القوات الأميركية تجهز «الصحوة» بالأسلحة من مستودعات «القاعدة» في العراق

مقاتل: كسرنا مسمار «القاعدة» وعلى بوش والمالكي تلبية مطالبنا

عنصران في «الصحوة» يراقبان الطريق في نقطة تفتيش في حي الأعظمية ببغداد أمس (أ.ف.ب)
TT

اراد سعد المحامي مزيدا من قوة النيران. لم يكن يثق بالحكومة العراقية لتقدم له دعما ولهذا فانه في داخل قاعدة الحراسة الواقعة في طرف هذه القرية جنوب بغداد ابلغ القادة العسكريين الاميركيين بان مقاتليه البالغ عددهم 71 من العرب السنة بحاجة الى اسلحة اضافية لمقاتلة متمردي «القاعدة» في العراق.

وبينما كان يصغي الى طلب المحامي قام الكابتن ديفيد اندروود بتذكير جنوده بأن رجال المحامي، وكلهم من افراد الصحوة، يشترون الأسلحة بأموال اميركية تقدم لهم مكافأة على كشفهم مستودعات عتاد العدو. وابلغ اندروود الجنرال ريك لينتش، القائد الاعلى في المنطقة، خلال لقائهما مع العراقيين «وبينما نصادر الأسلحة نقوم بتسليمها الى سعد».

وتدعم الولايات المتحدة مجموعة جديدة من الزعماء السنة، وبينهم أعضاء سابقون في حزب البعث والمخابرات والجيش في عهد الرئيس السابق صدام حسين، ممن يتحدون السياسيين السنة الذين يطرحون أنفسهم باعتبارهم ممثلين للطائفة. وتشير هذه الظاهرة الى تحول حاد في السياسة الأميركية وفي فرص الأقلية السنية في العراق.

ويقف الزعماء الجدد على الضد من الحكومة التي يقودها الشيعة والمدعومة أميركيا، والتي تشعر بالقلق من تنامي نفوذ الصحوة، وتصورها باعتبارها تشكل تهديدا محتملا عندما تنسحب القوات الأميركية. ويشير الارتياب الى سهولة انهيار التحسن الامني الذي تحقق العام الماضي.

وقال صفاء حسن، 28 عاما، أحد مقاتلي المحامي «نشعر باننا اكثر سيطرة. فالأميركيون يشجعوننا على الدفاع عن مجتمعنا. لم نكن نتصور ان هذا يمكن أن يحدث».

وقد انتشرت حركة الصحوة، التي بدأتها العشائر في محافظة الأنبار، في مناطق العراق الاخرى في العام الماضي، حيث ان اعدادا متزايدة من السنة انقلبوا ضد السياسات المتطرفة لـ«القاعدة» في العراق. وسرعان ما دخل قادة الجيش الأميركي في تحالفات مغامرة مع زعماء العشائر الذين كانوا في السابق من الجماعات المتمردة، وبينهم رجال قتلوا جنودا أميركيين. ويصل عدد افراد الصحوة، التي تسمى في بعض المناطق بـ «المواطنين المحليين المهتمين»، الى ما يقرب من 71 ألف مقاتل، وتمكنوا من طرد «القاعدة» من المناطق التي كانت تهيمن عليها سابقا. ووصف علي حاتم علي سليمان، الذي يقود واحدة من اكبر عشائر العراق، «القاعدة في العراق» باعتبارها مسمارا في جانب القوات الأميركية والعراقية. وقال سليمان «كسرنا ذلك المسمار. أي طريق آخر لدى نوري المالكي رئيس الوزراء أو الرئيس جورج بوش ؟ يتعين عليهما القبول بالطريق الذي رسمناه».

وفي مقابلات اجريت خلال الشهر الماضي قال عدد من زعماء الصحوة وجنودها المشاة انهم يريدون ضمان بقاء مجتمعهم عبر جلب الخدمات والتنمية الاقتصادية الى مناطقهم. وهم يشددون قبضتهم على المناطق السنية في مختلف انحاء البلاد، ما يضعف سلطة الحكومة المركزية.

وفي حي الفضل ببغداد تعلن الدلائل عن قوة عادل المشهداني، المعروف بكونه من الأفراد السابقين للحرس الجمهوري التابع لصدام حسين والمتمرد السابق الذي يدير الآن مجلس صحوة الفضل. وفي محافظة بابل يتولى صباح الجنابي منصب رئيس بلدية جرف الصخر، بعد أقل من أربعة اشهر على توقيعه أول عقد مع الأميركيين. ويعتبر الجنابيون عشيرة بارزة كانت مزدهرة في ظل صدام حسين ودعمت التمرد لاحقا. غير ان الزعماء الجدد لم يضمنوا حتى الآن إلا القليل مما يزيد على البنادق والأموال ودعم ضباط الجيش الأميركي، ولكن تلك المكاسب تساعد رجالا مثل المحامي على خيارهم في حماية اراضيهم، ليس فقط من «القاعدة» وانما أيضا من المليشيات الشيعية وقوات الأمن العراقية.

