مسؤول إيراني لـ«الشرق الأوسط» : بوش يريد «تطويق» تقارب طهران مع السعودية ومصر

قال إن استئناف العلاقات الدبلوماسية مع القاهرة خلال أشهر * تقارير في واشنطن: «برودة» بين خامنئي وأحمدي نجاد

إيرانية تسير في أحد شوارع طهران التي غمرتها الثلوج أمس (أ.ف.ب)
TT

فيما حذرت الولايات المتحدة الاميركية إيران من تكرار حادث التعرض لسفنها في مضيق هرمز بالخليج العربي، نفى الحرس الثوري الإيراني تحرشه بالسفن الاميركية او توجيه تهديد بتفجيرها، وقال إن اعتراض السفن الاميركية «عمل روتيني» تقوم به إيران لمعرفة هوية السفن المارة في المضيق. يأتي ذلك فيما قالت مصادر إيرانية تحدثت اليها «الشرق الأوسط» إن زيارة الرئيس الاميركي جورج بوش الى المنطقة تهدف الى «تطويق» التقارب بين طهران من ناحية والدول العربية من ناحية اخرى لا سيما السعودية ومصر، موضحة ان الخلافات التي تعوق استئناف العلاقات بين القاهرة وطهران تحل بشكل ايجابي، وان العلاقات قد تستأنف خلال الشهور الستة المقبلة. الى ذلك نفى مستشار المرشد الاعلى لايران حسين شريعتمداري تقارير حول «برودة» في العلاقات بين المرشد الاعلى لإيران، آية الله خامنئي، والرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد. وحول حادث تعرض زوارق إيرانية لسفن اميركية في خليج هرمز الذي يمر عبره 20% الى 25% من انتاج النفط العالمي، رفضت واشنطن تأكيدات ايران بان الحادث «كان عاديا» وحذرت طهران من ضرورة «عدم تكرار ذلك». وقالت المتحدثة باسم البيت الابيض دانا بيرينو ان الحادث «لم يكن عاديا، بل كان طائشا». وقالت «من الصعب علينا التكهن بما يفكرون او يفعلون او ما اذا كانوا يخططون للقيام بمثل هذه الاعمال في المستقبل. ما استطيع ان اقوله لكم هو ان موقفنا هو ان عليهم ان لا يفعلوا ذلك مرة اخرى».

من ناحيتها، وجهت وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس تحذيرا الى طهران، مؤكدة ان عليها وقف «استفزازاتها»، وذلك في حديث اجرته معها صحيفة «جيروزالم بوست» الإسرائيلية الصادرة بالانجليزية. وتابعت رايس «هذا ما حصل ويجب ان يتوقف ذلك. الولايات المتحدة ستدافع عن مصالحها وستدافع عن حلفائها». وأضافت ان ايران «هي اكبر تهديد للشرق الاوسط الذي نود جميعا قيامه». وقالت رايس من جهة اخرى للقسم العربي من هيئة الاذاعة البريطانية (بي بي سي) «كان الامر استفزازيا وهذا النوع من الاستفزاز خطر»، مضيفة «آمل حقا ان يمتنع الايرانيون عن هذا النوع من العمليات».

وفي المقابل تحدث الناطق باسم الخارجية الايرانية محمد علي حسيني عن «امر عادي يحصل بين الحين والاخر»، كما نفى الحرس الثوري الايراني، الذي قامت فرقته البحرية بعملية التدقيق هذه، تهديد السفن الاميركية. وقال علي رضا تانغشيري قائد القوة البحرية للحرس الثوري «ما حصل بين الدوريات البحرية للحرس الثوري والسفن الاجنبية في الخليج الفارسي هو اجراء مراقبة عادي». كما اكد مصدر لم تكشف هويته في الحرس الثوري الايراني بحسب التلفزيون الايراني امس انه «لم يتم توجيه اي رسالة تهديد» للسفن الاميركية.

