إيران تئن تحت أزمة انقطاع الغاز.. وأحمدي نجاد في شمال البلاد لتهدئة المتضررين

11 مدينة متضررة وطهران تقطع إمداداتها من الغاز عن تركيا بعد قطعه من تركمانستان عنها

TT

في واحدة من أسوأ الأزمات التي تواجه حكومته منذ انتخابه رئيسا لإيران، زار الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد شمال إيران، الذي يعاني من انقطاع الغاز منذ أسابيع بعد توقف تركمانستان عن تصدير الغاز لإيران نهائيا في 31 ديسمبر (كانون الأول) الماضي لاسباب غير محددة بدقة، اذ قالت تركمانستان أن توقفها عن امداد إيران بالغاز يعود لأسباب فنية، الا ان مسؤولين إيرانيين قالوا ان تركمانستان تريد رفع الاسعار، وتتعلل بأسباب فنية. وأكدت ايران انها لن تبحث الاسعار الى ان يتم استئناف الامدادات. وأغلقت مكاتب الحكومة والمدارس والجامعات في بعض المناطق لتوفير الطاقة للتدفئة والطهو. وتوجه محمود احمدي نجاد الى محافظة مازانداران في شمال ايران للاطلاع على الوضع في هذه المنطقة، التي تعاني مع أقاليم اخرى شمالية بجوار بحر قزوين، من اقسى فصل شتاء منذ اربعين عاما. وأوردت وكالة الانباء الرسمية الايرانية (ارنا)، ان احمدي نجاد قام بهذه الزيارة «للنظر في المشكلات التي طرحتها موجة البرد الاخيرة غير المسبوقة، لاسيما الانقطاع في امدادات الغاز عن بعض المناطق». وأوضحت الوكالة ان انقطاع الغاز عن وسط محافظة مازانداران وشمالها خلال الايام العشرة الاخيرة نتج عن توقف الامدادات بالوقود من تركمانستان. وقال الرئيس الإيراني للتلفزيون الرسمي أمس «من غير المقبول ان يعاني الناس لحظة واحدة، وعلينا بذل كل ما في وسعنا» لمساعدتهم، واعدا بمعاودة امدادات الغاز بحلول الثلاثاء. وقال خلال زيارته غير المعلنة مسبقا، «علي ان ادرس الوضع.. لتقديم الحلول» المناسبة. والتقى احمدي نجاد في ساري عاصمة المحافظة وزيري النفط غلام حسين نوزاري والتجارة سيد مسعود مير كاظمي وحكام محافظات جيلان وغولستان وسيمنان التي طالتها ايضا أزمة انقطاع الغاز. وبسبب هذه الأزمة، اضطرت ايران الى وقف امداداتها من الغاز لتركيا، البالغ حجمها عشرين مليون متر مكعب من الغاز يوميا، لتلبي الارتفاع الكبير في الاستهلاك المحلي، وأكدت الحكومة الايرانية لانقرة استئناف التموين قريبا. وحث المسؤولون الايرانيون المواطنين في انحاء ايران على توفير استخدام الغاز متى كان ذلك ممكنا. وتعاني عدة مدن إيرانية في الشمال على الحدود مع تركمانستان منذ أكثر من اسبوعين نقصا مطردا في إمدادات الغاز. وقالت الهام أميني، وهي سيدة إيرانية في الثلاثينات من العمر، لـ«الشرق الأوسط»: في طهران لا نعاني من نقص امدادات الغاز بالطريقة ذاتها. لكن مدن الشمال تعاني منذ اسابيع. إنها مشكلة كبيرة. وكانت تركمانستان قد خفضت بنسبة 50% في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، امدادات الغاز الذي تصدره الى إيران، ثم قامت في 31 ديسمبر بوقف كل امداداتها من الغاز، ما أدى الى توتر في العلاقات بينها وبين إيران، خصوصا بعد اتهامات من وزارة النفط الإيرانية نقلتها وكالة «فارس» الإيرانية للأنباء قالت ان تركمانستان تتلاعب لمضاعفة الأسعار. وتصدر تركمانستان لإيران جارتها الجنوبية ما بين 20 الى 23 مليون متر مكعب من الغاز كل يوم، اى ما يعادل 5% من مجمل الاستهلاك الداخلي في إيران للغاز. وبعد قيام تركمانستان بقطع كل امداداتها من الغاز لإيران تضررت 11 مدينة إيرانية بشمال البلاد وتأثرت الحياة اليومية. وقالت اميني: في هذا الصقيع والثلوج لا يجد الكثيرون ماء دافئا او زيتا للطهي. ومن المدن الإيرانية التي تأثرت بقطع امدادات الغاز اذربيجان واذربيجان الغربية وجورجان وساري وسيمنان وجيلان وجولستان واردبيل. وتعاني المناطق الشمالية والشمالية الغربية من انخفاض كبير جدا في درجات الحرارة، اذ بلغت درجات الحرارة 10 درجات تحت الصفر.

