الكويت: مطالب برلمانية بحجب الثقة عن وزيرة التربية والتعليم العالي

نواب «السلف» و«الإخوان المسلمين» تعمدوا عدم المشاركة في مجريات الاستجواب

وزيرة التربية والتعليم العالي خلال جلسة الاستجواب في مجلس الأمة الكويتي أمس (أ.ف.ب)
TT

أنهى البرلمان الكويتي أمس جلسة الاستجواب بحق وزيرة التربية والتعليم العالي نورية الصبيح بطلب قدمه عشرة نواب لحجب الثقة عنها، في مؤشر لاحتمال تعكر العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية.

وكان البرلمان قد ناقش أمس على مدى تسع ساعات استجوابا قدمه النائب الإسلامي الدكتور سعد الشريع، اتهم فيه الوزيرة الصبيح بتضليل نواب الأمة، إلى جانب تجاوزات إدارية وقانونية شهدها قطاع التعليم في عهدها، واعتدائها على ثوابت وقيم المجتمع، وتراجع مستوى التعليم.

وسيتعين على البرلمان الدخول في عملية تصويت الأسبوع المقبل، لمعرفة ما إذا كانت الوزيرة ستنال ثقة النواب، أم سيُعلن عن خلو حقيبة التربية بعد حجب الثقة عنها، خاصة أنها بحاجة لثقة 25 نائبا من أصل 48 يتألف منهم البرلمان، بعد إقصاء الوزراء من المشاركة بالتصويت على طلب طرح الثقة.

وبدا واضحا خلال الجلسة أن نواب كتلتي السلف والإخوان المسلمين تعمدوا عدم المشاركة في مجريات الاستجواب، سواء بالحديث مع أو ضد الوزيرة، أو بالتوقيع على طلب حجب الثقة عنها، في إشارة إلى إبقائهم الباب مفتوحا للتفاوض لتحقيق أيا من المكاسب التي يرغبون بتحقيقها، سواء من الحكومة أو النواب.

بدوره بدأ النائب سعد الشريع حديثه بالتأكيد على أن الوزيرة سبق لها اتهام البرلمان بتجاوز صلاحياته، وخرق الدستور، من خلال مقابلة صحافية احتوت هذه العبارات، وأنها أشارت إلى نواب يتكسبون على حساب المصلحة العامة، ويضغطون عليها لتعيين أشخاص محسوبين عليهم، حيث طالبها بالكشف عن أسماء هؤلاء النواب، بدلا من إلقاء التهم والتعميم.

وقال إن الوزيرة تعمدت الإساءة للنواب عندما قالت إن هناك قياديين في وزارة التربية يقومون بتسريب معلومات للنواب عنها وعن أداء القطاع التعليمي، مصورة النواب بأنهم السبب في انتشار الفساد في وزارة التربية، وإعاقتهم للإصلاحات التي تقوم بها.

وأضاف النائب خلال حديثه في الاستجواب أن الوزيرة الصبيح عملت على إهدار قيم التربية والتعليم، وعرضت مستقبل البلاد للخطر والضياع، لأنها منشغلة بتصفية حساباتها مع قيادات الوزارة، رافعة شعار من لم يكن معي فهو ضدي، بدليل وجود مخالفات في نتائج امتحانات إحدى المدارس الثانوية، كما أنها حمت مقربين عليها من التحقيق رغم ارتكابهم لعمليات تزوير في شهادتهم العلمية، كما أنها خالفت اللوائح في عملية تعيين بعض القياديين، واستشهد أيضا ببعض المخالفات التي ارتكبها عدد من المديرين في الوزارة.

وانتقل النائب إلى خارج وزارة التربية، ليبين أن الوزيرة الصبيح دخلت في صراعات مع الهيئات والروابط التعليمية، في جامعة الكويت، والهيئة العامة للتعليم التطبيقي، والمناطق التعليمية، مدللا على حديثه ببيانات نشرتها هذه الجهات تحذر من كارثة محققة للتعليم وتصف الوزيرة بالدكتاتورية.

وختم النائب الشريع حديثه بتطرقه إلى أن وزيرة التربية تراخت في مسؤولياتها عندما لم تتابع بشكل مباشر التحقيق في حادثة بيع كتب جنسية داخل إحدى الكليات التطبيقية، ولم تعمل أيضا على تطبيق قانون فصل الاختلاط في الجامعات الخاصة، كاشفا عن أن عددا من هذه الجامعات الخاصة نظم حفلات غنائية مختلطة، تحت مسميات مختلفة منها جمع مبالغ للأيتام، كما كانت تقيم رحلات خارجية مختلطة باعتراف الوزيرة وتأكيدها أن هذه الرحلات كانت ترتب بعد أخذ موافقة أولياء الأمور، إضافة إلى إقامة إحدى الجامعات الأجنبية الخاصة يوما رياضيا مختلطا شهد مسابقة مختلطة للسباحة.

