حيل جديدة للإرهابيين لتفادي أجهزة الأمن المبتكرة والتكنولوجيا المتقدمة

يستخدمون غرف الدردشة على الإنترنت للاتصالات ويؤدون أعمالا عادية للاختلاط بالناس ويتحدثون إلى بعضهم بعضا بالألغاز

TT

في عصر اقمار التجسس والكاميرات الأمنية وشبكات الانترنت، التي تحتفظ بكل شيء بمجرد النقر على المفاتيح، يستخدم الارهابيون المشتبه فيهم خدعا بسيطة غير متقدمة تكنولوجيا لإخفاء وسائل اتصالاتهم، وجعل الحياة صعبة بالنسبة للسلطات، التي كانت تأمل في ان يمنحهم التقدم التكنولوجي السيطرة.

فعبر اوروبا يتجنب ناشطو القاعدة والمتعاطون معها اماكن يعتقدون انها مجهزة بأجهزة تنصت، مثل المساجد والمكتبات الاسلامية، طبقا لما ذكره خبراء الارهاب. وفي عديد من الحالات عاد المشتبه فيهم الى الطبيعة، حيث يتركون المدن للمشاركة في معسكرات او رحلات في وسط الطبيعة، لكي يتمكنوا من مناقشة المؤامرات بدون الخوف من التنصت عليهم.

وفي بريطانيا، يحاكم رجل يطلق على نفسه اسم «اسامة بن لندن» ضمن مجموعة من خمسة اشخاص بتهمة تشغيل معسكرات لتدريب الارهابيين في مناطق نائية، في بعض الاحيان تحت ظل مباريات لرياضة PAINTBALL في الغابات. وشارك في المعسكر اربعة اشخاص حاولوا في ما بعد احداث تفجيرات في «حقائب ظهر» في شبكة مواصلات لندن في 21 يوليو (تموز) 2005.

وفي قضية اخرى في لندن، سيحاكم مهاجر اوغندي في الشهر الحالي بتهمة تلقي تدريبات ارهابية في نيوفورست، الذي كان موقعا للصيد للاسرة المالكة، تم تأسيسه في القرن الحادي عشر، على يد وليام الغازي.

وفي المانيا، قبض على ثلاثة من المشتبهين في التآمر على نسف اهداف اميركية في شهر سبتمبر (ايلول) بعدما لاحقتهم الشرطة الى منتجع جبلي في قرية اوبرشلدورن. وقال المحققون ان المشتبه فيهم استأجروا مسكنا يمكنهم فيه تخزين مواد لصناعة المتفجرات.

وقد اصبحت الخلايا الارهابية اكثر مهارة في تجنب اكتشافها، طبقا لما ذكره المسؤولون عن مكافحة الارهاب. فعلى سبيل المثال، يستخدم الناشطون برنامج سكايب للاتصالات الهاتفية وغيره من وسائل الاتصال عبر الانترنت، التي يصعب اكتشافها او التنصت عليها. وفي بعض الاحيان اظهروا قدرات ابداعية، فقد تواصل المتهمون الذين ادينوا في شهر ابريل (نيسان) الماضي في مؤامرة لنسف اهداف في لندن باستخدام قنابل مصنوعة من الاسمدة، عبر المواقع الاباحية، في محاولة لتضليل المحققين. وقال ارماندو سباتارو نائب المدعي العام في ميلانو ان الارهابيين المشتبه فيهم «اصحبوا اكثر حذرا. وهم يعرفون اننا سنتنصت على محادثاتهم ومتابعة حركة هواتفهم الجوالة».

وفي نوفمبر اعلنت شرطة ميلان أنها كسرت شبكة قديمة تقوم بتجنيد المهاجمين الانتحاريين للذهاب إلى العراق وافغانستان. واستند التحقيق إلى حملة تنصت واسعة شنتها الشرطة الإيطالية ونجم عنها اعتقال 20 مشتبها به في إيطاليا وإنجلترا وفرنسا والبرتغال. لكن بناء الدعوى القضية تطلب أربعة أعوام ويعود أحد أسباب ذلك إلى أن المستهدفين كانوا يفترضون أن الشرطة كانت تراقبهم وتتنصت إلى مكالماتهم.

وأوضحت المعلومات التي تم الحصول عليها عبر استراق السمع، أن الخلية المتكونة من مهاجرين من شمال أفريقيا حاولوا كثيرا ان يختلطوا بالمجتمع الإيطالي وأداء أعمال عادية وإرسال أطفالهم إلى مدارس عامة، وبذلوا الجهود كي لا يظهروا بمظهر الأشخاص المتزمتين على صعيد الملابس. وحينما كانوا يتكلمون عبر الهاتف كانوا يتكلمون لغة ملغزة لإخفاء المعاني الحقيقية لكلماتهم.