وتشكل هذه الأزمة واحدة من أسوأ ازمات حكومة محمود أحمدي نجاد، وتشكل ضغطا كبيرا عليه لحلها، اذ أن أزمة الغاز التي بدأت في إيران مع قرار حكومته منتصف العام الماضي تقنين استخدام الغاز يمكن ان تشكل ورقة ضاغطة عليه من قبل الاصلاحيين قبل الانتخابات الرئاسية المقررة في إيران في عام 2009. خاصة ان استهلاك إيران من الغاز زاد بنسبة 14% منذ العام الماضي، ما يضع ضغوطا أكثر على الحكومة الإيرانية. وفيما لم يصدر رد فعل من المرشد الأعلى لإيران آية الله علي خامنئي على الأزمة الحالية، يعتقد ان عدم دفاعه عن أداء حكومة أحمدي نجاد في الاسابيع الأخيرة متأثر بأزمة الغاز وطريقة معالجة الرئيس الإيراني لها. وكانت السلطات الإيرانية قد قامت نهاية 2007 بتوقيع اتفاق مع ماليزيا لتطوير حقلين للغاز الطبيعي، واعتبر الاتفاق هو الأكبر في إيران. ويقضي الاتفاق بأن تمول الشركات الماليزية تطوير حقلين إيرانيين مقابل نسبة محددة من عوائد الحقلين، من دون ان يكون لماليزيا الحق في تملك الحقلين. ومع ان إيران تمتلك ثاني أكبر احتياطي للغاز الطبيعي في العالم بعد روسيا، الا انها تعاني بشكل متكرر من نقص امدادات الغاز الطبيعي بسبب عدم وجود استثمارات كافية في قطاع الغاز الطبيعي الإيراني، وضعف البنية التحتية الموجودة حاليا، والاستهلاك الداخلي الكبير. كما أدت العقوبات الدولية التي فرضت على إيران حتى الان الى تعقيد المشكلة، اذ ان العقوبات على بنوك إيرانية كبيرة ادت الى تراجع عدد من البنوك الدولية عن العمل معها او اعطائها قروضا، مما ادى الى نقص الاموال اللازمة للاستثمارات في قطاع الغاز الإيراني. كما ان عددا من شركات الطاقة الدولية قللت حجم تعاملاتها مع إيران. وتفاقمت أزمة الطاقة في إيران بعد ان قالت أربعة مصادر في شركة ريلاينس الهندية للتكرير وفي صناعة النفط ان ريلاينس اوقفت مبيعات البنزين ووقود الديزل لايران العام الماضي، بعد أن توقف بنك بي.ان.بي باريبا وبنك كاليون الفرنسيان عن فتح خطابات اعتماد لهذه المبيعات. وقال أحد المصادر ان البنكين اوقفا على الارجح فتح خطابات اعتماد بسبب الضغوط السياسية من الدول الغربية، التي تعتقد أن طهران تحاول تطوير اسلحة نووية. وخطابات الاعتماد هي الشكل المتفق عليه لضمان السداد في صفقات النفط. وقال مصدر رفيع في «ريلاينس اندستريز ليمتد»، طلب عدم الكشف عن اسمه، «ليس هناك أي بنك له روابط بالولايات المتحدة مستعد لفتح خطابات اعتماد.. بسبب الضغط الاميركي». وذكرت مصادر تجارة النفط أن ريلاينس، وهي أكبر شركة تكرير خاصة في الهند، كانت تصدر امدادات كبيرة من البنزين لايران واحيانا بعض كميات من وقود الديزل، ولكنها اوقفت هذه الشحنات في اكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي، ولم تستأنفها منذ ذلك الحين. وتعد خطوة بي.ان.بي باريبا وكاليون، وهما من اكبر المصارف التي تفتح خطابات اعتماد لتجارة النفط في العالم، بادرة على أن الحملة التي تقودها الولايات المتحدة لعزل طهران بسبب برنامجها النووي بدأت تؤثر على واردات الوقود الحيوية، التي تمثل قضية حساسة لايران، خاصة ان المصافي الايرانية المتقادمة تعجز عن تلبية الطلب المحلي.

