عراقيات يحذون حذو رجال «مافيات البحارة» في بيع مشتقات النفط بالسوق السوداء

مسؤول: لو طبق قانون العقوبات السابق لما تجرأ أحد على بيعها

امرأة وفتاة تنتظران في طابور أمام محطة تعبئة في بغداد (أ.ف.ب)
TT

وجدت الكثير من النساء العراقيات فرصة عمل جديدة ومربحة جدا بالقرب من محطات توزيع المشتقات النفطية الحكومية التي تؤمن مختلف أنواع المشتقات وبشكل يومي، فبعد أن كانت النساء تقف وسط طوابير طويلة وبشكل يومي أمام محطات تعبئة الوقود لأجل الحصول على 20 لترا من النفط الأبيض أو البنزين لتأمين احتياجات بيوتهن رأت أخريات أن التردد على المحطات سيغطي الاحتياج وأيضا سيكون هناك فائض يمكن بيعه أمام المحطة وبفارق ربحي قد لا يتوفر لهن في حال عملهن في أي مكان آخر وهن بهذا يحذون حذو ما يطلق عليه في العراق مافيا «البحارة».

ومع ساعات الفجر الأولى تقف أمام محطات التعبئة الحكومية وخاصة محطة «الجبهة» التي تقع عند المنفذ الجنوبي لمدينة بغداد وتحديدا أمام الكلية العسكرية التي هي الآن إحدى أهم القواعد العسكرية الأميركية تقف سيارات حمل كبيرة محملة بعشرات النساء والحاويات (الجلكانات) وبراميل وبعد ساعة تجد طابورا طويلا من النساء يقف عند باب المحطة بانتظار فتح أبوابها وتزويد المواطنين. والغريب أن هذا الطابور ورغم تزويد عدد كبير من الواقفين فيه إلا انه يحافظ على نفس طوله بسبب عودة النساء للتزود مرة ثانية وثالثة.

وعلى بعد 200 متر من المحطة هناك عربات تجرها الخيول تنتظر هذه المرة ليس البحارة بل البحارات للتفاوض معهن وتحديد سعر البيع لذلك اليوم ووفق هذه الأسعار يتم جمع اكبر قدر من أي مادة ومن ثم بيعها في مناطق أخرى .

أحد العاملين في المحطة قال «من كثرة تردد نفس الوجوه يوميا أصبحنا نعرفهن حتى بأسمائهن لكننا لا نستطيع منعهن فهناك تعليمات تجبرنا على البيع للمواطنين في حال تأمين النفط الأبيض وبعد جلب البطاقة التموينية ولا نعرف من أين يأتين بهذا العدد الكبير من البطاقات وكل يوم».

«الشرق الأوسط» حاورت إحدى النساء «البحارات» وتدعى «أم حكمت» التي بينت أن «اغلب من يحضرن لهذه المحطة أو أي محطة أخرى يعلمن أنها ستوزع النفط الأبيض أو البنزين هذا اليوم، هن نساء أحوالهن المعاشية صعبة جدا وبشكل أجبرنا على تحمل هذه المشقات بهدف تأمين مصدر رزق مناسب لعوائلنا.. كما أن مجالات العمل التي تؤمن للنساء قليلة بل نادرة لغير المتعلمات فليس هناك منشآت صناعية أو معامل إنتاجية وحتى حقول زراعية يمكن العمل بها».

وأضافت أم حكمت أنها تأتي بصحبة عدد من النسوة من مناطق محيط بغداد التي تعد الآن الأكثر فقرا لقلة فرص العمل بها «ولهذا نتفق فيما بيننا ونستأجر مركبة حمل لغاية المحطة ونقف لحين التزود بمادة البنزين أو النفط الأبيض ومن ثم بيعه لأصحاب العربات التي تجرها الخيول». احد العاملين في القطاع النفطي كشف أن عددا كبيرا من هؤلاء النسوة «يلجأن إلى تزوير البطاقات عبر استنساخها بأجهزة ملونة حديثة يصعب علينا كشفها، أي هناك من يبيع حصته لغيره، فالعوائل العراقية قد تجدها في بيت واحد لكنها تتفرع لأربعة أو خمس عوائل صغيرة وهنا لا يحتاجون كميات كبيرة من النفط فترة الشتاء».

مجلس محافظة بغداد أكد، وعلى لسان رئيس لجنة المشتقات النفطية، نزار السلطان لـ«الشرق الأوسط» أن مجلس المحافظة «سبق ان أبرم اتفاقا مع وزارة النفط العراقية وتشكيل غرفة عمليات مشتركة تأخذ على عاتقها إيجاد الآليات المناسبة للتوزيع بشكل عادل، وهنا قررت اللجنة توزيع المشتقات النفطية على الأهالي لمادة النفط الأبيض وعلى مرحلتين الأولى بدأت قبل حلول موسم الشتاء بشهرين تقريبا واتفقنا على آلية مناسبة تتمثل بتبني المجالس البلدية بتسلم حصص مناطقهم وتوزيعها وفق البطاقة التموينية، أما العوائل التي لا يوجد بالقرب منها مجلس محلي ينظم الأمر فهنا يمكنهم التزود وبحصتين كل حصة 100 لتر من اقرب محطة وقود بعد جلب البطاقة التموينية، وختمها من قبل إدارة المحطة لضمان عدم الاستلام بها مرة ثانية، وهذه العملية نجحت وتمكنا من تأمين الحصتين بشكل كامل لأغلب مناطق بغداد».

وزارة النفط العراقية أكدت على لسان احد مسؤوليها أن ظاهرة البيع في السوق السوداء قلت بشكل كبير في الآونة الأخيرة. وأضاف المسؤول أن هناك عدة أسباب تقف وراء تراجع ظاهرة البيع خارج المحطات من أهمها انتفاء حاجة المواطن لمادة البنزين في فترة الشتاء، فعادة ما ترتفع في فترة الصيف لتشغيل المولدات وانقطاع التيار الكهربائي حتى تصل معدلات الاستهلاك اليومية لمدينة بغداد ما بين 8 ـ 10 ملايين لتر يوميا لكن انقطاع التيار في الشتاء لا يؤثر بشكل يجبر الناس على تشغيل مولداتهم، كما أن تأمين التوزيع يتم الآن بشكل طبيعي ولجميع المحطات وأي صاحب مركبة يستطيع الدخول مباشرة ومن دون التوقف في طوابير طويلة لأي محطة والتزود منها». أما عن التهريب الخارجي فأكد أن الوزارة لم تسجل خلال الأشهر القليلة الماضية أي حالة تهريب برية أو بحرية وخاصة بعد التشدد الأمني ومراقبة الحدود وأيضا ارتفاع أسعار المشتقات داخل العراق بشكل يوازي أسعار دول الجوار، وهنا تصبح عملية التهريب غير مجدية للمهربين. وبشأن العقوبات التي تسري على الباعة بين «أن قانون العقوبات العراقي تطرق إلى هذا الأمر ليس الآن بل منذ عقد التسعينات وهذا القانون ما زال ساري المفعول حتى يومنا هذا ونتمنى إعادة تفعيله لأنه يضع هذه الشريحة تحت طائلة العقوبات المشددة مثل التغريم والحبس لفترات تصل حتى لـ 10 سنوات ومصادرة المواد والآليات المستخدمة في عملهم» مضيفا انه «لو طبق هذا القانون لما تجرأ احد على بيع المشتقات في السوق السوداء».