عمال أفارقة وآسيويون ينظفون شوارع كردستان ويخدمون في الفنادق والبيوت

بعضهم راض عن وضعه وآخرون يشكون.. ومستقدمهم يؤكد: لم نوهم أحدا

عمال بنغاليون اثناء فترة الراحة في السليمانية (تصوير : جمال بنجويني)
TT

تعتبر تجربة استيراد الايدي العاملة الاجنبية وتحديدا ذات الاصول الافريقية حديثة العهد جدا بالنسبة لإقليم كردستان العراق الذي يشهد منذ اربع سنوات نموا اقتصاديا مشهودا، اذ لا يتجاوز عمرها عاما واحدا ومع ذلك وبالرغم مما يرافق التجارب الحديثة عادة من جوانب نقص وقصور في مختلف الميادين فان عملية استقدام العمال والعاملات من مختلف الدول الافريقية والآسيوية وبالذات من بنغلاديش وإثيوبيا والفلبين والنيبال واندونيسيا، حققت نجاحا ملموسا في الاقليم على صعيد تلبية احتياجات بعض القطاعات الخدمية التي ترفض الايدي العاملة المحلية العمل فيها مثل تنظيف الشوارع ورفع القمامة والنفايات او العمل في المقاهي والمطاعم والمتاجر والحانات والفنادق او الخدمة في البيوت. ورغم حداثة هذه التجربة التي دشنتها للمرة الاولى شركة «بوابة الاسد» مطلع العام الماضي فان العديد من الشركات المحلية صارت تحذو حذوها في مجال توفير العمالة الافريقية التي تعتبر رخيصة قياسا بغيرها، حيث ظهرت شركات اخرى مثل «ايفل» و«قدم خير» المتخصصتين في استيراد العاملات و«بروسك» و«ميري بابان» المتخصصتين في استيراد العمال. وتعتبر شركة «بوابة الاسد» الشركة الوحيدة التي لها عقود رسمية مع حكومة اقليم كردستان توفر بموجبها 300 عامل تنظيف للقطاع الخدمي لبلدية مدينة السليمانية ومثله لبلدية مدينة اربيل وجميع العمال بنغاليون استقدمتهم الشركة بموجب عقود شخصية امدها عامان وبمرتب شهري مقداره 150 دولارا لكل عامل، ويمارس عمال الشركة مهامها على مدى ثماني ساعات يوميا في ثلاث مناطق صارت الان من انظف احياء ومناطق مدينة السليمانية. وللوقوف على حقيقة الاوضاع المعيشية للعمال والعاملات الافارقة في السليمانية تابعت «الشرق الاوسط» عن كثب طبيعة عملهم والتقت اولا بمهاليتس آبدو، 26 عاما من اثيوبيا، وتعمل في كافتريا باحد الفنادق الراقية وقد تحدثت عن اوضاعها المعيشية التي وصفتها بـ«الممتازة». وقالت انها تتقاضى مرتبا كبيرا ما عدا نفقات مبيتها ومأكلها التي تتكفل بها ادارة الفندق واضافت ان ابنة عمتها التي تعمل في اسطنبول اوهمتها وشقيقتها بالعمل باجور عالية في احد الفنادق الراقية في تركيا واستقدمتهما الى هناك ثم دفعتهما لتوقيع عقد مع شركة اخرى رفضت الافصاح عن اسمها استقدمتهم بدورها الى اقليم كردستان واعتبرت نفسها محظوظة كونها وجدت فرصة عمل ممتازة بخلاف شقيقتها.

وفي شارع سالم اشهر شوارع السليمانية التقينا بخمسة من العمال النيباليين الذين رفضوا الادلاء باي شيء يخص طبيعة عملهم خوفا من مالك الشركة التي يعملون لديها واكتفوا بالقول بان اوضاعهم المعيشية سيئة جدا نظرا لقلة الاجور التي يتقاضونها. وفي زيارتنا لمقر اقامة العمال البنغال الذين استقدمتهم شركة «بوابة الاسد» وجدنا انهم موزعون على اكثر من خمس قاعات كبيرة وينامون على اسرة جديدة ونظيفة ولهم مطبخ خاص ونظيف ووجبات لا تخلو من اللحم ثلاث مرات في الاسبوع من بينها وجبة سمك كل اسبوعين.

