خامنئي: مشكلة أميركا معنا أكبر من القضية النووية.. ولن تكسرنا أو تركعنا

مستشار خامنئي لـ «الشرق الأوسط» : كلام أميركا عن احتوائنا غباء > طهران تمتنع عن تسليم الغاز إلى أنقرة بسبب أزمتها الداخلية

خامنئي لدى اجتماعه مع مدير وكالة الطاقة الذرية محمد البرادعي في طهران أمس (أ.ب)
TT

قال المرشد الأعلى لإيران آية الله علي خامنئي ان الازمة بين الولايات المتحدة الاميركية وإيران أكبر من الملف النووي، موضحا ان واشنطن تريد «تركيع إيران»، وأنها تعمل على ذلك عبر الضغط عليها في الملف النووي وملفات أخرى. وجاءت تصريحات خامنئي بعد اعلان قائد القوات الاميركية في العراق الجنرال ديفيد بترايوس امس ان الهجمات ضد الجنود الاميركيين في العراق بواسطة عبوات ناسفة قد يكون مصدرها ايران، ازدادت بمعدل الضعف او الثلاثة أضعاف منذ بداية العام. مضيفا «بصراحة، نحاول ان نحدد ماذا يعني ذلك». كما جاءت تصريحات خامنئي بعد تحذيرات رئيس اركان الجيوش الاميركية الادميرال مايكل مولن لايران، من ان السفن الحربية الاميركية ستدافع عن نفسها في الخليج امام اي تعديات إيرانية. وسادت نبرة تحد لهجة خامنئي خلال اجتماعه مع مدير وكالة الطاقة الذرية محمد البرادعي، الذي يسعى لنزع فتيل الازمة النووية، التي أسهمت في صعود أسعار النفط لمستويات قياسية، وأثارت مخاوف من مواجهة عسكرية. ونقل التلفزيون الحكومي الإيراني عن خامنئي قوله أمس «ان مشكلة أميركا مع ايران هي أكبر من القضية النووية. الاميركيون على خطأ حينما يفكرون بأنه من خلال الضغط على ايران بشأن القضية النووية سيكون بمقدورهم كسر ايران. ان اثارة هذه القضية وقضايا أخرى وتسليط الضوء عليها لن تؤدي لتركيع الامة الايرانية». وأضاف خامنئي متحدثا الى البرادعي ان ملف ايران النووي يتعين أن تتعامل معه الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وليس مجلس الامن الذي فرض حزمتين من العقوبات على طهران. ونسبت وكالة أنباء الجمهورية الاسلامية الايرانية (ارنا) الى خامنئي قوله عقب المحادثات مع البرادعي، «لا يوجد مبرر لبقاء قضية ايران في مجلس الأمن».

وأثارت لهجة خامنئي المتحدية، خصوصا أنها تأتي بعد أيام من قوله ان طهران منفتحة على فكرة استئناف العلاقات مع واشنطن عندما يكون ذلك في صالحها، وان العلاقات لن تظل مقطوعة للابد، ردود أفعال متباينة. وقال مسؤولون ايرانيون تحدثت اليهم «الشرق الأوسط» ان تقرير الاستخبارات الاميركية في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، الذي قال ان ايران اوقفت برنامجها النووي للاستخدام العسكري عام 2003، غير من رؤية طريقة التعامل مع اميركا، مشيرين الى ان طهران دخلت في جولتين للحوار مع اميركا بشأن الاستقرار في العراق وان الضغوط الاميركية عليها ليس لها ما يبررها في ضوء التعاون في العراق، وتقييم تقرير الاستخبارات الاميركية. وقال مسؤول إيراني لـ«الشرق الأوسط» في هذا الصدد: «لماذا ينبغي ان نؤكد حسن نيتنا للاميركيين، من دون ان يكون هناك سلوك اميركي مماثل». ومع تصاعد الاتهامات الاميركية لإيران والتوترات حول من المتسبب في المناوشات بين طهران وواشنطن في مضيق هرمز، والحديث الاميركي حول «احتواء» ايران، قال حسين شريعتمداري مستشار المرشد الاعلى لإيران ورئيس تحرير صحيفة «كيهان» لـ«الشرق الأوسط»: «تهديدات واشنطن تكشف عن غباء.. فهم يعرفون ان رد فعلنا سيكون عنيفا. الامام الخميني قال يوما حول اميركا: لقد استخدمت اميركا كل شيء ضدنا.. وما لم تفعله.. لم تفعله لأنها فقط لم تستطع. وأنا اقول نفس الكلام.. ما لم تفعله اميركا ضدنا، لم تفعله لأنها لم تستطع فعله». ورفض شريعتمداري الخوض فيما إذا كانت واشنطن تغير استراتيجيتها حيال إيران من التهديدات العسكرية الى «الاحتواء الاستراتيجي والسياسي والاقتصادي»، إلا انه قال: «الشيء الذي يجب ملاحظته هو ان الانظمة والشعوب العربية ليست ضدنا. هذا يصعب المهمة على اميركا». وتتزامن زيارة البرادعي لطهران، التي بدأت اول من امس مع جولة الرئيس الاميركي جورج بوش في الشرق الاوسط، الذي وصف ايران بأنها «خطر على السلام العالمي». ويسعى بوش الى حشد تأييد العرب لكبح جماح ايران.

ولم يتضح ما اذا كانت نتائج ملموسة قد تمخضت عن زيارة البرادعي الاولى لايران منذ عام 2006. وقال البرادعي للصحافيين أمس، انه يتطلع «لتسريع التعاون» من جانب ايران. ونسبت وكالة أنباء الجمهورية الاسلامية الايرانية إليه قوله لخامنئي أمس «في الشهور الاخيرة كان هناك تعاون طيب بين ايران والوكالة لتوضيح الانشطة الايرانية». وتسعى واشنطن من أجل فرض حزمة ثالثة من العقوبات على ايران لرفضها وقف الانشطة النووية الحساسة التي تخشى الولايات المتحدة من أن تستخدم في صنع قنابل نووية, وتصر ايران على أن أغراضها سلمية من وراء البرنامج.

