11 سبتمبر»، معتبرا أن الواجب الأول للرئيس الأميركي يكمن في الدفاع عن أميركا في وجه «الفاشية الإسلامية المتطرفة».

وبالطبع وبعيدا عن غياب السياسة الخارجية المؤقت، الى الآن، فهناك جولات أغسطس (آب) وسبتمبر (أيلول) الرئاسية بعد جولة الثالث من يناير، ويومها لا بد أن يكشر الفائز الديمقراطي والجمهوري عن أنياب سياسته الخارجية ليتحدث وبالتفاصيل عن مستنقعات العراق وأفغانستان والتهديد الإيراني والاحتباس الحراري وكلها قضايا في عصب السياسة الخارجية الحساس والحي.

وعودة لأجواء ،1992 تاريخ اختيار كلينتون، و2000، تاريخ اختيار بوش، فالواضح أن رؤساء أميركا الجدد يميلون للاستعانة بالخبرة . فبيل كلينتون اختار في ولايته الأولى وارن كريستوفر، مساعد وزير الخارجية في إدارة كارتر، وفي الثانية مادلين أولبرايت، فيما استعان بوش بتشيني ورامسفيلد ثم كوندليزا رايس، فيما يسلك نفس المنهج مرشحو اليوم.

فهيلاري كلينتون اختارت مادلين أولبرايت، وزيرة الخارجية السابقة في إدارة زوجها، فيما وقع اختيار جولياني على تشارلز هيل، المساعد السابق لوزير الخارجية جورج شولتز في عهد الرئيس الراحل رونالد ريغان.

ولئن بدت حظوظ هيلاري كلينتون وباراك اوباما هي الأوسع قياسا برد ادواردز، إلا أن ثلاثتهم يخوضون معاركهم بالشعارات أكثر من الرؤية الثاقبة، وبالملاسنة أكثر من النقد الموضوعي. فإدوارد يرد على هيلاري بأنها استهدفته شخصيا بحديثها للناخبين مستخدمة عبارة «الذين يتحدثون عن الفقر» ليقول إنها شخصيا عملت ضد الفقر عندما كانت سيدة أولى في البيت الأبيض. والى ذلك يتوالى انتقاد أوباما من الرئيس كلينتون ذاته بأنه لا يمكن الاعتداد به بعد اعترافه بأنه تعاطى المخدرات في شبابه، وتمعن صحيفة «نيويورك تايمز» في نقد أوباما وتقول إنه امتنع عن التصويت 130 مرة في ثمانية أعوام من ولايته في مجلس الشيوخ عن ولاية ايلينوي.

جيل أميركا القديم ينظر محتارا وهو يقارن قامة مرشحيه للبيت الأبيض في نوفمبر 2008 حين يقارنهم برؤساء حملوا فكرا ورؤية واضحا للحياة بحالها دعك من رئاسة أميركا، ويتذكرون هنا عقيدة ويلسون، وآباء الاستقلال، وأخيرا كينيدي ونيكسون وكارتر وبوش الأب.

مخاض الرئاسة الأميركية، وبقراءة مشهده اليوم، يخرج بمرشحين بلا خبرة، وبلا رؤية واضحة تجاه السياسة الخارجية، وإن بدو أكثر إلماما بقضاياهم الداخلية.