نائب وزير الخارجية الروسي: إذا تحقق تقدم بين الفلسطينيين والإسرائيليين سيكون مؤتمر موسكو مطلوباً

ياكوفينكو لـ «الشرق الأوسط»: عدم انضمام إسرائيل إلى معاهدة حظر الانتشار النووي ليس مشكلتها وحدها

TT

مع افول عام والاستعداد لاستقبال آخر جديد تستعد موسكو لتغيير المشهد القيادي في اروقة السلطة العليا في الكرملين بعد انتهاء الولاية الثانية للرئيس فلاديمير بوتين. «الشرق الاوسط» في موسكو، التقت الكسندر ياكوفينكو، نائب وزير الخارجية الروسي، الذي سبق أن شغل منصب المتحدث الرسمي خلال سنوات الولاية الاولى للرئيس الروسي ليتحدث حول اهم ملامح السياسة الخارجية للدولة الروسية العام الماضي وموقفها من احتمالات عقد مؤتمر موسكو بمشاركة كل الاطراف المعنية بالتسوية السلمية في الشرق الاوسط. ياكوفينكو تطرق ايضا الى احتدام الازمة اللبنانية والملف النووي الايراني. وقال ياكوفينكو: عملت روسيا بنشاط كبير على كافة الجبهات، ومن الممكن تحديد اطر عمل الدبلوماسية الروسية انطلاقا من معايير ثلاثة اولها: في اطار الامم المتحدة حيث بذلت جهودا كبيرة حول التسوية الشرق اوسطية، سواء على مستوى الجمعية العامة او مجلس الامن من منظور ضرورة اتخاذ قرارات متوازنة والتي بدونها لايمكن حل اي مشكلة. ثانيا: العمل في المنطقة والاتصال بالاطراف المعنية. واعتقد ان روسيا على خلاف كل اطراف الرباعي الدولي تملك علاقات متوازنة طيبة مع كل البلدان العربية، ومع اسرائيل، وهو ما يسمح بفرص اضافية لتفهم مواقف هذه البلدان والمساعدة في تقرير القضايا التي تحتاج الى حلول عاجلة.

وثالثا: العمل في اطار الرباعي الدولي الذي تشكل بمبادرة من روسيا بالدرجة الاولى، ولتنفيذ خريطة الطريق التي اقرها مجلس الامن. وساهمنا بشكل اساسي في حل الكثير من القضايا التي واجهت السلطة الوطنية الفلسطينية. ونذكر بهذا الصدد ما قامت به روسيا في مؤتمر الدول المانحة الذي عقد في باريس أخيراً. وأعربنا عن استعدادنا لتقديم مختلف اشكال العون وبذلنا المزيد من الجهد من اجل توصل لقاء أنابوليس الى نتائج ايجابية. > انتم تركزون على العمل في اطار الرباعي الدولي في الوقت الذي تتصاعد فيه الاتهامات حول تقصير هذه الآلية التي سبق أن قال يفغيني بريماكوف رئيس الحكومة الروسية الاسبق انها فقدت حيويتها وتراجع دورها. ـ كلا. الرباعي الدولي لم يفقد حيويته بعد. فبدون الرباعي الدولي لم نكن لنتحرك قدما نحو الاتجاه الصحيح. لكن النتائج الرئيسية يجب ان تتوصل اليها الاطراف المعنية بشكل مباشر ليس فقط على المسار الفلسطيني ـ الاسرائيلي بل على المسارين السوري واللبناني. > ماذا عن آفاق الدعوة الى مؤتمر موسكو لمواصلة ما توصلت اليه الاطراف المعنية في انابوليس.. ماذا عن مواعيده وأطر نشاطه؟ ـ عن اللقاء في موسكو نقول اننا نريد تهيئة الاجواء الطيبة لانعقاد مثل هذا اللقاء والخروج بنتائج مثمرة. فلسنا نريد عقد اللقاء من أجل اللقاء. نحن نريد بعد انابوليس انتظار التوصل الى نتائج ايجابية في مباحثات الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي. واذا تحقق هذا التقدم في ظل الظروف الراهنة التي تشهد توتر الاوضاع في قطاع غزة الى جانب ما تطرحه اسرائيل من وجهات نظر بخصوص القدس الشرقية، فان مؤتمر موسكو يمكن ان يكون مطلوبا. ولذا لا نجري اليوم حديثا حول مواعيد عقده او دائرة الاطراف المحتمل مشاركتها فيه. نحن نقف دوما مؤيدين لمشاركة الاطراف الاقليمية في مثل هذه اللقاءات. وانتم تعلمون ان مشاركة سورية والسعودية في مؤتمر انابوليس جرت بدعم من جانب موسكو الى حد كبير. عموما نحن نتطلع الى عقد لقاء موسكو من منظور ضرورة تحقيق النتائج الايجابية والتقدم نحو الأمام. > وماذا عن الدعم اللامحدود من جانب الولايات المتحدة لإسرائيل ووقوفها مدافعا عن مواقف اسرائيل تجاه تجاهل قرارات الامم المتحدة وهل يمكن تطبيق المادة السابعة على اسرائيل؟

ـ قبل كل شيء، اود ان اقول ان تدخل دولة كبرى في مثل هذه الامور واقع سياسي يجب مراعاته. وليس من قبيل الصدفة اقرار حق النقض (الفيتو) عند تأسيس الامم المتحدة. أما عن عدم تنفيذ قرارات الامم المتحدة او الالتفاف حولها وحول المنظمة عموما، فنحن ننظر اليه بشكل سلبي. فالأمم المتحدة ومجلس الامن جزءان من منظومة القانون الدولي. ونحن نعتبر ان العلاقات الدولية يجب ان تقوم على مبادئ القانون الدولي وإلا فسيسود قانون الغاب. وقد أثبت العراق انه حتى تدخل اكبر الدول مثل الولايات المتحدة وبريطانيا بمفردهما وبعيدا عن مجلس الامن تظهر مشاكل معقدة تواجه المجتمع الدولي لاحقا يصطدم بها على نحو اكثر تعقيدا من ذي قبل. وانتم تعلمون ان الولايات المتحدة اضطرت لاحقا الى العودة ثانية الى مجلس الامن من اجل الحصول على الدعم اللازم لإصلاح الموقف هناك. لكن وللأسف فان الوضع في العراق يثير مخاوف جدية ولا نجد مخرجا له بعد. وفي حال اتخاذ موقف مماثل لدى محاولات حل قضية كوسوفو بعيدا عن مجلس الامن فان الوضع يتعلق بتقسيم بلد على اساس ان كوسوفو جزء من صربيا، فان الموقف سيكون انتهاكا لقرارات الامم المتحدة وتجاهل القانون الدولي، وهو ما ننظر اليه ايضا بشكل سلبي، ولذا فان روسيا تنتهج موقفا معارضا وحاسما في مجلس الامن تجاه اية محاولات تستهدف تقرير قضية كوسوفو بدون محاولات الحوار والمباحثات بين بلغراد وبريشتينا. > ماذا اذن عن محاولات اصلاح الامم المتحدة، وما يقال عن توسيع اطار مجلس الامن وانضمام ممثلي افريقيا وآسيا الى المجلس والموقف من حق النقض؟ ـ حدثت في السابق محاولات لتوسيع اطار مجلس الامن، ونحن ننظر بشكل عام بشكل ايجابي الى طموح عدد من الدول نحو ذلك. فعدد دول الامم المتحدة بلغ 192 دولة، ومن الطبيعي والمنطقي طرح موضوع توسيع اطار مجلس الامن، لكن القضية تكمن في كيفية تنفيذ ذلك دون فقدان فعالية المجلس. وهناك العديد من الاقتراحات لكن نحن نرى ان التوسع يجب ان يتسق مع المهام المطروحة على المجلس. ولذا، فان الاطار الانسب يجب ان يكون في حدود 20 او 22 دولة بما يمكن للمجلس معه ان يظل جهازا فعالا. ولمن زار مقر الامم المتحدة يلحظ ان غرفة مجلس الامن صغيرة، رغم امكان العثور على قاعة اوسع، وهو ما يجعل مناقشة اية قضية مسألة في متناول الجميع في اطار عملي. ولذا نرى بوصفنا عضوا قديما في مجلس الامن نشعر ضرورة ان تظل هذه الهيئة في اطارها العملي، وإن كنا نرى منطقية تمثيل بلدان جديدة في المجلس. > مع تمتعها بحق النقض أو بدونه؟ ـ الامر يتوقف على القرار الذي يمكن ان يُتخذ. المهم ان يصدر القرار بالاجماع. واذا خلصت كل الدول الى زيادة عدد اعضاء المجلس عشرة او ثمانية، فنحن نؤيد اي قرار دون الاضرار بعمل المجلس وبنشاط كل الامم المتحدة. ولذا، نرى ضرورة المباحثات للتوصل الى القرار المناسب لكل الدول، وبما يتفق مع مصالح الدول الاعضاء وإلا فسنواجه انشقاق المنظمة وتزايد عدد الاعضاء المناهضة لزيادة عدد اعضاء المجلس ممن يعتبرون ذلك انتهاكا لحقوقهم ومصالحهم، مما سيدفع الى النيل من هيبة ومكانة المجلس الذي يظل يؤدي الدور المركزي في المنظمة. > واذا عدنا الى منطقة الشرق الاوسط لنسألكم عن رأيكم في مواصلة الضغط على سورية والموقف من سبل الخروج من الازمة اللبنانية الراهنة وتدخل الكثير من الاطراف الخارجية هناك؟ ـ نحن دائما مع العمل على اساس ما يقدم من وقائع وحقائق. فاذا توفرت حقائق عن تصرفات دولة ما فيجب طرحها بعيدا عن الاستنتاجات الافتراضية. وفيما يتعلق بالموقف من لبنان، فانتم تعلمون ان روسيا ايدت قرار تشكيل المحكمة الدولية وننتهج سياسة نشيطة في اتجاه تقرير الازمة اللبنانية، وأجرينا الكثير من المباحثات مع الجانب اللبناني خلال عام 2007 من اجل الخروج من الازمة وانتخاب الرئيس اللبناني. ونحن نود ان يظل لبنان دولة ديمقراطية تتمتع بالاستقرار وروسيا تواصل دعم لبنان وانتم تذكرون مساهمتنا في اعادة بناء العديد من الجسور التي دمرت اثناء الحرب في صيف عام 2006. ونحن لا نزال نصر على ان عملية انتخاب الرئيس اللبناني شأن داخلي. هناك بطبيعة الحال عناصر دولية تؤثر عمليا على الموقف هناك ونحن نعلمها لكننا نعرب عن امل في تجاوز الموقف والتوصل الى انتخاب الرئيس اللبناني. > ماهية العناصر الدولية المقصودة؟ ـ المقصود هنا ما يتحدثون عنه او يصدرون بشأنه بيانات يجب ان تكون مدعومة بقرائن. ونحن في موسكو نتابع ما يجري، ونتوقع لدى التطرق الى مثل هذه الموضوعات تحديد الوقائع والاتهامات والكشف عن ماهية القوى التي يقصدونها بهذه الاتهامات. > وماذا عن الملف النووي الايراني وموقف الولايات المتحدة وما تطرحه من مخاوف بهذا الصدد؟ ـ نحن نواصل العمل من اجل تبديد كل المخاوف المحيطة بالبرنامج النووي الايراني وهو ما لا يمكن تحقيقه بدون الالتزام الكامل بقرارات وتوصيات الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومجلس الامن الدولي. اما فيما يتعلق بامداد محطة بوشهر بالوقود النووي المطلوب فهو جزء من التزاماتنا الدولية ويتم تحت اشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ونحن نعتقد ان ذلك تحديدا ما سيقنعها بوقف التخصيب ويصب ذلك في اتجاه تنفيذ قرارات المجتمع الدولي. اما عن قلق الولايات المتحدة فنحن نشاطرها هذا القلق ونؤكد موقفنا بضرورة الالتزام الصارم ببنود معاهدة حظر الانتشار وقرارات الوكالة الدولية للطاقة الذرية. > وماذا عما تطرقت اليه واشنطن بشأن الخطر الايراني واقتراح نشر عناصر الدرع الصاروخي الاميركي في منطقة الخليج لمواجهة هذه الأخطار؟ ـ هنا لا بد من العودة الى تقرير وكالة المخابرات المركزية الاميركية بما في ذلك ما تناوله بشأن التهديدات النووية. لكننا مع ذلك نؤكد ان كل دولة تملك حق الدفاع عن نفسها. ونحن هنا في روسيا نتخذ السبل المناسبة للدفاع عن امننا ومصالحنا. وحسب علمي، فان دول الخليج تملك الاليات الفعالة للدفاع عن مصالحها. ونعتقد ايضا ان الحل ليس في تعزيز الترسانات الدفاعية بل في تطوير علاقات الصداقة مع بين الدول. واذا تدهورت هذه العلاقات، فلن تكفل كل المنظومات الصاروخية المضادة الحيلولة دون عواقب ذلك وفي هذا تحديدا يكمن الاساس المبدئي للسياسة الخارجية الروسية. > وماذا اذن عن عدم توقيع اسرائيل معاهدة عدم الانتشار النووي واصرارها على تملك الاسلحة النووية والمعايير المزدوجة من جانب بعض الدول تجاه هذه القضية؟ ـ مشكلة عدم الانضمام الى معاهدة حظر الانتشار ليست قاصرة على اسرائيل وحدها. فهناك الهند وباكستان وكذلك كوريا الشمالية. ولذا فان روسيا تواصل العمل من اجل اقناع كل الدول بالانضمام الى المعاهدة وتأييد حق الدول الاخرى في امتلاك برامجها النووية السلمية. ومن هنا فلا بد من تطوير بنود معاهدة حظر الانتشار النووي. وتقوم موسكو بامداد ايران الآن بالوقـــود النـــووي اللازم لمحطــة بوشهـــر، وهو ما يوفر الفرصة امام ايران لوقف برنامج تخصيب اليورانيوم. ويجب بهذا الصدد الاشارة الى الاقتراح الذي تقدم به الرئيس فلاديمير بوتين حول انشاء مركز دولي لتخصيب اليورانيوم لإمداد الدول المعنية بحاجتها من هذا الوقود وفق شروط تكفل الحيلولة دون اية مخاطر واعادة الوقود المستنفد. > وماذا عن الجهود المبذولة من جانب بعض الدول العربية لامتلاك الطاقة النووية لاستخدامها في الاغراض السلمية وآفاق التعاون مع روسيا في هذا المجال؟

ـ ميثاق الوكالة الدولية للطاقة الذرية ينص على كل جوانب هذه العملية. ونحن نعرب عن استعدادنا للتعاون وفق ميثاق الوكالة المدعوة بدورها على الاشراف على تنفيذ الطابع السلمي لهذا التعاون. ونحن نذكر ما قامت به الوكالة في العراق ولديها البروتوكول الاضافي الذي ينص على الاشراف على النشاط النووي لمختلف البلدان. > ويبقى السؤال حول آفاق التعاون في المرحلة المقبلة بين روسيا والبلدان العربية.. هل انتم راضون عن المستوى الراهن للعلاقات الاقتصادية التي يقول كثيرون انها لا ترقى إلى المستوى السياسي القائم بين الجانبين؟ ـ يجب وقبل كل شيء الحفاظ على المستوى العالي من التواصل السياسي القائم بين روسيا والدول العربية. واعرب عن املي في ان يرقى التعاون الاقتصادي إلى هذا المستوى من التعاون السياسي. فالتعاون الاقتصادي يظل دون الامكانات الاقتصادية للجانبين. ونحن نشهد الآن ما تقدمه روسيا من فرص كبيرة امام الاستثمارات العربية والاجنبية ما يجعلنا نقول اننا فقط بحاجة الى بعض الشجاعة والإقدام. نريد العمل والتحرك بشكل اكثر نشاطا ولا سيما مع توفر الظروف والامكانات الجديدة امام رأس المال العربي.