ألمانيا: جدل حول «معسكرات التأديب» لمرتكبي الجنايات من الشباب

الدعوة تتركز على الشباب الأجانب ضمن الحملة الانتخابية بين المحافظين والاشتراكيين

TT

انقسمت الأحزاب الألمانية الى فريقين، أحدهما يؤيد إقامة «معسكرات التأديب» لمرتكبي الجرائم من الشباب، وثانيهما يعارض ذلك بقوة. وكما في الولايات المتحدة، وقف المحافظون إلى جانب معسكرات التأديب، التي تذكر بطريقة البوت كامبس Bootcampsالاميركية، في حين وقف الاشتراكيون واليساريون والليبراليون ضد المقترح وشككوا في جدواه الاجتماعية.

وهكذا أيدت المستشارة انجيلا ميركل، من الحزب الديمقراطي المسيحي، هذا النوع من العقوبات واعتبرته الأفضل، بدلا من السجون، ورد عليها بيتر شتروك، رئيس الكتلة البرلمانية الاشتراكية بالقول إن معسكرات التأديب في الولايات المتحدة لم تحسن أوضاع الشباب المجرمين، لم تعد دمجهم في المجتمع مجددا، ولم تقلل نسبة انتشار الجريمة بين المراهقين. وشارك غريغور غيزي، من حزب اليسار الجديد، في النقاش فقال إن المدرسة هي أفضل مكان لتربية الأطفال والشباب، وإن المعسكرات شبه العسكرية هي آخر من يعيد صقل الشباب ويعيد تربيتهم.

وبالنظر لقرب مواعيد الانتخابات المحلية في هيسن (عاصمتها ماينز، وفرانكفورت هي كبرى مدنها) وهامبورغ والراين الشمالي فيستفاليا (عاصمتها دسلدورف، وكولون كبرى مدنها) فقد احتلت النقاشات حول «معسكرات التأديب» واجهة الحملة الانتخابية بين المحافظين والاشتراكيين. وفي دعوة محمومة لكسب أصوات اليمين المتطرف، ودغدغة مشاعر القوميين الألمان، ركز رولاند كوخ، رئيس وزراء هيسن، حملته الانتخابية على الجريمة بين الشباب الأجانب، ودعا إلى زجهم في معسكرات التأديب. وأيده في الدعوة طبعا المحافظون الذين يحكمون الراين الشمالي فيستفاليا لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية، ويحكمون في هامبورغ أيضا. وشاركت الكنيسة البروتستانتية إلى جانب المجلس الأعلى للمسلمين في نقد حملة كوخ الانتخابية، التي تركز على تسعير العداء للأجانب بغية كسب الانتخابات. ومعروف أن فرانكفورت هي حاملة لقب «عاصمة الجريمة» في ألمانيا، ولا ينافسها على اللقب غير مدينة هامبورغ المبتلية بمافيات تجارة المخدرات والنساء في حي «سانت باولي».

ما هي «البوتكامبس» في الولايات المتحدة؟

تقول الانسكلوبيديا الألمانية إن «البوتكامبس» هي معسكرات تأديبية كانت البحرية الاميركية (المارينز) تقيمها لجنودها الجناة وتعتمد على «كسر إرادة الإنسان و«إذلاله» و«تحطيم شخصيته» بغية إعادة بنائها مجددا. وكلمة «بوت» هي الجزمة باللغة الانجليزية، التي تعني ركل الجندي في مؤخرته بعد إرهاقه في التدريب. ويشير المصطلح في الوقت الحالي، ربما منذ عام 1999، إلى «معسكرات تأديب»، بديلة عن سجون الشباب، وتستخدم نفس الأساليب القاسية لإخضاع الشباب المجرمين وإعادتهم إلى جادة الصواب. ويفترض أن تجري في هذه المعسكرات إعادة تأهيل الشباب للحياة خلال 120 يوما من التدريبات المرهقة جسديا ونفسيا، تتفق بتأثيرها مع السجن لعدة سنوات.

وهناك في الولايات المتحدة اليوم معسكرات حكومية وأخرى تديرها الشركات الخاصة. وتعتبر الأخيرة من أقسى المعسكرات، بحكم ضعف الإشراف الحكومي عليها، لكنها المفضلة بالنسبة للمحافظين. وتتهم منظمات حقوق الإنسان الولايات المتحدة بتفضيل «البوت كامبس» على السجن بسبب الكلفة. فكلفة «تأديب» الشاب المارق في معسكرات التأديب لا تتجاوز 6000 دولار كمعدل، مقارنة بكلفة سجنه (17 ألف دولار). ولا تشمل المعسكرات مرتكبي جرائم الاغتيال والقتل وإنما تشمل مرتكبي الجرائم المتعلقة بالمخدرات وإلحاق الضرر الجسدي والسرقة ومحاولة القتل.

وهناك نوع آخر من معسكرات التأديب في الولايات المتحدة يرسل إليها الأهالي، الذين يرهقهم الأبناء بشقاوتهم ومشاكلهم، أولادهم إليها طوعيا مقابل مبالغ طائلة. ويأمل الأهالي بنجاح «العسكر» و«المرتزقة» حيث فشلوا هم: أي إعادة تربية الشاب. ويتولى عسكريون أقوياء، يسمون أنفسهم «ترانسبورتر»، بالقوة إخضاع الشباب وإذلالهم بموافقة ذويهم ولفترات غير محددة قد تستمر إلى عدة سنوات.

