حسين أوباما والسيدة الباكية وويل سميث.. مرشحون مفضلون للإيرانيين في انتخابات الرئاسة الأميركية

يرتاح الإيرانيون عموما مع الحزب الديمقراطي.. لكن البعض يطمئن للجمهوريين أكثر

TT

«ويل سميث أفضل للايرانيين. فهم يحبون الكوميديا»، قال ميسام تعليقا على من يعتقد أنه مرشح مفضل لدى الايرانيين لانتخابات الرئاسة الاميركية. ثم استدرك موضحا لـ«الشرق الأوسط»: «سمعت ان ويل سميث مرشح، ثم قال لي البعض انه ليس مرشحا وان هذه دعابة. لكن إذا كان سميث مرشحا، فإن العلاقات الاميركية الايرانية ستتحسن. فالايرانيون يحبون الممثلين، فقد حلت ازمة الرهائن الاميركيين على يد رئيس ممثل هو رونالد ريغان، وسميث افضل لأنه ممثل كوميدي، والايرانيون يحبون الكوميديا». لا يعرف ميسام الكثير حول الانتخابات الاميركية لان الصحافة الرسمية الايرانية والتلفزيون الرسمي ووكالة «ارنا» الرسمية للانباء لا تغطي أخبار الانتخابات الاميركية، فيما باقي الوكالات الخاصة وشبه الرسمية مشغولة بسباق آخر لا يقل إثارة هو سباق انتخابات البرلمان الإيراني في مارس (آذار) المقبل. وبالتالي فإن غالبية من يتابعون الانتخابات الاميركية في إيران يتابعونها من مواقع الصحف الاميركية على الانترنت. وفيما يرفض المسؤولون الإيرانيون الحديث حول «مرشح مفضل»، فإن الايرانيين العاديين في الشارع لا يمانعون في التعبير عن رأيهم في المرشحين، لكن مشكلتهم أن الكثير منهم لا يعرف من هم هؤلاء المرشحون. ميسام، وهو شاب إيراني في العشرينات، قال حول مرشحي الرئاسة الاميركية: «من هو باراك اوباما؟ هل هو المرشح الأسود ذو الأصول الكينية؟ لم أسمع كثيرا عنه. المرشح الذي افضله هو هيلاري كلينتون. أعتقد ان هيلاري افضل المرشحين. فخلال فترة بيل كلينتون تحسنت العلاقات بين واشنطن وطهران. وإذا ما انتخبت هيلاري فإني أعتقد ان العلاقات ستتغير عما كانت عليه خلال الأعوام الماضية، فهيلاري قوية داخل الحزب الديمقراطي وكانت قريبة من صنع السياسة المتعلقة بإيران خلال ولاية زوجها. عموما الديمقراطيون أفضل لإيران لان هذا سيخفف الضغط علينا». ويصف الكثير من الإيرانيين فترة الرئيس كلينتون (1992 الى 2000) بأنها الفترة التي شهدت «أفضل تقارب» بين طهران وواشنطن منذ الثورة الإيرانية 1979. فخلال هذه الفترة وتحديدا عام 2003 قامت إيران لاول مرة بوقف تخصيب اليورانيوم مؤقتا، وذلك لتمهيد الاجواء للمحادثات مع واشنطن، وبعد ذلك بفترة وجيزة تم الاتفاق على «حزمة الحوافز» الشهيرة التي هي اليوم أساس المفاوضات بين إيران والمجتمع الدولي حول برنامجها النووي، وهي تقوم على وقف إيران تخصيب اليورانيوم مقابل الحصول على مساعدات تقنية ودعمها للانضمام لمنظمة التجارة العالمية. والى جانب «صفقة الحوافز» كانت العلاقات الاميركية ـ الايرانية «هادئة» عموما وأحيانا «دافئة» خلال التسعينيات. الايرانيون الذين يتذكرون هذه الأيام يرون