تساقط ثلوج في بغداد للمرة الأولى منذ حوالي قرن.. ومعاناة سكانها تتفاقم

الأهالي يشكون من نقص الطاقة والوقود مع اشتداد موجة البرد

عراقي يرتدي معطفا سميكا للوقاية من البرد يجلس إلى جانب خروف في بغداد امس (أ.ب)
TT

استيقظ أهالي بغداد صباح أمس على منظر تساقط الثلوج على مدينتهم وعده بعضهم بادرة خير. وفيما تعيش بغداد موجة برد منذ الأربعاء اعتاد عليها العراقيون في شتائهم فانهم لم يتوقعوا ثلوجا تسقط على رؤوسهم واستمرار التساقط لساعات طويلة وسط توقعات للأنواء الجوية العراقية باستمرار هذا المناخ الثلجي طيلة الأسبوع المقبل بسبب انخفاض درجات الحرارة لمعدلات كبيرة تصل إلى ما بين 5 ـ 6 درجات مئوية دون الصفر.

الغريب في الأمر أن البغداديين لم يستعينوا بالمؤسسات العلمية المعنية بالأنواء الجوية العراقية، بل كان التوجه نحو كبار السن لسؤالهم عن آخر مرة رأوا فيها ثلوجا تتساقط على بغداد، وكانت جميع الأجوبة تؤكد عدم حصول ذلك منذ نحو قرن. «الشرق الأوسط» استعانت هي الأخرى بكبار السن حيث التقت الحاجة أم احمد، 86 عاما، التي مازالت تحتفظ بذاكرة جيدة امتدت إلى بدايات الثلاثينيات من القرن الماضي التي أكدت أنها لم تر ولم تسمع حتى من أبويها اللذين عاشا في القرن التاسع عشر حدوث مثل هذه الحالة في بغداد تحديدا. وكانت ليلة الخميس على الجمعة مظلمة على أهالي بغداد بسبب انقطاع التيار الكهربائي المستمر ولليوم الخامس على التوالي، وكان الجميع يسمع تساقط الأمطار طيلة الليل لكنها أمطار ليست بالغزيرة انتهت صباح الجمعة بتساقط للثلوج في الوقت الذي قضى فيه العراق عدا المناطق الشمالية موسما شحيحا بالإمطار استدعى وزارة الزراعة إلى إعلان حالة استعداد لتخطي موسم الجفاف الذي سيكون صعبا على مربي المواشي فيما تسبب الموسم بتعفن البذور في مناطق الجزيرة الغربية التي تنتظر الأمطار لنموها من جديد وتكوين مراعي خصبة لمربي المواشي؛ وهنا طالبوا الحكومة بتأمين أعلاف لمواشيهم وبشكل مدعوم للحفاظ على هذه الثروة المهمة للعراق. ووفقا لهيئة الأرصاد الجوية العراقية، فان السبب وراء تساقط الثلوج في بغداد امس بفعل التقاء كتلتين هوائيتين الاولى باردة وجافة والثانية دافئة ورطبة نسبيا. وأشارت الهيئة الى التقاء كتلتين فوق العراق احداهما «باردة وجافة مرافقة للمرتفع الجوي السيبيري والثانية دافئة نسبيا ورطبة مرافقة لمنخفض جوي من البحر» الخميس والجمعة، مما أدى الى تساقط الثلوج. وأكدت ان «درجات الحرارة تدنت الى ما دون الصفر في أماكن متعددة من البلاد، كما سببت تساقط الثلوج في بعض الاماكن من الاقسام الغربية (الانبار) وباقي اقسام المنطقتين الوسطى والشمالية». وتوقعت الهيئة ان «يكون الطقس مساء الجمعة (امس) صحوا نظرا لاستمرار تأثير المرتفع الجوي السيبيري (...) مسببا انخفاضا اكثر في درجات الحرارة غدا (اليوم)».