وياتي هذا الحادث قبيل زيارة الرئيس الاميركي جورج بوش الى المنطقة التي حدد هدفها الرئيسي بحل النزاع الاسرائيلي ـ الفلسطيني، واحتواء خطر إيران. وسيزور بوش الكويت والبحرين والامارات والسعودية خلال جولته الشرق اوسطية التي يبدأها اليوم في اسرائيل وتستمر اسبوعا.

وفيما لم يصدر اي بيان رسمي إيراني حول زيارة بوش، قال مسؤول إيراني لـ«الشرق الأوسط»: ان زيارة بوش للمنطقة هي محاولة لـ«تطويق» آثار التقارب بين إيران والدول العربية والخليج خلال الفترة الماضية، مشيرا الى زيارات احمدي نجاد للسعودية خلال 2007، وزيارته للبحرين، وزيارة مستشار المرشد الاعلى علي لاريجاني الى مصر قبل أيام. وقال المصدر الذي لا يستطيع الكشف عن هويته: «اميركا قلقة من تقارب إيران بدول المنطقة. على سبيل المثال قطعت القاهرة وطهران شوطا في حل الخلافات التي تعوق استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما. ويعمل البلدان على استئناف العلاقات خلال الـ6 اشهر المقبلة. في رأيي انه لن ينتهي عام 2008 قبل ان يتم استئناف العلاقات بين طهران والقاهرة». فيما قال مسؤول إيراني آخر:«ايران تراقب الجولة وما سيترتب عليها والهدف منها. وحتى تنتهي الجولة ليس لدينا احكام مسبقة عليها او على أهدافها». الى ذلك، نفت مصادر إيرانية تقارير حول «برودة» في علاقات خامنئي وأحمدي نجاد استندت إلى عدم دفاع خامنئي عن اداء حكومة احمدي نجاد في وجه انتقادات الاصلاحيين. وجاء النفي ردا على تقرير لصحيفة «واشنطن بوست» الاميركية امس قال ان عدم تدخل خامنئي للرد على الانتقادات الموجهة الى احمدي نجاد يشي بتناقص تأييد ودعم خامنئي للرئيس الإيراني. وقالت مصادر إيرانية لـ«الشرق الأوسط» انه لا خلاف حقيقيا بين الطرفين، وان خامنئي يريد ان يأخذ خطوة للوراء بين كل الأطراف الإيرانية قبل الانتخابات البرلمانية، كي يكون حكما محايدا لجميع الاطراف خلال الشهرين المقبلين. وأوضح حسين شريعتمداري مستشار خامنئي ورئيس تحرير صحيفة «كيهان» الايرانية ان الحديث عن «خلافات» بين المرشد الاعلى والرئيس الإيراني ليس صحيحا، مشيرا الى تصريحات خامنئي في مدينة يزد بوسط إيران الاسبوع الماضي، والتي قال فيها خامنئي ان حكومة أحمدي نجاد تتمتع بمزايا فريدة. وأوضح شريعتمداري في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «ما جاء في واشنطن بوست ليس صحيحا. المرشد يدعم الحكومة منذ انتخابها، وهذا شيء لم يتغير. ليست هناك خلافات بين الجانبين بسبب الاداء الاقتصادي لحكومة احمدي نجاد». وبحسب «واشنطن بوست»، فإن العامل الأساسي في تراجع حرارة العلاقات بين خامنئي وأحمدي نجاد يعود الى تقرير وكالات الاستخبارات الاميركية الذي صدر مطلع ديسمبر (كانون الاول) الماضي، وكان ملخصه ان طهران أوقفت برنامجها النووي للاستخدام العسكري عام 2003. وقال المحلل الإيراني سعيد ليلازي لـ«واشنطن بوستش إن تهديدات واشنطن لطهران على