مقتل دبلوماسي أميركي وسائقه السوداني برصاص مجهولين وسط الخرطوم

الحكومة السودانية: الحادث معزول

TT

لقي دبلوماسي أميركي في الخرطوم حتفه متأثرا بجراح خطيرة أصابته نتيجة لتعرض سيارة كانت تقله إلى إطلاق النار من مسلحين مجهولين، نقل إثرها إلى المستشفي، فيما قتل سائق السيارة أثناء الحادث، الذي وقع في الساعات الأولى من صباح أول من امس، ويكتنف الغموض الحادث، فيما لاحظت «الشرق الأوسط» ان السفارة الأميركية في الخرطوم رفعت من وتيرة اجراءتها الأمنية، على خلفية الحادث.

وفيما لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن الحادث، اعتبرت الحكومة السودانية الحادث «معزولا وعاديا ولا يحمل اي بعد سياسي»، وبرأت ساحتها منه، وتعهدت بالوصول إلى الجناة وتقديمهم للعدالة. ووقع الحادث في تزامن مع احتفالات العاصمة السودانية براس السنة، وفي وقت تنفذ فيه الشرطة خطة أمنية «محكمة» بمناسبة احتفالات بالعام الجديد.

وروى بيان أصدرته الشرطة تفاصيل الحادث، وقال انه في الساعة 3:57 صباح أول من امس بتوقيت السودان وأثناء سير عربة من طراز لاندكروزر ستيشن برقم هيئة دبلوماسية يقودها السائق السوداني عبد الرحمن عباس، 40 سنة، ويرافقه المدعو جون مايكل غرانفيل دبلوماسي،33 سنة، يعمل بالعون الإنساني (المعونة الأميركية) أميركي الجنسية، بشارع عبد الله الطيب بالخرطوم الرياض «الفاخر» متجهة من الشرق إلي الغرب اعترضتهم عربة مجهولة وتم إطلاق عدد من الأعيرة النارية من الناحية الجنوبية للعربة (جانب السائق)، مما أسفر عن وفاة السائق في الحال وإصابة الأميركي بعدد 5 إصابات باليد والكتف الشمالي والبطن أسعف على أثرها في حوادث مستشفى الخرطوم حيث تلقى الإسعافات الأولية ومن ثم تم نقله إلى مركز فضيل الطبير حيث أجريت له عملية جراحية.

وأعلنت الشرطة عن تشكيل لجنة مشتركة من الشرطة والأجهزة الأمنية لتولي البحث والتحريات في الحادث لكشف ملابساته والتوصل للجناة في أسرع وقت. وقالت مصادر لـ«الشرق الأوسط» ان الحادث وقع اثناء عودة الدبلوماسي لمنزله بعد احتفال برأس السنة حضره في حي الرياض بالخرطوم، ولم تشأ تحديد المكان الذي اقيم فيه الاحتفال.

ونقلت وكالة «أسوشييتد برس» عن مسؤول سوداني قوله إن السلطات تحقق في الحادث، وذكر انه لم يتضح ما إذا كانت السيارة تابعة للولايات المتحدة أم للأمم المتحدة. ونوهت الوكالة الى انه لم يتضح بعد ما إذا كان الحادث لغرض سياسي أم مجرد عمل إجرامي حيث تعاني الخرطوم من ارتفع معدلات الجريمة. وفي بيان لها بشأن الحادث، قالت وزارة الخارجية السودانية ان الحادث معزول ولا يؤشر إلى أي مواقف أو انعكاسات سياسية وأن السلطات السودانية المختصة باشرت تحقيقاتها فورا وستصل إلى الجناة عاجلا أم آجلا حيث سيتم تقديمهم للعدالة لينالوا جزاء ما ارتكبوا من جرم. وأكدت الخارجية التزامها التام برعاية وحماية الأجانب المقيمين خاصة الدبلوماسيين وستستمر في سعيها لتوفير أقصى درجات الأمن والسلامة لهم حتى يؤدوا واجبهم في تطوير علاقات وطنهم وشعوبهم مع السودان بما يحقق المصالح المشتركة للجميع.

