السوق العقارية في بنما تجذب المستثمرين و.. تجار المخدرات

ناطحات سحاب إلى جانب منازل خشبية متهالكة

TT

بنما سيتي ـ رويترز: ترسم ناطحات السحاب على ساحل بنما سيتي خطاً للأفق يشبه ذلك الذي يمكن رؤيته في المراكز التجارية الآسيوية الكبرى مثل هونغ كونغ وسنغافورة.

وفي حين أضرَّت أزمة الرهون العقارية عالية المخاطر بسوق الانشاءات في الولايات المتحدة إلا ان هذه السوق ازدهرت في بنما. ووفقا لأكثر خطط الانشاءات طموحاً كان من المقرر ان تضم بنما تسعة من بين أطول عشرة مبانٍ في أميركا اللاتينية بحلول نهاية هذا العقد من الزمان.

لكن الاضواء أطفئت في العديد من الشقق الفاخرة وظلت المباني الجديدة خالية من السكان وتنامت الشكوك في أن ازدهار العقارات في بنما قد يصبح مجرد فقاعة نتجت عن مضاربات بأموال المخدرات في اميركا الجنوبية.

وتقول وكالات العقارات ان العدد الكبير من السكان المؤقتين في البلاد هو السبب وراء عدم تلألؤ ناطحات السحاب بالضوء في ليالي بنما. ويقول مسؤولو مكافحة المخدرات الاميركيون إن من أسباب ذلك أيضا ان عصابات تجارة المخدرات في كولومبيا تستخدم قطاع العقارات في غسل اموالها.

وفي سبتمبر(أيلول) الماضي، عندما اعتقلت الشرطة في بنما خوسيه يوريجو، زعيم عصابة تهريب المخدرات الكولومبي، اكتشفت انه يملك عقارات وشركات في مختلف ارجاء بنما، ومنها جزيرة تشابيرا في المحيط الهادي التي تقدر قيمتها بنحو 12 مليون دولار. وقال مسؤول حكومي أميركي في بنما، طلب عدم نشر اسمه، «ازدادت صعوبة تحويل الأموال عن طريق البنوك، لذلك شهدنا الكثيرين يحملون المال الى بنما عبر مطار بنما سيتي».

وأضاف «انهم يغسلون الاموال عبر سوق العقارات والقطاع المصرفي ومنطقة كولون التجارية الحرة» في بنما. وجعلت حدود بنما غير المتمتعة بحراسة كافية وسط الغابات مع كولومبيا وجزرها وخلجانها العديدة من الدولة معبراً كبيراً لتجارة المخدرات بين أميركا الجنوبية والمكسيك والولايات المتحدة. كما ان قوانينها المتساهلة فيما يتعلق بالهجرة وشبكتها الجيدة للطيران جعلتها مكانا سهلا للقاء عصابات المخدرات من كولومبيا والمكسيك.

وقال المسؤول «الكولومبيون لا يحتاجون الى تأشيرة لدخول بنما، لذلك فهم يستخدمونها بشكل متزايد كمكان للقاء» مع عملائهم من المكسيك. وقالت شركة العقارات سام تاليافيرو انه من المتوقع ان تطرح في السوق 11 الف شقة في مدينة بنما قبل نهاية هذا العقد. وقد تبنى شقق فاخرة أخرى في بنما سيتي في السنوات القليلة المقبلة أكثر مما تم بناؤه في ميامي بين 1995 و2005. وكل ذلك في مدينة يقطنها 800 الف من الفقراء بعضهم يقيم في منازل خشبية متهالكة بنيت قبل 100 عام ليسكنها العمال الذين شقوا قناة بنما. وفي حين تعد بنما معبرا ملاحيا رئيسيا وتشهد القناة عملية توسيع بتكلفة خمسة مليارات دولار، فان اقتصاد البلاد ظل صغيرا. ويقول الكثيرون ان الشركات العقارية لا يمكنها تبرير الحاجة لكل هذه المباني الشاهقة. فالأعداد المتزايدة من الأميركيين الذين يتقاعدون في بنما يتوجهون الى المناطق الجبلية الأقل حرارة.

وتتهم بعض جماعات الضغط وساسة المعارضة الحكومة بالموافقة على تراخيص بناء بصرف النظر عن الطلب الفعلي لأن البناء يوفر فرص عمل ويطور المنظر على خط الافق الذي تطبع صوره على كتيبات الدعاية السياحية.

وقال انريك مونتنيغرو، رئيس جبهة مكافحة الفساد، ان نحو خمس المشروعات العقارية تم شراؤها بأموال المخدرات. وأضاف «بعض المروِّجين لا يسألون عن مصدر المال... تجار المخدرات يشترون الشققَ ويستخدمونها في لقاءاتهم في بنما أو يؤجرونها».

وأقرت المدعي العام انا ماتيلد غوميز بأن هناك «مستثمرين غير شرعيين» في القطاع العقاري ببنما، لكنها قالت ان الحكومة لا تستطيع الحدَّ من بناء ناطحات السحاب.

وقالت غوميز ان اهتمام الحكومة ينصبّ على منع غسل الأموال عن طريق القطاع المصرفي الذي كان في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي ملاذاً لأموال المخدرات لكن تم تطهيره بدرجة كبيرة عبر تشديد القواعد المنظمة والسيطرة على تدفقات الاموال.

وقالت غوميز «خارج القطاع المصرفي، هناك أمور لا يمكننا السيطرة عليها، أي قطاع اقتصادي مزدهر يعتبر جذاباً... للمستثمرين غير الشرعيين».

وحتى دون اموال المخدرات، تقول وكالات العقارات ان المضاربين يخلقون فقاعة خطرة تدفع اسعار الايجارات للارتفاع في مختلف ارجاء البلاد في بلد يعيش 40 في المائة من سكانه بأقل من دولارين في اليوم، وقد تملأ شوارع بنما سيتي بمبانٍ غير مستكملة مهجورة.

وهناك بالفعل متضررون على مستوى رفيع. فبرج ايس تاور (104 طوابق) كان من المقرر أن يصبح من أفخم المباني في البلاد بتكلفة انشاء بلغت 200 مليون دولار، ولكن نصف اساساته فقط وضع ولم يعد يُشاهد عاملٌ واحدٌ في الموقع الآن.