دعوة اليونسكو ومؤسسة الآغا خان للاهتمام بالمعالم التاريخية في مدينة الموصل

ندوة علمية تبحث صيانة مئذنة «الحدباء» وقلعة «باشطابيا»

TT

أقام مركز دراسات الموصل ندوته العلمية تحت شعار «صيانة شواهدنا التاريخية دليل حضارتنا الزاهية» بعنوان «مئذنة الجامع النوري وقلعة الموصل ـ باشطابيا» لغرض تسليط الضوء على معلمين أثريين، وما يحيط بهما من مخاطر، وصلت الى تهديدهما بالانهيار.

وقال الدكتور ذنون يونس الطائي مدير مركز دراسات الموصل ورئيس اللجنة التحضيرية للندوة لـ«الشرق الاوسط» إن «من المعروف ان جامع وقلعة الموصل يميلان بجانب الغرب، وهدفنا تنبيه الرأي العام والجهات ذات العلاقة الى اهمية هذين المعلمين، ودعونا العلماء والمختصين من كافة الاختصاصات العلمية والهندسية والتاريخية في جامعة الموصل الى تقديم دراساتهم وبحوثهم وتقديم الحلول للمحافظة على هذين المعلمين، لعل هناك من ينتبه الى ما يهددهما بالانهيار». وقال الدكتور محمد طيب الليلة عميد كلية الهندسة بجامعة الموصل في بحثه عن منارة الحدباء، إن انحراف قمتها عن قاعدتها وصل هذا العام الى 2.53 متر في حين كان، 1.4 متر في عام 1964، وهو مستمر بفعل الظروف الجوية من رياح وتغير درجات الحرارة، فضلا عن العوامل الانشائية، وكذلك الأرض التي أنشئت عليها المنارة، حيث حركة المياه حول أساس المنارة، كل ذلك أدى الى إضعاف التربة وإزالة جزء منها، مما أدى الى ضعف إسناد هذه التربة للمنارة. ودعا الدكتور سلام أحمد من قسم الهندسة المعمارية بجامعة الموصل، الى ضرورة إعادة توظيف قلعة الموصل والمعروفة بـ(قلعة باشطابيا) احدى استراتيجيات الحفاظ على التراث العمراني في المدينة، وقال «يجب اتباع طرق للحفاظ على التراث العمراني تتضمن عدة استراتيجيات منها تحسين مستوى الخدمات العامة والخاصة وتحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والاداري». وأضاف «ان قلعة باشطابيا معرضة حاليا للسقوط نتيجة الاهمال الكامل وكذلك التجاوزات التي وقعت عليها فلا توجد خارطة تبين لنا وضعها الاصلي لنعرف ما هو النقص فيها».

أما الباحث الآثاري محمد توفيق الفخري فقد طلب الاستعانة واستشارة منظمة اليونسكو ومؤسسة الآغا خان المهتمتين بالآثار، وطلب مساعدتهما في صيانة هذين المعلمين، عن طريق القنوات الدبلوماسية. واضاف «نستطيع القول ان جميع عمائرنا التراثية في الموصل مهددة بالانهيار، وتعاني الإهمال بل هناك محال ومناطق تراثية ومساجد وأبنية بكاملها تتعرض للاندثار او الإزالة، لعدم إعادة بنائها والاهتمام بها».

وشارك في الندوة 12 باحثا في اختصاصات، هندسية وبيئية وفيزيائية وتاريخية مختلفة، شخصوا المشاكل وقدموا الحلول والمقترحات في بحوثهم. وأهاب المشاركون بكافة المؤسسات والدوائر الرسمية المعنية وذات العلاقة في محافظة نينوى والحكومة العراقية، بضرورة الاهتمام بتراث الموصل. وخرجت الندوة بجملة من التوصيات للحفاظ على هاذين المعلمين، منها تبديل موضع منارة الحدباء بموضع آخر في نفس ساحة الجامع وعلى بعد بضعة عشر مترا وكذلك إعادة صيانة قاعدة المئذنة الحالية وبرج قلعة الموصل ومعالجته لأنه مفصول حاليا عن الجسم الأصلي للقلعة، وعمل أسس كونكريتية. وإدخال المئذنة والقلعة ضمن التراث العمراني العالمي والدولي والإقليمي، ووضع قانون الاستملاك على الاراضي المتجاوز عليها لهذين المعلمين.

جدير بالذكر ان منارة الحدباء انشئت سنة 568 هـ 1127 م، من قبل والي الموصل عماد الدين زنكي، حيث أقيمت ضمن ثاني مسجد انشئ في المدينة ويبلغ ارتفاعها 54 مترا، وتشكل واحدة من بين اكثر من سبعة عشر برجا مائلا في انحاء متفرقة من العالم ماتزال قائمة ومحافظة على شكلها، وتعد حسب الاحصاءات الآثارية اطول الابراج المائلة في العالم، مع فارق بسيط وهو ان معظم مائلات العالم تتم صيانتها ومتابعة متغيراتها العمرانية بين الحين والآخر، فيما لم تحظ منارة الحدباء بهذا الاهتمام، على الرغم من عظمة اهميتها التاريخية والعمرانية. وعلى الرغم من مرور 834 عاماً على تشييدها إلا انها مازالت محافظة على دقة هندستها الجميلة بنقوشها البديعة التي تشكل آية في الفن المعماري الاسلامي، ومعلماً بارزا من معالمها.

وأكد الباحثون الايطاليون الذين وفدوا لمعالجة الشروخ التي ظهرت في جسد المنارة منتصف سبعينيات القرن المنصرم، أن منارة الحدباء هي الاطول في العالم بين مثيلاتها وهي الاجمل في فنون الريازة والعمران، وان مسألة تشييدها بهذا الارتفاع الشاهق في زمن بنائها يعد معجزة، إذ انها ارتفعت بطول (65م) وعرض (17م)؛ وهذا الامر بحد ذاته يعتبر من الخوارق العمرانية في زمن بعيد جدا عن تكنولوجيا الانشاء والعمران، لم تعرف فيه الرافعات العملاقة ولا الوسائل المساعدة التي يتوكأ عليها المعمار المعاصر، هذه المنارة حملت خصوصية في البناء، اذا ما أمعنا النظر في ريازتها بدقة وجدنا فيها زخارف نباتية متشابكة مع زخارف هندسية متداخلة تداخلا كليا مع بعضها بصورة متناظرة، بحيث تكون الصورة متممة للزخرفة النباتية؛ وهذا يدلل على مهارة فن الزخرفة في ذلك الوقت وبالرغم من كل هذه المميزات لها إلا ان يد الاندثار بدأت تقترب منها.