ان هيلاري كلينتون ستسير على خطى زوجها الدبلوماسية. لكن هذا الاعتقاد تعكره تصريحات هيلاري الأخيرة. الهام أميني، وهي إيرانية في الثلاثينيات من عمرها، قالت لـ«الشرق الأوسط»: «أعتقد بداية ان الديمقراطيين أفضل للإيرانيين. فخلال حكم الديمقراطيين عموما يحصل الايرانيون بسهولة أكبر على التأشيرات لدخول اميركا، وذلك على خلاف الجمهوريين الذين في اداراتهم يصعب الحصول على التأشيرات لاميركا. بين اوباما وهيلاري، أفضل شخصيا انتخاب امرأة، فانتخاب سيدة رئيسة لاميركا يسعدني كامرأة. لكن على الجانب الآخر هيلاري التي تحدثت كثيرا عن استخدام الاساليب الدبلوماسية للتعامل مع إيران، عادت وقالت إن كل الخيارات يجب ان تظل مطروحة على الطاولة. ولا أدري حقيقة لماذا قالت هذا. أنا شخصيا اريد انتخاب هيلاري، لكن أعتقد ان هذا قد لا يكون جيدا لإيران، وبالتالي انا في حيرة». غالبية الفتيات الإيرانيات من الناشطات في منظمات مدنية او غير حكومية نسائية وتطوعية يؤيدن هيلاري فقط لحقيقة انها سيدة. «انا هنا لا أفكر في السياسة. أفكر فقط في أنني ادعم فوز هيلاري لانها أمرأة»، قالت جيلدا مجتهدي ضاحكة، موضحة لـ«الشرق الأوسط» ان الكثير من الفتيات اللواتي تعرفهن يؤيدن ايضا هيلاري كلينتون، اما السبب فهو ان الناشطات في الحركة النسوية دائما ما قلن إن قيادة النساء تختلف بالضرورة عن قيادة الرجال، فالنساء يستمعن أفضل، ويتخذن القرارات بعد تفكر وتأن، وأقل ميلا للعنف والحروب، وأكثر صدقا وتعبيرا عن مشاعرهن. ويستشهدن بـ«دموع» هيلاري التي اصبحت «خبرا» على التلفزيونات. فعندما ابلغها منسق مناظرة بينها وبين اوباما على شبكة «إيه.بي.سي نيوز» قبل أيام، أن اوباما محبوب اكثر منها ردت قائلة «هذا يجرح مشاعري. انه يستحق الاعجاب. اتفق مع ذلك لكنني لست بهذا السوء». ويوم الاثنين الماضي ترقرقت الدموع في عينيها عندما سألتها امرأة كيف تمكنت من النجاح في مواجه كل هذه الضغوط.

وإذا كانت هيلاري معروفة بين الإيرانيين بسبب سنوات حكم زوجها، فإن باراك اوباما الذي ينافسها على الترشح نيابة عن الحزب الديمقراطي لم يكن معروفا في إيران قبل أشهر قليلة. أما اليوم فهو يعتبر «مرشح الايرانيين المفضل». أما سر جاذبيته لدى الكثير من الإيرانيين فهو في اسمه «حسين»، وجذوره الكينية، ودراسته في جاكرتا بإندونيسيا. وقال مصدر إيراني مطلع لـ«الشرق الأوسط»: «عادة يفضل الإيرانيون الديمقراطيين. ميزة اوباما، بالاضافة الى أنه ديمقراطي، اسمه، باراك حسين اوباما. ثم جذوره الافريقية الكينية. هو ايضا قال على خلاف كل المرشحين الآخرين لانتخابات الرئاسة إنه يريد استئناف المفاوضات مع إيران بدون اي شروط مسبقة. أعتقد، من معرفتي بالجو العام في إيران، ان اوباما مرشح غالبية الإيرانيين المفضل حتى الان». لكن توقعات البعض مما يمكن ان يقدمه اوباما للعلاقات الاميركية الايرانية لا تحلق في سماء بدون