وقال رياض الاسلام، 45، من بلدة كوشتيا في بنغلاديش الذي وصل الى السليمانية منذ شهر انه متزوج وله ثلاثة اطفال ويتقاضى شهريا 155 دولارا فقط، وانه دفع مبلغ 2500 دولار الى شركة بنغالية لتشغيله في كردستان، وانه مرتاح في عمله لكن الاجر الذي يتقاضاه ضئيل جدا. واضاف انه كان يعمل في ماليزيا وسنغافورة مقابل 500 دولار شهريا، فيما قال عبد القادر عبد السلالي (35 عاما) من بلدة تينغايل البنغالية انه يعمل في السليمانية منذ 7 اشهر ويتقاضى 185 دولارا، وانه مرتاح في عمله بينما وصف ابراهيم خليل، 25 عاما، و خريج قسم التاريخ بجامعة دكا ويعمل مراقبا للعمال، اوضاعه بالجيدة جدا وقال انه يتقاضى 200 دولار. وبشكل عام اجمع العمال البنغال الذين التقتهم «الشرق الأوسط» على ان الشركة كانت قد وعدتهم بمرتب شهري قدره 300 دولار لكنها الان تدفع لهم 150 دولارا فقط، الا انهم اكدوا بان اوضاعهم المعيشية من حيث المأكل والمنام والرعاية الصحية افضل من السابق بكثير.

من جانبه اكد نزار مصطفى جاوجوان مدير شركة «بوابة الاسد» التي تتخذ من العاصمة البحرينية المنامة مقرا لها في حديث لـ«الشرق الاوسط» ان شركته وقعت عقودا شخصية مع جميع العمال البنغال قبل استقدامهم الى اقليم كردستان وانهم وافقوا على العمل 8 ساعات يوميا مقابل 150 دولارا في الشهر، ومع ذلك تدفع لهم الشركة مرتبات اكثر من المتفق عليه بين الطرفين وتتراوح بين 160 ـ 220 دولارا. واضاف ان شركته تدفع للعمال الموجودين في مدينة اربيل مرتبات تفوق 220 دولارا في الشهر وانها تتقاضى من بلدية السليمانية مبلغ 350 دولارا عن كل عامل وتتكفل مقابل ذلك بنفقات المبيت والرعاية الصحية والمأكل وتكاليف تذاكر السفر اضافة الى توفير مستلزمات العمل مثل البدلات التي يتم تغييرها شهريا والقفازات والمكانس وعربات نقل النفايات وغير من المتطلبات التي تستلزم نفقات اضافية واوضح جاوجوان ان العمال لديه يتقاضون اكثر من نظرائهم العاملين في البلدان الاخرى، نافيا بشكل مطلق ان تكون شركته قد اوهمت العمال البنغال بالعمل في بلد غير كردستان او في مجال غير الذي يعملون فيه حاليا مشددا بان الخدمات التي تقدمها هي الافضل من بين الخدمات التي توفرها الشركات المماثلة في كردستان. وفيما يتعلق بالتقارير التي ترددت مؤخرا عن اختفاء عمال بنغاليين واختطاف عدد منهم في السليمانية واربيل قال جاوجوان انها تقارير مفبركة وعارية عن الصحة تماما وان ايا من العمال لم يتعرض للاختطاف، وان المسألة هي ان بعض العمال يرغب في الوصول الى اوروبا عبر الاراضي التركية الامر الذي استغلته عصابة مافيا بنغالية الاصل تتخذ من اسطنبول التركية معقلا لها ومن هناك تمكنت من الوصول الى الاقليم عبر وسطاء في الاقليم ونجحت في استدراج بعض العمال السذج واوهمتهم بتهريبهم الى اوروبا، مستخدمة في ذلك بعض السيارات التي لاتتوفر في الاقليم الا عند قوات الشرطة وقد تمكنت الاجهزة الامنية من احباط المحاولة الاخيرة لعصابة التهريب تلك قبل اسابيع والقبض على افرادها وابلاغ الشرطة الدولية باسماء ومواقع بقية افراد المافيا في اسطنبول.

وهناك شركات أخرى في السليمانية متخصصة باستيراد العاملات من الدول الافريقية للعمل كخادمات في البيوت اوفي المطاعم والفنادق، كشركة ايفل التي تأسست قبل ستة اشهر والتي تتولى استقدام العاملات عبر فرعها في امارة دبي مقابل مبلغ 2200 دولار يدفعه للشركة رب العمل الذي يتكفل بموجب عقد رسمي بنفقات الرعاية الصحية والمبيت والمأكل للشغالة اضافة الى مرتبها الشهري البالغ 250 دولارا، وقد وفرت الشركة حتى الان العشرات من تلك العاملات للعمل في البيوت والفنادق والمتاجر والمطاعم وغيرها من المواقع.