وقال المدير العام لهيئة الارصاد داود شاكر إن هذه الظاهرة «نادرة الحدوث، حيث لم يسجل تساقط ثلوج في بغداد منذ حوالي قرن من الزمن وفقا لشهادات كبار المعمرين». وعزا ذلك الى «التغييرات المناخية التي حدثت مؤخرا في مناطق مختلفة من العالم». وقال مراسلو وكالة الصحافة الفرنسية ان الثلوج تذوب فور ملامستها القشرة الارضية. وأعرب العديد من سكان العاصمة العراقية عن شعورهم بالبهجة إزاء هذا المنظر. وقالت ملاك حسين، 21 عاما، لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) «لقد كان المنظر جميلا للغاية، فأنا لم أشاهد طوال حياتي كيف يتساقط الثلوج وتتجمع في مكان سوى ما نشاهد في شاشات التلفزيون».

وكانت كميات من الثلج سقطت خلال الأسابيع الماضية في المناطق الشمالية من العراق التي تضم مدن إقليم كردستان الثلاث وهي أربيل والسليمانية ودهوك. وتسبب هطول الثلج في قطع الطرق في السليمانية ودهوك وأجزاء من كركوك، حيث وصل سمك الطبقات الثلجية إلى 35 سم مما دفع بمربي الثروة الحيوانية إلى الاستغاثة بالحكومة لتوفير العلف لمواشيهم خوفا من هلاكها.

ويأتي تساقط الثلوج في وقت يعاني معظم العراقيين من البؤس بسبب النقص الكبير بإمدادات الطاقة الكهربائية الوطنية التي تأتي لمنازلهم لفترات محدودة لا تتجاوز ساعتين في اليوم الواحد في احسن الاحوال وهي غير كافية لتشغيل اجهزة التدفئة والأجهزة الكهربائية الاخرى، مما يجبرهم على اللجوء لتشغيل مولدات كهربائية صغيرة تعتمد على الوقود ذات الثمن المرتفع وهو ما يثقل كاهلهم في توفير هذه الخدمات الأساسية لحياتهم.

الحال نفسه بالنسبة للوقود، حيث تعرقل عمليات الفساد المالي والاداري والمحسوبية القائمة على قدم وساق في محطات توزيع المشتقات في عموم البلاد انسيابية حصول السكان على مشتقات النفط وغاز الطعام الضروريين في هذا الفصل من السنة بالذات، خصوصا بعد اشتداد موجة البرد القارس التي تضرب البلاد. ويتهم سكان العاصمة ادارة تلك المحطات وخصوصا الاهلية منها بتلقي الرشاوى وبيع الحصص كاملة التي توفرها وزارة النفط لهم من الغاز والنفط لتجار في السوق السوداء وتركهم من دون وقود لأشهر، او توزيع نصف الكمية المقررة عليهم وبيع الباقي في السوق السوداء.

من جهتها، حملت وزارة النفط العراقية المجالس المحلية مسؤولية التلكؤ في عملية توزيع الوقود، مشيرة الى انه وفق الآلية التي تم الاتفاق عليها مع مجلس المحافظة فان المجالس البلدية هي المسؤولة والمشرفة على عمليات التوزيع. ولم يستبعد عاصم جهاد المتحدث الرسمي لوزارة النفط حدوث عمليات فساد داخل محطات التوزيع، مؤكدا أن الوزارة اتخذت جملة من الإجراءات الرادعة للحد من عمليات الفساد من خلال فصل المخالفين والمتورطين، حيث تم فصل (1600) موظف بسبب تورطهم في عمليات فساد. وقال لـ«الشرق الاوسط» «لا توجد أزمة وقود والوزارة اوعزت بتوزيع كميات اضافية من مشتقات النفط، لكن هناك مجموعة من العوامل تؤثر على عملية التوزيع كالظرف الامني، وتدخل وتأثير بعض الجهات (لم يسمها) في عملية التوزيع، مما يؤدي الى خلق أزمة تلقي بظلالها على المواطنين».

وقد أصبح انقطاع التيار الكهربائي ولمدة تزيد على عشرين ساعة في اليوم المشكلة الاكثر تعقيدا في حياة أبناء الرافدين، وباتت صفة ملازمة لحياتهم بشكل كبير وتؤرق تفكيرهم خلال السنوات الاربع الماضية؛ فالمواطنون وأصحاب الحرف الصناعية والمهن الحرة شكوا من كثرة الانقطاعات المستمرة في التيار الكهربائي، وهو ما يؤثر على أعمالهم التي تعتمد وبشكل مباشر على الكهرباء، فيضطر معظمهم الى غلق محله والعودة الى المنزل او عدم الذهاب الى محل أعمالهم أصلا.