ارض. فهناك حقائق يدركها الايرانيون، ويعرفون انه لا يمكن عبورها، ومن بينهما ان اوباما منتخب ليحمي مصالح اميركا وعلاقاتها بحلفائها الاستراتيجيين، بما في ذلك اسرائيل. ويستشهد المسؤول الإيراني بحقيقة أن اوباما في تصريحات نقلتها صحيفة «يديعوت احرونوت» الاسرائيلية تحدث بلهجة شديدة ضد إيران، وقال ان كل الخيارات متاحة على الطاولة للتعامل مع برنامجها النووي، مثله كل المرشحين الرئاسيين الاخرين. أما خلفيته العرقية الافريقية ومعرفته بالاسلام، بسبب دراسته وعيشه في جاكرتا لسنوات، فلا تمثل ضمانا من اي نوع، بحسب المسؤول الإيراني، بل على العكس يرى انها تلعب ضد ايران على أساس ان اوباما سيحاول ان تكون مواقفه اكثر تشددا كي لا يتهمه أحد انه منحاز الى طهران بسبب هذه الخلفية العرقية او الدينية. لكن مؤيدي اوباما يعتقدون انه سيعمل فعليا على تغيير السياسات الاميركية المتعلقة بإيران. وقال مهدي اميني وهو مهندس زراعي في العقد الخامس من العمر في هذا الصدد لـ«الشرق الأوسط»: «اوباما سيعمل بطريقة مختلفة عن ادارة بوش. أعتقد أنه سيعمل بطريقة جدية على تغيير السياسات الاميركية». ويثق الكثيرون بان اوباما سيكون مختلفا من منطلق شعار «التغيير» الذي استخدمه لحملته الانتخابية. فقد قال اوباما انه يريد انتهاج نهج التفاوض مع ايران، عوضا عن التهديدات العسكرية. وأوضح اوباما متحدثا عن سياسته بشكل عام «سأتحدث مع كل الأمة. سأتحدث مع الاصدقاء والأعداء»، فاتهمته هيلاري بالسذاجة وعدم المسؤولية. فرد عليها قائلا إن جون كينيدي تفاوض مع الزعيم السوفياتي نيكيتا خروتشوف، وإن ريتشارد نيكسون تفاوض مع الزعيم الصيني ماو تسي تونغ، وإن رونالد ريغان تفاوض مع الزعيم السوفياتي ميخائيل غورباتشوف. أما هيلاري كلينتون فقالت «سأنهي حقبة دبلوماسية راعي البقر». وكلاهما قال إنه سيعيد بناء تحالفات اميركا حول العالم، وسيسحب القوات الاميركية من العراق تدريجيا، وهي كلها قضايا ذات شعبية في إيران. لكن يقلق الكثير من الايرانيين «غموض» موقف هيلاري كلينتون، وتناقض تصريحاتها، فمثلا يتذكر بعضهم كلمة ألقتها في جامعة برنستون في يناير (كانون الثاني) 2006 وبّخت فيها جورج بوش، واتهمت حكومته بـ«تعمد تقليل أهمية» الازمة مع إيران على مدار السنوات التي حكم فيها. وساعتها دعمت هيلاري بشدة توجهات الادارة الاميركية فرض عقوبات اقتصادية على إيران، وقالت انه لا ينبغي التخلي عن فكرة الخيار العسكري ضد إيران، موضحة في محاضرتها آنذاك «أعتقد أننا خسرنا وقتا حرجا في التعامل مع إيران بسبب اختيار البيت الابيض التقليل من المخاطر، والتفاوض عبر الاخرين.. لا اعتقد أن بالإمكان مواجهة خطر إيران وكوريا الشمالية بالتفاوض عبر الاخرين، والوقوف على الخط الجانبي»، مشيرة الى اعتماد ادارة بوش على «الترويكا» الاوروبية (فرنسا والمانيا وبريطانيا) في التفاوض مع طهران لوقف تخصيب اليورانيوم.