واستذكر حادثة تعرض أطفال للاعتداء الجنسي في مدرسة ابتدائية خلال ديسمبر (كانون الاول) الماضي، مستغربا عدم قيام الوزيرة بزيارة المدرسة والتحقيق بالحادثة، خاصة أنها نفت ما حدث بعد ساعات من الواقعة، إلا أنها عادت واعتذرت مقرة بوقوع الاعتداء، «إلا أنها لم تعتذر بصورة كافية لأولياء أمور الطلبة المعتدى عليهم»، ومنبها إلى أن «مسلسل هتك العرض لن ينتهي ما دام الفساد متفشي في التربية وهناك انحلال أخلاقي لدى البعض».

من جانبها بينت وزيرة التربية والتعليم العالي نورية الصبيح حرص الحكومة على النهوض بالعملية التربوية والتعليمية والدفع بمستوى التعليم في كافة المراحل إلى الأمام بالتعاون مع مجلس الأمة (البرلمان)، مشيرة إلى تخصيص 40 مليون دولار للنهوض بالتعليم في البلاد، واستعرض مشروعات تدرسها الوزارة لهذا الغرض، كخفض الكثافة الطلابية في بعض المراحل الدراسية، وتخفيف الحقيبة الدراسية وتأسيس المدارس المتميزة ومراكز رعاية المتعلمين، وتطوير معلمات رياض الأطفال ومحو أمية استخدام الحاسب الآلي. وأشارت إلى أن بعضا من القضايا التي احتوتها صحيفة الاستجواب، وقعت في غير عهدها، ومحاسبتها عنها سيعتبر مخالفة لنصوص قرارات المحكمة الدستورية، التي بينت عدم جواز ذلك.

وردت الوزيرة على النقاط التي ضمنها النائب في استجوابه مبينة أنها لم تقصد الإساءة للمؤسسة البرلمانية، بل عنت في حديثها بعضا من النواب الذين يتكسبون على حساب المصلحة العامة، نافية تضليلها المجلس، مع تأكيدها على أنها حينما أدلت بتصريحات صحافية إنما قامت بذلك بدافع إيمانها بحقها الدستوري بالتعبير، وفقا لما جاء بالدستور. وأكدت الوزيرة أن هناك قيادات في وزارة التربية غير متعاونة معها، إلا أنها مع ذلك، قامت بتكليفهم ترأس لجان في الوزارة، نظرا لاختصاصهم ومعرفتهم بشؤون قطاعات وزارة التربية، مع تشديدها على عدم وجود أي عداوة شخصية بينها وبين أي من القياديين.

ورفضت الوزيرة الصبيح اتهامها بإشاعة الفاحشة بين طلاب وطالبات الكويت، وهو الاتهام الذي رماها به النائب المستجوب، حينما قال إنهم يمرون في مرحلة انحلال أخلاقي وأن دولة الكويت ترسل أبناءها إلى الخارج للفساد الأخلاقي. وقالت بشأن وجود مخالفات في تطبيق قانون فصل الاختلاط، إنها حضرت شخصيا حفلات للجامعات الخاصة أقيمت في فنادق داخل الكويت، ولم تجد فيها أي مخالفة لقانون الاختلاط، مفندة ما ذكره النائب في حديثه بشأن إقامة حفلات طلابية مختلطة، وكاشفة عن أن مسابقة السباحة المختلطة التي تحدث عنها لم تكن لطلبة الكويت بل للطلبة الخليجيين الدارسين في المدارس الخاصة.

وكشفت الوزيرة عن متابعتها الشخصية، لقضية الكتب الجنسية في معرض للكتاب أقيم في كلية الدراسات التجارية، موضحة أنها أحالت المسؤولين عن المعرض إلى النيابة العامة، للتحقيق في هذه الحادثة، لاسيما أن الكتب المعروضة ممنوعة من التداول في الكويت، كما جددت تعاطفها مع أولياء أمور الطلبة المعتدى عليهم في حادثة المدرسة الابتدائية، واصفة إياها بـ«الجريمة النكراء التي لا يقبلها أحد، فكيف أقبلها على أبنائي طلبة الوزارة».