وفي مؤتمر صحافي عقده عاجلا، قال الناطق الرسمي باسم الخارجية السودانية علي الصادق موجها حديثه للصحافيين الذين تدافعت أسئلتهم: اصبروا على التحريات التي تجري، ونفى بشدة ان يكون للحادث بعد سياسي، وقال انه عادي، وبرأ حكومته من ارتكاب الحادث، وقال «هي التي تحرس الدبلوماسيين فكيف تقوم بقتلهم»، وردا على سؤال، قال انهم لم يتلقوا بعد اي اتصال من واشنطن لتحقيق مشترك في الحادث غير انه نوه الى انه في حال حدوث ذلك فإنهم سيتعاونون معهم، وقال ان هناك روايات متعددة للحادث ولكنه لا يريد ان يسبق التحقيقات. وتأتي الحادثة، التي يعتقد المراقبون في الخرطوم ان لها بعدها في نطاق العلاقات بين الخرطوم وواشنطن، بعد ساعات من توقيع الرئيس الأميركي جورج بوش قانونا يشدد العقوبات الاقتصادية الأميركية على السودان بسبب أزمة إقليم دارفور، يعرف بقانون محاسبة السودان ومنع الاستثمار للعام 2007، والذي أجازه الكونغرس في وقت سابق. وقال الرئيس بوش انه يشاطر الكونغرس قلقه الشديد حيال استمرار اعمال العنف في دارفور بين الحكومة السودانية والمتمردين.

ويهدف القانون إلى حماية المستثمرين الذين يسحبون أسهمهم من الشركات العاملة في السودان، دون اية مساءلة قانونية. ويستهدف القانون خصوصاً الشركات العاملة في مجال البترول والطاقة والتعدين والمعدات العسكرية، لكن بوش نوه الى ان القانون سينفذ بما لا يتعارض مع السياسة الخارجية وصلاحياته كرئيس. كما جاء الحادث متزامنا مع تسلم مجموعة «اكور الفندقية» الفرنسية ادارة الفندقين التابعين للشركة السودانية ـ الكويتية للخدمات الفندقية تحت اسم العمل «هيلتون» بكل من العاصمة الخرطوم ومدينة بورتسودان الميناء النهري في شرق البلاد عقب انسحاب اسم العمل «هيلتون» نتيجة الضغوط الأميركية عليه. وتباشر المجموعة عملها تحت اسم العمل «بول مانا».

وقال المسؤولون عن السياحة في السودان ان المجموعة الفرنسية ستباشر عملها اعتباراً من امس في الخرطوم وبورتسودان بديلاً لاسم العمل «هيلتون».

من ناحية اخرى، طوت الخرطوم امس آخر فصول أكثر القضايا اثارة للعواطف في البلاد، حيث نفذت إدارة سجن كوبر حكم الإعدام في المدانين معتصم عبد الله وعماد تبن المتهمين في جريمة «اغتصاب وقتل» طفلة تدعى «مرام»، 4 أعوام، العام الماضي. ومنعت السلطات السودانية الصحافيين من حضور عملية الشنق، كما منعت كل الذين حضورا العملية من حمل هواتفهم الجوالة بمن فيهم مدير السجن الذي تعرض جواله في ما بعد الى السرقة من المكان الذي حفظ فيه الجولات داخل مبنى السجن.

وفيما طالب المدان معتصم عبد الله بتذمر تنفيذ عملية الشنق، طالب المدان الثاني عماد تبن مصافحة القاضي الذي حكم عليهم بالاعدام. وقالت احسان والدة الطفلة مرام عقب تنفيذ الحكم انها «مرتاحة الآن»، وأضافت: الحمد لله الذي أنصف الحق ولم يكن لنا خيار الا القصاص لأن مرام ليست قضيتنا وحدنا وانما هي قضية مجتمع بأكمله»، ولكنها استدركت: «لو شنقوا مائة مرة لما شفي غليلي».

ووصف المحامي الطيب العباس، ممثل الاتهام «عن الحق الخاص» تنفيذ الشنق بأنه إحقاق للحق، فيما قال ساطع الحاج، ممثل الدفاع في القضية، ان وصول القضية الى هذه المرحلة الأخيرة يشير الى انهما مذنبان. وكانت الطفلة مرام اختفت عن منزل ذويها في حي الامتداد بالخرطوم ليعثر عليها بعد تفتيش مقتولة ومرمية في بئر سايفون في منزل مقابل لمنزل اسرتها، لتوجه التحقيقات التهمة للمدانين باغتصاب مرام قبل قتلها ورميها في البئر.