القيادات الدينية المسيحية تنتقد «عجز السياسيين» اللبنانيين

طالبت برئيس يصون وحدة الوطن وحكومة اتحاد جامع

TT

وجهت القيادات الدينية المسيحية التي احتفلت ببداية السنة الميلادية الجديدة امس انتقادات عنيفة للسياسيين اللبنانيين على خلفية الازمة السياسية القائمة والعجز عن انتخاب رئيس للجمهورية يملأ الفراغ الحاصل في منصب الرئاسة منذ 24 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. وحذروا من مخاطر استمرار الوضع الراهن، داعين السياسيين الى «تغليب المصلحة الوطنية على مصالحهم الخاصة».

وفيما امتنع البطريرك الماروني نصر الله صفير الذي ترأس قداس رأس السنة، في كنيسة السيدة، في المقر البطريركي في بكركي عن الكلام السياسي مكتفيا بقراءة القسم الاول من رسالة البابا بنديكتوس السادس عشر وهي تتحدث عن البيئة والسلام، قال رئيس أساقفة بيروت للموارنة المطران بولس مطر في قداس مماثل ترأسه في بيروت: «مع الأسف نرى عندنا وحدة وطنية تكاد أن تتمزق لكثرة المشادات بين أهلها ولقلة الثقة التي يكنها كل طرف مسؤول للطرف الآخر. فهل هذا يجوز وهل بهذه المحاذرة السلبية المعممة ننقذ لبنان... الذي لا نتفق في العمق على مصالحه بصورة كاملة. ولا نعطيه الأولوية الكافية لتأمين هذه المصالح تجاه الجميع. هذا فيما الديون تثقل حياتنا بشكل رهيب والاقتصاد يتعثر لقلة الاستثمارات الموظفة عندنا من قبل الغريب والقريب على السواء، وفيما الشباب لا يجد له عملا فيقصد دنيا الله الواسعة تاركا وراءه تلامذة صغارا ليتبعوه بدورهم متى أتموا دراساتهم فلا يبقى في الوطن إلا العجزة وكأننا صرنا مصحا للعمر الثالث ليس إلا، وفيما الأبواب مشرعة لكل تدخل غريب والمنافذ مفتوحة لكل عابث بالأمن ولكل معتد على حياة الناس وأرزاقهم وكراماتهم دون القدرة على تأمين رادع أو إقامة حسيب». واضاف: «أفلا نشعر حيال كل ذلك بالذنب الوطني الكبير الذي لا يستثني منا أحدا؟ ... إن واجبنا الوطني حيال هذه اللوحة القاتمة التي ترسم لعيوننا عذاب الوطن يكمن أولا بقرار جريء نتخذه معا لنقصر أيام المحنة التي نمر بها. فبدلا من التأجيل تلو التأجيل (للانتخابات الرئاسية) نأخذ الموقف الحاسم بألا نترك للغد ما يجب أن نصنعه اليوم دون تردد... فيكون لنا رئيس يرمز إلى الوحدة ويصونها، وتكون لنا حكومة اتحاد جامع مبنية على الثقة بوطنية الجميع وبمحبة الجميع لبلدهم دون منة من أحد على أحد». وبدوره قال متروبوليت بيروت وتوابعها المطران الياس عوده: «ما يحز في النفس هذه الأيام ان الأخلاق ضاعت على كل المستويات، صرنا نفتقد الأخلاق في السياسة، وقد أصبح التشاتم القاعدة، واللغة الممجوجة وسيلة التخاطب. تدنى المستوى إلى حدود مخجلة، ولم ينج حتى رجال الدين من الاتهامات والشتائم والتجريح». وأضاف: «إن كنا لم نعد نعول كثيرا على معظم أهل السياسة لأن التجربة المرة التي عشناها طوال ثلاثة عقود ويزيد أثبتت فشلهم، لم لا نعول على بناء الإنسان الخلوق الذي يحترم نفسه أولا لأن من يحترم نفسه يحترم الجميع»، وأمل عودة ان يلهم الله المسؤولين «ليعملوا على تنقية نفوسهم وختانة ألسنتهم فتصفو قلوبهم وتحل فيها المحبة محل الحقد والتسامح محل الكراهية والبغض ويعملون معا، بقلب واحد ويد واحدة، من أجل نهضة وطننا لبنان».

وفي الاطار نفسه قال راعي ابرشية بيروت وجبيل وتوابعهما للروم الكاثوليك المطران يوسف كلاس «يجدر بقادتنا ان يعودوا الى التشاور والتحاور، والتعاهد على قيم، يوصي بها التدين الصحيح، ليعيدوا تنظيم الحقوق الأساسية باحترام مجرد عن الطائفية، وموجه الى الخير العام». وناشد النائب البطريركي المطران فرنسيس البيسري المسؤولين اللبنانيين «وعي مسؤوليتهم الاساسية في تحقيق السلام الحقيقي وضمان الوحدة الوطنية»، فيما اعتبر مطران صيدا والجنوب لطائفة الروم الملكيين الكاثوليك إيلي بشارة الحداد انه «مهما قست الظروف في السنة المنصرمة، فالامر لا يخلو من الايجابية... فالوعي اللبناني لم يسمح بعد بزرع الفتنة من جديد، انما اكتفت هذه التحالفات بالصراع الانتخابي حول أكثرية وأقلية، وهذا صراع نجده في كل الدول الديموقراطية، شرط الا يتطور الى نزاع مسلح». ودعا المطران الحداد المسيحيين بنوع خاص الى «وقفة تأمل بعيدة عن الانانية والمصلحة الذاتية الانتخابية، فلبنان هو قبل المصالح، والمجتمع المسيحي قبل هذا او ذاك من الزعماء»، وقال: «أدعو كل مســـيحي الى إيقاظ درجة الوعي لديه بان السياسة المتبعة من زعمائنا لم توصلنا حتى اليوم الا الى الإضعاف والتهجير والشرذمة. فأين القضية التي ندافع عنها، اين القيم التي نموت من اجلها، بعد قليل ستتغير التحالفات فنسأل لماذا مات هذا وذاك من الشهداء، فرفقاء الامس اصبحوا في المعسكر الثاني وهكذا دواليك، ضاعت القضية بضياع التحالفات، والقضايا المهمة لا نعيرها اهتماما».