وقال دبلوماسي مقرب من الوكالة الدولية للطاقة الذرية قبل زيارة البرادعي، ان تحقيق الوكالة الذي عرقلته ايران لسنوات حتى أغسطس (اب) الماضي دخل مرحلة نهائية، وان على إيران الان ان ترد على كل المسائل العالقة مع وكالة الطاقة الذرية. وذكرت ايران في أغسطس انها سترد على التساؤلات القائمة عن ماضيها النووي، ولكن الموعد الذي طرحه البرادعي للاجابة عن التساؤلات بحلول نهاية العام الماضي انقضى من دون حل القضايا الاكثر حساسية.

من جهة اخرى، اكد مسؤول عسكري اسرائيلي كبير امس ان اسرائيل جهدت في اقناع الرئيس الاميركي خلال زيارته الى القدس بان ايران تسعى وبصورة مؤكدة الى امتلاك السلاح الذري.

وقال الجنرال في الاحتياط عاموس جلعاد المستشار السياسي لوزير الدفاع الاسرائيلي ايهود باراك: «لقد جهدنا في ان نعرض له صورة الوضع كما نراها. من وجهة نظر مهنية الامر واضح: هناك تهديد نووي ايراني». واضاف للاذاعة العامة «بعد دراسة معمقة توصلت اجهزة الاستخبارات الى خلاصة واحدة ووحيدة: ايران تسعى لحيازة السلاح النووي». وتابع «اذا كانت هناك فرصة لاطلاع الرئيس عليها، فهذا امر مهم.. المهم هو ايجاد قاعدة مشتركة للحوار»، واضاف المسؤول الاسرائيلي «سواء ابطأوا او سرعوا من الوتيرة، فان الايرانيين يسعون الى الهدف عينه.. هذا يعزز فكرة وجوب ان نأخذ في الاعتبار الخيارات كافة»، في تلميح الى امكان استخدام الخيار العسكري ضد طهران. وتابع «للوقت الراهن الافضلية معطاة للخيار الدبلوماسي، ولكن كما درج الرئيس الاميركي على القول فان كل الخيارات موضوعة على الطاولة». وعلى صعيد ازمة الغاز في إيران، قررت طهران عدم استئناف تسليم طلبيات الغاز الى تركيا طالما بقي احتياطيها من الغاز الذي استأثرت به لمواجهة موجة من الصقيع غير مسبوقة، غير كاف. وقال الناطق باسم شركة الغاز الوطنية عباد الله قنبري لوكالة الصحافة الفرنسية أمس، «عملا بالامر الصادر عن الرئيس محمود احمدي نجاد، اصبحت الاولوية المطلقة للغاز الذي يزود الى الافراد، واذا لم يتم حل هذه المشاكل، لن يستأنف تسليم الطلبيات» الى تركيا. ومؤخرا أدت موجة الصقيع التي تضرب ايران منذ اواخر ديسمبر (كانون الاول) الى اغلاق ادارات ومدارس كثيرة في عدة محافظات، بما فيها محافظة العاصمة. وطال انقطاع التموين بالغاز حوالى عشرين مدينة في شمال ايران، بينما انخفضت الحرارة الى 30 درجة تحت الصفر في بعض المناطق. وافاد قنبري باجراءات متخذة ستؤدي الى حل تلك المشاكل مع حلول يوم الاثنين. وقال رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان أول من أمس، ان هذا هو التاريخ الذي نقله مبعوث احمدي نجاد لاستئناف تسليم الغاز الى تركيا. وايران الثانية في العالم من حيث احتياطي الغاز، هي ايضا مستورد كبير لهذا النوع من المحروقات. وتمتنع الشركات الدولية الكبرى من الاستثمار بسبب ضغوط الولايات المتحدة، بالاضافة الى انعدام الثقة جراء العقوبات التي فرضتها الامم المتحدة على طهران بسبب برنامجها النووي. واوقفت ايران كافة وارداتها التي تصل الى حوالي 20 مليون متر مكعب يوميا الى جارتها تركيا منذ 7 يناير (كانون الثاني). هذا القرار أتى اثر وقف تركمانستان تسليم الطلبيات اليومية من الغاز الى ايران، التي تتراوح بين 20 و25 مليون متر مكعب. وصرح وزير النفط الايراني غلام حسين نذري بان ايران رفعت انتاجها بعشرة ملايين متر مكعب، ليصل الى كمية قياسية من 460 مليونا، لسد الطلب الداخلي. وقدمت تركمانستان اعذارا تقنية لوقف تسليم الغاز، ولكن مصادر عدة افادت بان عشق اباد تسعى قبل اي شيء الى رفع سعر غازها الذي يباع في طهران، وتقريبه من الاسعار العالمية التي ارتفعت بشكل كبير.

وبدا ان القرار التركمانستاني اخذ السلطات الايرانية على حين غرة، الى درجة ان الرئيس الايراني اجرى زيارة مفاجئة الى شمال ايران أول من أمس لتخفيف غضب السكان. وغالبا ما توجه السلطات دعوات الى السكان بالاقتصاد في موارد الطاقة، لكن هذا النداء نادرا ما يجد اذانا صاغية، حيث ان اسعار الغاز المدعومة من الدولة متدنية جدا. وحذرت شركة الغاز الوطنية من ان فواتير المستهلكين المبذرين قد تضرب بثلاثين مرة مقارنة بفواتير المستهلكين المعتدلين.