خلفية برنامجها النووي ادت الى تقارب بين المرشد الاعلى واحمدي نجاد لمواجهة اي تهديدات. وأوضح ليلازي ان صدور التقرير الاميركي خفف الضغط الداخلي في إيران، ما سمح بظهور التناقضات بين خامنئي وأحمدي نجاد. ولم يخف مسؤول مقرب من خامنئي لـ«واشنطن بوست» ان المرشد الاعلى مستاء من الأداء الاقتصادي لحكومة أحمدي نجاد، والتي ادت الى نسبة تضخم عالية، وارتفاع في اسعار السلع الأساسية، وضعف قدرات الصناعة المحلية الايرانية. وينتقد اقتصاديون بصفة خاصة اعتماد احمدي نجاد على عوائد النفط من اجل تمويل قروض صغيرة للفقراء في إيران، ساعدت على تزايد الميول الاستهلاكية لدى الإيرانيين ما أدى الى تزايد استيراد السلع الرخيصة من الصين، وضعف اداء السلع الإيرانية الصنع. وقد أظهر تقرير صدر قبل ايام من البنك المركزي الإيراني ان نسبة التضخم زادت في إيران من 12% في أكتوبر (تشرين الثاني) الماضي، الى 19% الان. وكان خامنئي قد قال في كلمة بمدينة يزد الإيرانية الأسبوع الماضي معلقا على اداء الحكومة الإيرانية: «هذه الحكومة تمتلك مؤهلات فريدة، لكن مثل اي حكومة اخرى هناك اخطاء ونواحي قصور». لكنه تابع محذرا ان الانتقاد المتواصل للحكومة «سيؤدي الي اضعافها»، بدون ان يدافع عنها او يعدد انجازاتها كما دأب على ذلك من قبل. وبسبب الانتقادات المتزايدة اضطر احمدي نجاد الى الاعتراف بارتفاع الاسعار، غير انه قال ان التضخم «خيال» اخترعه معارضوه السياسيون. ومن المظاهر الاخرى على البرودة بين خامنئي وأحمدي نجاد، تعيين خامنئي للجنرال محمد ذو القدر في منصب نائب رئيس قوات الـ«باسيج»، وذلك بعد مغادرة ذو القدر منصبه كنائب وزير الداخلية للشؤون الامنية. وهي المغادرة التي تباينت فيها التفسيرات، ففيما قالت مصادر ان ذو القدر استقال من الحكومة بمحض رغبته، قالت مصادر اخرى ان احمدي نجاد أقاله. كذلك أعرب احمدي نجاد عن غضبه بسبب الزيارة التي قام بها ممثل المرشد الاعلى علي لاريجاني الى مصر والتي استمرت نحو اسبوع، وبحث خلالها لاريجاني عددا من القضايا تمهيدا لاستئناف العلاقات المصرية ـ الإيرانية. اذ قال احمدي نجاد يوم الاربعاء الماضي ان حكومته بها وزارة خارجية، فيما قال المتحدث باسم الخارجية الايرانية ان زيارة لاريجاني كانت «خاصة»، فرد لاريجاني لاحقا متحدثا عن «مباحثات سارت بشكل جيد» في القاهرة. وحول البرودة بين خامنئي وأحمدي نجاد، قال ميسام جيبالي وهو صحافي إيراني لـ«الشرق الأوسط»: «رأي رجل الشارع العادي أنه ليس هناك مشكلة بين المرشد الاعلى وبين احمدي نجاد، فرأي الناس يتحدد بحسب ما يسمعونه من وسائل الاعلام الإيرانية، وهي في غالبيتها غير مستقلة، وبالتالي تعاني من الرقابة. لكن رأيي الخاص هو ان هناك تباعدا في وجهات النظر. فالقائد يريد الحفاظ على مكانته، وعندما يرى تصرفات وتصريحات أحمدي نجاد، وهي كلها مثيرة للجدل، فإنه يتخذ موقفا غير مؤيد، حتى إذا لم يذكر ذلك علانية».