جدل واسع في فرنسا حول حصر بث الإعلام الخارجي بالفرنسية

على هامش تصريحات ساركوزي

TT

لم يمض سوى عام واحد، على إطلاق شبكة فرنسا 24 التلفزيونية بقنواتها الثلاث الفرنسية والإنجليزية والعربية، التي أراد لها مطلقوها أن تعكس الرؤية الفرنسية لأحداث العالم. ومع ذلك، فإن هوية هذه الشبكة مهددة، كما أن مجمل أدوات الإعلام الفرنسي الخارجي قادمة على تغيرات جذرية، ما يشيع في الأوساط المعنية الشك، ويستدعي طرح تساؤلات كثيرة.

وكانت التصريحات التي أطلقها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بمناسبة مؤتمره الصحافي الأربعاء الماضي، قد وقعت وقع الصاعقة عندما أكد أنه يريد إصلاح الإعلام الخارجي الفرنسي سريعا ويريد تركيزه على اللغة الفرنسية وحدها.

وكان تقرير أعده مستشار الرئيس ساركوزي للشؤون الإعلامية الصحافي السابق جان مارك بن عمو، أشار بإنشاء شركة قابضة تعود ملكيتها للدولة وتنخرط في إطارها الوسائل الإعلامية الفرنسية الموجهة الى الخارج وهي «شبكة فرنسا24» وتلفزيون «تي في5 العالم» الناطق بالفرنسية وتملك حصصا فيه، الى جانب فرنسا، بلجيكا وسويسرا ومقاطعة كيبيك وإذاعة فرنسا الدولية التي تبث الفرنسية و19 لغة أخرى. وتنتتمي الى هذه الهيئة الأخيرة إذاعة مونتي كارلو الناطقة بالعربية والتي تعرف ذيوعا في بلاد المشرق العربي، وأخذت تشق طريقها في بلدان المغرب العربي.

وتمول شبكة فرنسا 24 وإذاعة فرنسا الدولية، وحصة فرنسا من شبكة «تي في5» من الميزانية العامة وتحديدا من مخصصات وزارة الخارجية.

وفي مؤتمره المذكور، قال ساركوزي إنه يريد، الى جانب ضم الهيئات الثلاث في شركة قابضة واحدة تحمل اسم «فرنسا العالم» حصر البث باللغة الفرنسية وإنه «غير مستعد لاستخدام أموال دافعي الضرائب الفرنسيين في تمويل شبكة لا تبث بالفرنسية». وجاءت هذه التصريحات لتصب المياه الباردة، خصوصا على إدارة «فرانس24» التي تهيئ نفسها للانتقال بالبث العربي من 6 الى 12 ساعة يوميا في شهر أبريل (نيسان) المقبل على أن تصل الى البث 24 ساعة في اليوم مع نهاية العام الجاري. وأصاب كلام ساركوزي بالذهول، كذلك الصحافيين العاملين في القناة الإنكليزية والقائمين عليها، الذين كانوا يحلمون بمنافسة القنوات العالمية مثل، ال.سي.أن.أن أو بي.بي.سي.

وكان تقرير بن عمو قد أثار الريبة في أوساط الشبكة المذكورة التي تتخوف من ذوبان «هويتها» في الشركة القابضة. ومع كشف الرئيس الفرنسي نواياه، تضاعف القلق خاصة في أوساط الصحافيين والفنيين العاملين في القناتين الإنكليزية والعربية. والغريب في الأمر أن البث بالإنكليزية والعربية كان غرضه تخطي حاجز اللغة والوصول الى أوسع جمهور. واقترح ساركوزي اللجوء الى وسيلة شريط الترجمة الى اللغات المستخدمة في مناطق تلقي بث فرنسا24. جدير بالذكر أن تي في5 تبث باللغة الفرنسية وحدها، وتلجأ الى شريط الترجمة بعشر لغات، علما أنها تبث الى نواحي العالم الأربع. ولا يبدو أن فكرة ساركوزي تلاقي قبولا حتى داخل الحكومة الفرنسية. فقد سارع الوزيران المعنيان (الخارجية والثقافة) الى التخفيف من وطأة تصريحات الرئيس الفرنسي. وقال برنار كوشنير إنه «لا يوافق تماما» على طرح ساركوزي، فيما أعلنت كريستين البانيل وزيرة الثقافة، أن الأمور ليست نهائية وأن «مرحلة التشاور بدأت لتوها». ولاقت تصريحات ساركوزي، انتقادات حادة من النقابات المعنية. وذهب النائب برنار بروشون الذي عمل طويلا لإطلاق القناة الإخبارية فرنسا 24 الى القول، إن بث برامج السبكة المعنية بالعربية والإنكليزية «أمر أساسي لا سيما في مناطق مثل الشرق الأوسط والولايات المتحدة الأميركية وأميركا اللاتينية، وحيث لا يتحدث السكان بالفرنسية».

ومن جانبه، رئيس إذاعة فرنسا الدولية أنطوان شوارتز، قال إنه «غير معني» بتصريحات ساركوزي التي حصرها بالتلفزيون.

ويبدو أن الجدل ما زال في بدايته. واعترفت ألبانيل أنها «لم تطلع» على أفكار الرئيس الفرنسي، إلا قبل يوم واحد من حديثه في المؤتمر الصحافي. وإذا ما اعتمدت باريس الخطة الرئاسية، فإنها تكون كمن يسبح عكس التيار، إذ أن الشبكات الكبرى مثل بي.بي.سي أو حتى التلفزيزن الروسي والأماني تركز على تقوية البث باللغات المحلية، باعتبار ذلك وسيلة للوصول الى أوسع جمهور. ويتساءل أهل الإعلام عن إمكانية استخدام شريط الترجمة لإيصال برامج إخبارية على مدار الساعة. ولو افترضنا أن هذا الحل ممكن مع التلفزة، فما العمل مع إذاعة فرنسا الدولية التي تبث بعشرين لغة؟

هكذا تبدو فرنسا في حال من التخبط. ولكن إذا أراد الرئيس الفرنسي الذي أعلن عن نيته إلغاء الإعلانات عن التلفزة العامة، السير حتى النهاية بفكرة حصر البث بالفرنسية، فلا مفر للسلطات المعنية، إلا التنفيذ ما سيزيد التخبط في قطاع يبدو أنه فقد بوصلته.