ولا يعرف القادة العسكريون الأميركيون الكثير عن المحامي سوى انه كان محاميا وزعيما في منطقته. ومعظم رجاله من الجيش الاسلامي، وهو جماعة متمردة انفصلت عن «القاعدة» في العراق العام الماضي وفقا لما قاله أندروود. وابلغ المحامي القادة العسكريين الأميركيين بانه يحتاج الى ما هو اكثر من الأسلحة. كما أنه يريد معدات اتصالات وسيارات. وكان ينظر الى لينتش وطلب منه تفجير أربعة جسور قريبة لمنع «القاعدة» من دخول القرية. ورد لينتش قائلا «سنكون في غاية السعادة للقيام بذلك».

يقول رياض هادي، الذي يقود مجموعة «اسود الأعظمية» التابعة لقوات الصحوة في حي الأعظمية ببغداد، انه على رأس قوة قوامها 1400 مقاتل، 700 منهم يتقاضون مبلغ 300 دولار شهريا من الجيش الاميركي. ويصف هادي نفسه بأنه «إبن حي الأعظمية» الذي نهض ضد تنظيم «القاعدة في العراق» بعد ان قتل مسلحوها شقيقه. وقال سكان في الحي ومتمردون إن هادي بعثي سابق كان عضوا في عدد من الجماعات المسلحة بما في ذلك «ألوية ثورة العشرين»، التي كانت تربطها في السابق علاقات وثيقة مع تنظيم «القاعدة في العراق». يقول هادي ان رجاله يعرفون جيدا طبيعة هذا التنظيم وانهم قادرون على إلقاء القبض عليهم قبل ان يفعلوا أي شيء. وكان عدد كبير من المسلمين السنّة قد انضم إلى صفوف المتمردين بعد ان اتخذت السلطات الاميركية في العراق قرارا بحل نظام صدام حسين غداة الغزو في مارس (آذار) 2003. وتحول حي الأعظمية على وجه التحديد إلى واحد من معاقل المتمردين، وبنهاية عام 2004 اصبح ملاذا لتنظيم «القاعدة في العراق». إلا ان كثيرا من المتمردين انقلبوا العام الماضي ضد عناصر «القاعدة» الذين بات ينظر إليهم الكثير من السنّة كونهم اثروا سلبا على صورة المقاومة السنيّة وفرضوا قوانين إسلامية متشددة على الأعظمية. ويشير هادي الى انه القي عليه القبض في السابق وتعرض خلال الحبس للضرب بواسطة أفراد من قوات الشرطة أعلنوا انهم ينتمون إلى ميليشيات رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر. ويرى هادي ان ذلك كان تحديا مباشرا. قضى هادي نصف ساعة محبوسا في زنزانة إلى ان وصلت قوات اميركية وأطلقت سراحه. ويصف الجنرال حسين الدليمي، قائد شرطة الأعظمية، المناوشات التي حدثت بأنها كانت «سوء فهم». اما علي سالم، 25 عاما، وهو من سكان الأعظمية، فيقول ان عناصر تابعة لتنظيم «القاعدة» في العراق قتلت فتاة في الحي لأنها لم تكن ترتدي حجابا. وقال واحد من مقاتلي هادي انهم يعتمدون على أنفسهم لحماية سكان المنطقة. ولا يزال تنظيم «القاعدة في العراق» يشكل خطرا في العراق. ففي مطلع هذه الأسبوع لقي زعيم الصحوة وليد السامرائي مصرعه نتيجة تفجير انتحاري ضمن عدة تفجيرات ضد قوات الصحوة في الآونة الأخيرة. لا يثق الكل برجال هادي. فقد اضطر أبو يوسف، 47 سنة، الذي يعمل سائقا لسيارة أجرة، إلى الفرار من الأعظمية العام الماضي عقب اتهامه بالتجسس، ويقول الآن انه يخشى العودة لأن كثيرا من أعضاء «القاعدة» في العراق انخرطوا في قوات الصحوة، ويقول ان لا ثقة له بهم لأنه يعرف تاريخهم.

وتحت الضغوط الاميركية استوعبت الحكومة العراقية 23000 من مقاتلي الأنبار في قوات الشرطة، إلا ان سليمان يتوقع أكثر من ذلك، وقال في هذا السياق: «نحن نسأل الاميركيين والحكومة العراقية: أين إعادة الإعمار؟».

جدير بالذكر ان الذراع السياسي لقوات الصحوة قد رشح 15 شخصا لملء مواقع وزارية باتت شاغرة عقب انسحاب جبهة التوافق في أغسطس (اب) الماضي. وينظر شيوخ العشائر بصورة عامة إلى ساسة جبهة التوافق كونهم ليسوا على صلة وثيقة بالواقع لأن كثيرا منهم كان في المنفى خلال حكم صدام حسين. كما ان ثمة اعتقادا واسعا بأن لجبهة التوافق علاقات مع المتمردين. ويبدو ان ثمة عدم ثقة بين الجانبين. بعض المسلمين السنّة يرون ان الحكومة الحالية تقوم على أساس ديني وإثني وانها لا تريد اقتسام السلطة مع أي جهة. كما ان الحكومة نفسها تشعر بأن المقاتلين السنّة من المحتمل ان ينقلبوا ضدها عندما تخرج القوات الاميركية من العراق. وكان مسؤولون في الحكومة قد حذروا في تصريحات رسمية بأنهم لن يسمحوا لحركة الصحوة بأن تصبح «قوة ثالثة» إلى جانب الشرطة والجيش.

*خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»