طوكيو: جدل حول الاعتماد على الروبوتات في مواجهة تقلص عدد السكان

قادرة على جعل الخدمات أرخص ومتوفرة بشكل أسهل

روبوتات الخدمة تلبي حاجات المنازل والمصانع في العاصمة طوكيو («الشرق الاوسط»)
TT

مع العدد المفرط من كبار السن والنقص الكبير في عدد الشباب تمر اليابان في مرحلة انهيار سكاني لم يمر به مجتمع بشري آخر من قبل.

والطريقة الوحيدة التي يمكن علاج هذه الحالة هي بزيادة عدد المولودين وبجلب المهاجرين. مع ذلك فإن الفتيات هنا لا يردن أطفالا ولا يحتمل اليابانيون عددا كبيرا من المهاجرين. لذلك تتحرك الحكومة والشركات الصناعية صوب مستقبل يتناقص فيه عدد السكان من دون مساعدة الروبوتات التي بعضها بعجلات وبعضها بسيقان وأخرى يمكنك أن تلبسها مثل المعطف وهي مزودة بعضلات.

وحقق معرض مخصص لعدد من الروبوتات تقييما إيجابيا من الجمهور. وبدأ العرض منذ بداية هذا الشتاء واسمه «معرض الروبوت العظيم» في متحف طوكيو الوطني للطبيعة والعلوم.

لكن المهندسين قالوا إن «روبوتات الخدمة» التي لا تستطيع الرقص قليلا ولا تشبه بأي شكل الانسان، هي القادرة على إنقاذ اليابان التي تمتلك أكبر كتلة سكانية يزيد أعمار أفرادها عن الخامسة والستين من الناحية النسبية مع أصغر نسبة من الصغار الذين تقل أعمارهم عن الخمس عشرة سنة.

فشركة «تويوتا» التي تعد أكبر شركة سيارات في العالم أعلنت أن روبوتات الخدمة ستصبح قريبا أساس صناعاتها. وتقدم الحكومة دعما ماليا ضخما لبحوث تهدف إلى تطوير مكائن من هذا النوع. أما المؤسسات المتحمسة للروبوتات فهي الجامعات والكثير من مؤسسات الإعلام الأخبارية.

لكن ليس الجميع مسرورين بهذا الحل. فهناك منتقدون يصفون هذا الحل لمجتمع متقدم بالسن ليس أكثر من شعوذة وقالوا إن الروبوتات هي ملطف مناسب يسمح للسياسيين والشركات الصناعية كي تتجنب التعامل مع قضايا اجتماعية صعبة مثل كره اليابان العميق للهجرة والنقص المزمن في الخدمة خلال ساعات النهار وبأسعار معقولة للأطفال ما يزيد من رفض النساء العاملات لفكرة الأمومة.

وقال هيدنوري ساكاناكا، الرئيس السابق لمكتب الهجرة في طوكيو ومدير المعهد الياباني لسياسات الهجرة: «يمكن للروبوتات أن تكون مفيدة لكنها لا يمكن ان تحل مشكلة تقلص عدد السكان. وسيكون عمل الحكومة أفضل إن هي أنفقت المال لتشغيل وتعليم وتربية المهاجرين».

ويعتبر مسار التقلص السكاني كارثياً بالنسبة لليابان حسبما يرى ساكاناكا. وبدأ تقلص عدد السكان في اليابان قبل ثلاثة أعوام من حيث معدل الهبوط. وخلال 50 عاما سيهبط عدد السكان الذي يصل حاليا إلى 127 مليون نسمة بنسبة الثلث حسب التوقعات الحكومية. وخلال قرن سيختفي ثلثا عدد السكان. وهذا سيترك اليابان التي تمتلك ثاني أكبر اقتصاد على مستوى العالم بعدد سكان يصل إلى 42 مليون نسمة.

وخلال عشرين عاما سيهبط عدد القوة العاملة بنسبة 10% حسبما أشار مكتب «غولدمان ساشز» للاستثمارات. وخلال ثلاثين عاما سيكون لليابان عاملان لكل متقاعد. وخلال 50 عاما سيصبح هناك متقاعدان لكل 3 عاملين. وسيكون نظاما العناية الصحية والتقاعد في وضع مهدد بالانيهار.

قال ماسكاتسو فوجي، الاستاذ في الهندسة الميكانيكية بجامعة واسيدا بطوكيو، إن الروبوتات قادرة على جعل الخدمات أرخص ومتوفرة بشكل أسهل وأقل انقطاعا. وفي محاضرة سابقة قدمها للصحافيين الأجانب قال إن روبوتات الخدمة قادرة على المساعدة في تخفيض نفقات الحكومة على العناية الصحية وتتكلف بمهام وظائف تعاني من نقص في الكوادر البشرية ويمكنها أن تمنح اليابان «حيوية اجتماعية».