ولم تنجح الضغوط الاميركية في وقف تدفق الامدادات الى ايران، ولكنها ارغمتها على السعي لشراء امدادات من مناطق أبعد. وأبلغت مصادر في تجارة وكالة النفط رويترز، أن ايران اشترت نحو 160 الف طن من وقود الديزل من سنغافورة خلال الاسبوع الماضي. وفي وقت سابق نفى حجة الله غانمي فرد مدير الشؤون الدولية في مؤسسة النفط الايرانية الوطنية وجود أي صعوبة في تأمين الوقود الذي تحتاجه البلاد، وقال لرويترز «ليست لدينا أي مشاكل في المعاملات المتصلة بصادرات الخام أو واردات المنتجات المكررة». وامتنع عن التعليق على ما اذا كانت الشركات الدولية العاملة في تجارة النفط مع ايران قد واجهت مشاكل في الحصول على خطابات ائتمان من البنوك لانجاز معاملاتها. وقال ان أي مشاكل في خطابات الائتمان يمكن تفاديها بإجراءات بديلة. واضاف غانمي فرد «يمكننا ايجاد وسائل اخرى غير خطابات الائتمان تكون مرضية للمشترين أو البائعين». وامتنع متحدث باسم بي.ان.بي باريبا عن التعليق على معاملات البنك في مجال خطابات الاعتماد. ولم يرد متحدث باسم بنك كاليون على الفور على طلبات للتعليق عبر البريد الالكتروني، في حين لم يتسن الاتصال على الفور بمتحدث باسم ريلاينس للتعليق. وقد قرر كثير من البنوك الرئيسية، ومن بينها بنك يو.بي.اس السويسري ودويتشه بنك الالماني قطع بعض أو كل روابطها مع ايران بتأثير الضغوط السياسية. وقال محافظ البنك المركزي الايراني في سبتمبر (ايلول) الماضي، ان البنوك التي غادرت البلاد لن تكون موضع ترحيب اذا ارادت العودة اليها. من جهة اخرى، وفي ما يبدو تراجعا عن روايته، أعلن الاسطول الخامس في البحرية الاميركية في البحرين انه «يتعذر معرفة» ما اذا كان التهديد الاخير الذي تلقته بوارج اميركية في مضيق هرمز، مصدره زوارق ايرانية بالفعل، ما يرخي بشكوك حول السيناريو الاميركي المعلن عن حادث مضيق هرمز. وقال المتحدث باسم الاسطول الخامس اللفتنانت جون غاي، لوكالة الصحافة الفرنسية عبر الهاتف، «ليست هناك طريقة لمعرفة المصدر الدقيق لذلك (التهديد باللاسلكي). قد يكون اتى من الشاطئ او من سفينة اخرى في المنطقة». لكنه شدد على ان «الزوارق السريعة الايرانية كانت تتصرف بشكل استفزازي جدا وعدائي» تجاه السفن الحربية الاميركية في هذا الممر المائي الاستراتيجي في تلك اللحظة.

من ناحيتها، قالت صحيفة «واشنطن بوست» امس استنادا إلى مصادر البحرية الاميركية، إن الرسالة التي تحمل هذا المعنى لم تكن موجهة على أغلب الظن ضد السفن الاميركية. ونقلت الصحيفة عن فرانك تروب، المتحدث باسم البحرية الاميركية قوله، إنه تم استقبال الرسالة اللاسلكية في قناة تستخدمها سفن مختلفة. وأضاف تروب: من الممكن أن يتعلق الامر بتهديد موجه لدولة أخرى أو يتعلق بآلاف وآلاف الاشياء الاخرى. ونقلت الصحيفة عن مصادر في وزارة الدفاع الاميركية، أن البنتاغون لم يؤكد مطلقا أن التهديد جاء من قبل الايرانيين. وقال جيوف موريل المتحدث باسم البنتاغون للصحيفة: لم يقل أي مصدر عسكري إن هذه الزوارق (الايرانية) كانت هي مصدر الرسالة.

على صعيد آخر، قال محمد البرادعي المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية أمس، انه حث ايران على تسريع وتيرة التعاون في ما يتعلق بحسم اسئلة حول انشطتها الذرية، التي يخشى الغرب ان تكون تهدف لانتاج قنبلة ذرية. وقال البرادعي «بحثت مع رئيس هيئة الطاقة الذرية الايرانية كيف يمكننا العمل معا لتسريع وتيرة تعاوننا لتوضيح كل القضايا المعلقة قبل تقديم تقريري في مارس (اذار)». ووصف بداية محادثات نادرة في طهران تستمر يومين بأنها «صريحة وودية». وقال البرادعي الذي سيجتمع اليوم مع الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد للصحافيين «طلبت من السيد غلام رضا اقا زاده ان يمنحنا اقصى قدر من الشفافية، ويقدم تأكيدات بشأن كل الانشطة النووية الحالية». وأضاف «اذا تمكنا من توضيح الانشطة السابقة والحالية فسيتوفر مناخ لتجاوز المواجهة بين الاعضاء الخمسة دائمي العضوية في مجلس الامن، اضافة الى المانيا وايران»، في اشارة الى القوى الست التي ترعى قرارات عقوبات الامم المتحدة ضد ايران، بهدف تحجيم برنامجها النووي.