ويقف معظم التربويون وعلماء النفس ضد «البوت كامبس» بسبب اعتماد طريقة «كسر الإرادة» التي تشوه شخصية الإنسان. ويتحدث الكاتب مورتن روهة في كتابه «البوت كامبس» عن التجاوزات الروحية والجسدية التي يتعرض لها الشباب في معسكرات التأديب. ويسرد كيف لاقى 20 شابا، من مجموع 65 تابعهم بنفسه، حتفهم في معسكرات التأديب خلال 20 سنة. هذا عدا عن عشرات حالات تكسير العظام والإصابات الجسدية الخطيرة الأخرى التي يتعرض لها الشباب أثناء «حفلات التأديب». ويسرد روهة في كتابه، وعلى أساس فيلم مصور، كيف قتل 7 «ترانسبورترز» شابا عمره 16 سنة ضربا بحضور الممرضة. وهي حالة اعتبرتها النيابة العامة «استخداما للقوة في حالة اضطرار»، ورفضت على أساسها الدعوى التي أقامها ذوو الشاب على قيادة المعسكر.

التركيز على الشباب الأجانب فجأة مع دخول هامبورغ عام 2008، أي عام الانتخابات المحلية، اكتشفت شرطة الإجرام في المدينة، الولاية الاعلى نسبة في انتشار الجريمة بين الشباب، فصارت تنشرها في الصحافة يوميا. وهو اكتشاف متأخر يعود الفضل فيه إلى عمدة هامبورغ المحافظ اوله فون بويستن الذي يسعى للاحتفاظ بمركزه.

وتقول صحيفة «دي فيلت» الواسعة الانتشار إنها حاولت عدة مرات في السنوات الماضية، مع وزارة الداخلية في هامبورغ، الحصول على إحصائيات عن انتشار الجريمة بين الشباب الأجانب، إلا أن الجواب كان بعدم وجود إحصائية. وفجأة تظهر هذه الإحصائية بعد تصريح لوزير الداخلية يقول فيها إن نسب الجريمة بين الأجانب الشباب أعلى 50 في المائة عنها بين الشباب الألمان. ورفض الوزير الرد على السؤال تحريريا، والمعتقد انه استمدها من تقرير واحد عن أحداث شغب حصلت بين ألمان وأوربيين جنوبيين عشية أعياد الميلاد، وكان 12 من المشاركين الـ23 فيها فقط يحملون جنسية ألمانية ولا ينتمون إلى أصول أجنبية.

وكانت آخر إحصائية عن نسبة الجنايات بين الشباب الأجانب قد أعلنت مطلع 2006 وتتحدث عن الجريمة عام 2005. وتشير هذه الإحصائية إلى أن نسبة الجنايات التي ارتكبها الشباب من أصول أجنبية، بمعنى أن بعضهم ولد في ألمانيا أو يحمل الجنسية الألمانية، ترتفع إلى 28 في المائة. ومن الواضح هنا كيف تلاعب الوزير بالنسبة خدمة لأغراض الحملة الانتخابية عام 2008.

وتقول صحيفة «دي فيلت» أن نسبة الأجانب في هامبورغ تزيد عن 14 في المائة، ولو أننا شطبنا نسبة الجنايات المحسوبة على خرق قانون اللجوء والإقامة، لوجدنا أن نسبة الجريمة بين الشباب الأجانب طبيعية ولا تستحق كل هذه الحملة. وكانت المنظمات الإنسانية تنتقد وزارة الداخلية الاتحادية، ووزارات الداخلية في الولايات، على احتساب خرق قوانين الهجرة واللجوء ضمن إحصائياتها الجرمية عن الأجانب. ومن بين هذه الجرائم مغادرة اللاجئ المنطقة المحددة لإقامته، وعدم تمديد فترة الإقامة، والعمل غير الشرعي.

وفي خضم الحملة الانتخابية، وتحول موضوع الجريمة بين الشباب الأجانب، إلى شعار للحملة الانتخابية، نست الصحف الألمانية المحافظة، فجأة أيضا، نسبة الجريمة المرتفعة التي يسجلها اليمين النازي في ألمانيا. فقد ارتفعت نسبة الجرائم التي يرتكبها اليمين الفاشي بنسبة 14 في المائة عام 2006 عن عام 2005. وهذا ما يكشفه تقرير شرطة الجنايات المركزية للفترة بين 1997-2006.

ويشي تقرير الشرطة بأن نسبة الجريمة المرتكبة من قبل الشباب تحت سن 21 قد بلغت خلال هذه الفترة في ألمانيا نحو 43 في المائة من مجموع الجنايات المرتكبة. وانخفضت خلالها نسبة الجرائم بين الشباب الأجانب من24.9 في المائة إلى 17.5 في المائة. وكان الانخفاض في الجريمة بين الشباب الأجانب أكبر من ذلك في ولاية هيسن التي يشن رئيس وزرائها كوخ حملته الانتخابية ضدهم.