مع ذلك فإن على اليابان أن تستفيد من أي فرصة لإبقاء موقعها كقوة اقتصادية عظمى، ولذلك فهي بحاجة إلى كائنات بشرية بالملايين وتحتاج إلى استيرادهم في القريب العاجل، حسبما قال ساكاناكا. وحاجج بأن اليابان لا تمتلك أي بديل عقلاني غير فتح أبوابها لما لا يقل عن 10 ملايين مهاجر جديد خلال العقود الخمسة المقبلة.

ومن بين البلدان العالية التطور تقف اليابان على الدوام في أدنى السلم في ما يتعلق بالمقيمين الجانب. وفي الولايات المتحدة تبلغ نسبة هؤلاء حوالي 12 في المائة بينما تبلغ في اليابان 1.6 في المائة فقط.

وتتلقى قوانين الهجرة ذات التقييدات الكثيرة دعما كبيرا من جانب اليابانيين الذين يلقون باللوم على الجانب في ما يتعلق بالجريمة والسلوك السيئ والفوضى. واقتراح ساكاناكا المرتبط بالهجرة لا يلقى، حتى الآن على الأقل، دعما جديا بين الزعماء السياسيين الرئيسيين. ولكن البلد يحتل المرتبة الأولى في استخدام الروبوت. ويعمل 40 في المائة من روبوتات العالم هنا، ومعظمها في وظائف صناعية.

وتفضل الحكومة إنفاق أموال على تطوير الروبوتات لا على المهاجرين ـ وفقا لما قاله ساكاناكا ـ لأن الروبوتات لا تتسم بسلبيات سياسية. وقال ان «السياسيين يتجنبون قضية الهجرة لأنها لا تؤدي الى تصويت. ان عليهم ان يفكروا بمستقبل اليابان لكنهم لا يفعلون ذلك».

وتقول كاثي ماتسوي، الباحثة في استراتيجية اليابان في «غولدمان ساكس»، ان تعزيز الروبوت وسيلة للحكومة والمشاريع للابتعاد عن القضايا الأساسية لانخفاض معدل الولادات في اليابان.

وقالت ماتسوي ان «الروبوتات لن تكون قادرة على التعامل مع مشاكل العمل والعائلة. الروبوتات لا يمكن أن تربي الأطفال».

وعلى الرغم من كل امكانياتها فان الميل الى مجتمع يشيخ مع الروبوتات لن يكون سهلا. ويقول المصممون ان الماكنات، ومعظمها ما يزال في مرحلة تطوير وعلى بعد سنوات من الدخول الى السوق، يجب ان تعمل بصورة آمنة، وأن تكون مناسبة السعر وتوفر أرباحا للشركات المصنعة. وقد تغلبت الروبوتات الصناعية على الكثير من هذه العوائق في سنوات الثمانينات، وتتوقع وزارة الاقتصاد والتجارة والصناعة اليابانية ان يحدث الأمر ثانية مع الروبوتات في البيت.

وقال هيديتو أكيبا، مدير قسم المكائن الصناعية في الوزارة، ان «الشرارة يمكن أن تكون الزيادة الدراماتيكية في قوة العمل».

والسبب الرئيسي لانخفاض معدل الولادات في اليابان هو رفض الشابات المتزايد للزواج. وتظهر احصائيات حكومية ان نسبة النساء اللواتي تتراوح اعمارهن بين 25 و29 عاما من ويفضلن البقاء عازبات قد زادت على الضعف منذ عام 1980، لترتفع من 24 في المائة الى 54 في المائة.

واذا ما تزوجت النساء اليابانيات وولدن أطفالا فانهن يصبحن خارج قوة العمل بمعدلات أعلى بكثير مما يحدث في البلدان الغنية الأخرى. والسبب الرئيسي هو عدم امكانية حصولهن على الرعاية اليومية المناسبة الكلفة، وفقا لما قالته ماتسوي وأخريات كثيرات.

وقالت ماتسوي إن رعاية الطفل ذات الكلفة المناسبة وقوانين الهجرة المخففة التي تسمح للأمهات العاملات بتأجير مربيات اجنبيات ستبقي مزيدا من النساء داخل قوة العمل ويمكن أن ترفع معدلات الولادة. وعندما سئلت ماتسوي عن سبب شغف الحكومة والصناعة بالروبوتات قالت «انه تبرير جيد لعدم معالجة قضية الهجرة. انها لا تسبب الجريمة. انها ليست اشخاصا أجانب. كما ان اليابانيين متقدمون في صنع الروبوتات».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»