وقال صبري دريدي، 37 سنة، أحد المشتبه فيهم من ميلان حينما تكلم مع أحد المتهمين الآخرين عبر الهاتف: «عليك أن تفهم أن هناك أمورا على الشخص أن يكون منتبها عند نطقها. حتى حينما تذهب لزيارة صديق أو قريب يمكن أن يكون موضع اشتباه. عليك أن تقوم بالأشياء التي لا ينتبه إليك أحد لأنهم ان شاهدوا شخصا يتحرك طوال الوقت فإنهم يجعلون الأمور حقا صعبة عليه».

يستخدم المشتبه فيهم عادة شيفرة يبتكرونها بأنفسهم في حواراتهم مع بعضهم بعضا. وفي محاكمة جرت بمدينة كييل الألمانية وجهت تهمة لرجل ألماني من أصل مغربي في قضية أخرى تتعلق بتجنيد المهاجمين الانتحاريين للذهاب على العراق، كما كشف عنها في شهادة قدمت في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حيث بينت بعض الشيفرات الأولية أن أعضاء الخلية كانوا يستخدمون غرف الدردشة الانترنتية لغرض التواصل.

قال رضوان الحباب، إن كلمة «سائقي التاكسي» تعني المهاجمين الانتحاريين وكلمة «مستشفى» تعني السجن إشارة إلى اعتقال شخص ما، بينما أولئك الذين زاروا «الصين» فيعني أنهم يتدربون في معسكرات بالسودان.

وقال خبراء إن الشيفرات قد تبدو بارعة عند النظر اليها لأول وهلة، لكنها تتطلب وقتا طويلا لفكها إذا كان الاشخاص المستهدفون يتكلمون بالعربية. وأدانت محكمة بريطانيا في سبتمبر (ايلول) 2005 أندرو راو الجامايكي الذي اعتنق الإسلام، على تهم تتعلق بالإرهاب بعد أن وجدت السلطات كراسا سريا للشيفرة، حيث أعطى معاني مزدوجة لأرقام ماركات مختلفة لهاتف نوكيا. فتحت تقمص شخصية بائع متجول كان راو يستخدم نوكيا 3310 للإشارة إلى النقود. ونوكيا 3410 إلى احتمال مواجهة مشاكل مع الشرطة ونوكيا 3610 كشيفرة للأسلحة وصدر ضد راو حكم بالسجن لمدة 15 سنة، على الرغم من ان وكلاء النيابة قالوا إن خططه الحقيقية ظلت لغزا.

وقال ماغنوز رانستورب محلل الإرهاب في كلية الدفاع الوطني السويدية: «إنهم مبتكرون في هذه المجال. إنه من أكثر الأبعاد الظريفة في هذه الحرب ضد الإرهاب. إنهم على وعي تام حينما يستخدمون وسائل الكترونية للتواصل بأنهم موضوع مراقبة دوائر الاستخبارات في كل العالم لا في أوروبا فقط».

كذلك تم كسر اللغة المشفرة في التحقيق الذي قام به مكتب التحقيقات الفيدرالي ضمن قضية خوزيه باديلا المولود في بروكلين والمنتمي إلى القاعدة، والذي أدين في أغسطس (اب) 2006 بتهمة التآمر لارتكاب جرائم قتل. وحسب وكلاء النيابة فإن باديلا واثنين من المتهمين معه كانا موضع تنصت لسنوات من قبل إف بي آي، الذي تم التوصل في الأخير إلى أن الكلمتين اللتين ظلوا يكررونها: «نبات البيض» و«زوكيني» تشيران إلى أسلحة وعتاد.

وفي ألمانيا أصيبت الشركة بالدهشة إزاء بعض التكتيك الذي استخدمه أعضاء الخلية الثلاثة، الذين وجهت إليهم تهم في سبتمبر الماضي بالتخطيط لتفجير أهداف اميركية. وللاتصال بعناصر في معسكرات التدريب في باكستان، لا يستخدم أعضاء الخلية نفس جهاز الكومبيوتر أكثر من مرة إلا نادرا، وفي بعض الأحيان يسافرون أكثر من 100 ميل للعثور على مقهى انترنت آخر، وفي أحيان أخرى يتجولون عشوائيا في بعض الأحياء السكنية بحثا عن اتصال لاسلكي، وهذا كله بهدف جعل عملية مراقبة حركة بريدهم الالكتروني والبحث في الانترنت أكثر صعوبة. وقال مسؤولون في مجال مكافحة الإرهاب انه تمت متابعة الخلية، بعد ان لاحظ مسؤولو استخبارات اميركيين اتصالات الكترونية مثيرة للشكوك مصدرها باكستان. وقالت الشرطة انها في وقت لاحق تمكنت من التوصل إلى ان المشتبه فيهم تلقوا تدريبا على التمويه والإفلات من المراقبة.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»