وخلال الأسابيع الماضية وفيما تحدثت هيلاري عن أهمية التفاوض مع إيران، قالت إنها لا يمكن ان تقبل تفاوضا بدون شروط مسبقة على عكس اوباما. وفسر مستشار حملتها للأمن لي فنشتاين موقفها بقوله: «رفضها الحوار مع الاعداء بدون شروط مسبقة واقعي وليس تشدد صقور». التناقضات التي تظهر في مواقف هيلاري، وعدم الوثوق فيما يمكن ان يقدمه اوباما تجعل ايرانيين يميلون الى انتخاب مرشح جمهوري. وفي هذا الصدد قال مصدر إيراني آخر لـ«الشرق الأوسط»: «لسنا متلهفين على انتخاب ديمقراطي.. ولسنا خائفين من انتخاب جمهوري»، وربما يوجد ما يبرر وجهة نظره. فجون ماكين السيناتور عن ولاية اريزونا، وأبرز وجه في الجمهوريين اليوم، براغماتي، ومواقفه البراغماتية هذه جعلته أقرب للجناح الليبرالي في الحزب الجمهوري منه الى المحافظين في الحزب. ماكين حذر مرارا من قصف إيران، موضحا ان ذلك سيؤدي الى «عواقب وخيمة». ودافع ماكين عن استخدام الدبلوماسية القاسية، المصحوبة بالعقوبات. وعندما سئل في برنامج «قابل الصحافة» على تلفزيون «ان بي سي» في ابريل (نيسان) الماضي حول ما إذا فشلت الضغوط الدبلوماسية، رد قائلا: «يجب في هذه الحالة ان نكون مستعدين لعمل عسكري». ثم طرح هو نفسه السؤال التالي: «هل سيكون الخيار العسكري خيارا صعبا؟ بالطبع، سيكون خيارا عسكريا صعبا، لكننا لا نستطيع اقصاءه من الطاولة». وعندما سأله المذيع عن احتمالات دخول اميركا في حربين في نفس الوقت، رد ماكين قائلا: «أعتقد اننا يمكن ان نشهد ارماجدون»، (اي المعركة الفاصلة بين الخير والشر في العالم).

لكن ماكين الذي يحمل ميدالية لمشاركته في حرب فيتنام، استدرك قائلا: «لا تزال هناك فرصة كي تنجح العقوبات». اما رودلف جولياني، المرشح الجمهوري الذي بني شعبيته السياسية على هجمات 11 سبتمبر، فقال في 7 ديسمبر (كانون الأول) الماضي ان الولايات المتحدة يجب ان تكون حذرة ازاء تقرير الاستخبارات الاميركية حول طهران، والذي قال ان إيران أوقفت برنامجها النووي للاستخدام العسكري في 2003، موضحا ان التقرير يظهر ان العقوبات الشديدة ضد إيران جاءت بثمارها. وتابع «أفضل طريقة للاطمئنان الى انهم لن يستأنفوا برنامجهم النووي هي ان نوضح لهم بجلاء اننا لن نسمح لهم بان يكونوا قوة نووية. اذا كنا واضحين في موقفنا هذا، أعتقد ان العقوبات ستكون لها فرصة للنجاح. اذا ما اصبحا غير واضحين في موقفنا، اذا عدنا للاجراءات الدفاعية سيكون هذا في رأيي خطأ». ولهذا السبب يميل كمال طاهري، مدير إحدى المؤسسات الاعلامية الخاصة في إيران، الى دعم الجمهوريين بدلا من الديمقراطيين في انتخابات الرئاسة الاميركية، موضحا لـ«الشرق الأوسط»: «لا أحد سيخدم مصلحة إيران. لا الديمقراطيون ولا الجمهوريون. وبالتالي لا يجب طرح سؤال: من افضل لتحسين العلاقات الاميركية الايرانية؟. ربما هناك ميل عام في إيران لصالح اوباما. لكن رأيي الشخصي ان الجمهوريين أفضل، فهم دائما يتكلمون بدون ان يفعلوا شيئا».