واستغربت الوزيرة من «إثارة النائب لهذه الحادثة، بينما نحن تعاملنا مع الموضوع بسرية، بهدف الستر، وليس كما قال النائب دفاعا عن المعتدين، وأن البيان الذي أصدرته منطقة الفروانية التعليمية إثر الحادث مباشرة، جاء بناء على المعلومات التي كانت لدينا وقتها، إلا أننا أصدرنا بيانا آخر بعد ورود معلومات جديدة، واعتراف الجناة، وهم عمال نظافة وحارس المدرسة، كما اتخذت الوزارة إجراءات لمنع تكرار حوادث الاعتداء على التلاميذ، وشكلنا لجنة تحقيق وأوقفنا مدير المدرسة ومساعده ومسؤول الجناح عن العمل لحين انتهاء اللجنة من أعمالها».

وتمسكت الوزيرة بحقها في الاستعانة بأي شخص تراه مناسبا للعمل كمستشار بالوزارة، كما أنها ليست على خلاف كما أشيع مع روابط وجمعيات أعضاء هيئة التدريس بجامعة الكويت وغيرها، معتبرة أن ما يحصل هو مجرد اختلاف في وجهات النظر.

واختتمت الوزيرة مداخلتها الثانية التي أتت تعقيبا على رد النائب المستجوب عليها، أن «النظام المتبع في التدريس بالمرحلة الابتدائية يعنى باستيعاب الطفل، وتمكينه من إتقان العديد من المهارات، وليس صحيحا أن مستوى التعليم تراجع نتيجة لإلغاء الامتحانات في المرحلة الابتدائية، وفقا للنظام الجديد الذي اتبعته الوزارة للتدريس، فجميع دول العالم لا يوجد فيها رسوب في المرحلة الابتدائية، فالنظام الجديد يخضع الطالب بالمرحلة الابتدائية لامتحانات قصيرة وفصلية، لكنه لا يخضعه لامتحانات نهاية العام، وهذا يساعد في إبعاد الأثر النفسي السيئ للطالب بين أقرانه في حال رسوبه».

وفتح بعد ذلك رئيس البرلمان جاسم الخرافي المجال للنواب للحديث مؤيدين ومعارضين للاستجواب، حيث أكد النائب علي الدقباسي في مداخلته كمؤيد للاستجواب، سوء الأوضاع التي تشهدها وزارة التربية حاليا، نتيجة لما أسماه «تراكمات سابقة» ومطالبا البرلمان والحكومة وضع حد لهذا التدهور.

أما النائب علي الراشد الذي تحدث معارضا للاستجواب فرأى أن «هناك من يسعى لإطاحة الوزيرة من منصبها، من خلال تسريب معلومات ومستندات للنواب عن الوزارة».

وتحدث النائب المعارض مسلم البراك مؤيدا للاستجواب منتقدا طريقة تعاطي الوزيرة مع حادثة الاعتداء على طلبة المدرسة الابتدائية، كونها تسرعت بنفي الواقعة جملة وتفصيلا، بل وأكدت استحالة حدوثها وصدرت بيانا بذلك»، وتساءل هل تم إيقاف مديرة منطقة الفروانية التعليمية، التي أصدرت بيان الوزارة الأولي بشأن الواقعة، ولماذا لم تقم الوزيرة بزيارة ذوي الأطفال المعتدى عليهم للتخفيف عنهم بعد علمها بتفاصيل الحادثة.

ومن جانبه رأى النائب محمد الصقر الذي تحدث معارضا للاستجواب، أن الوزيرة الصبيح لم تتهكم على المؤسسة التشريعية، بل كشفت للرأي العام عن تعرضها لضغوط نيابية للتوسط والتدخل في عملها لتعيين من يريدون، مشيرا إلى أن ذلك يعتبر تدخلا في عمل السلطات، داعيا نواب الأمة إلى الالتفات للجانب التشريعي والرقابي، وتفعيل دورهم في هذين الجانبين، لما فيه مصلحة الوطن والمواطن وعدم الخوض في استجوابات متواصلة.

فيما انتقد النائب صالح عاشور أثناء حديثه كمؤيد للاستجواب غياب الرؤية الحقيقية لتطوير التعليم في الكويت، ومحملا وزيرة التربية مسؤولية ذلك. ثم قدم عشرة نواب طلبا لحجب الثقة عن الوزيرة الصبيح وهم عبد الله العجمي، صالح عاشور، حسين مزيد، محمد الخليفة، عبد الله راعي الفحماء، غانم الميع، أحمد الشحومي، ضيف الله بورمية، مسلم البراك، علي الدقباسي.