استطلاع: كثير من الباكستانيين يشكون في دور حكومي بمقتل بوتو

انفجار لاهور يلقي بظلال «القاعدة» على قلب باكستان

جندي باكستاني يحرس مداخل مسجد شيعي في حيدر آباد (أ.ب)
TT

أظهر استطلاع للرأي أن نحو نصف الباكستانيين يعتقدون أن أجهزة حكومية أو ساسة موالين للحكومة وراء حادث اغتيال زعيمة المعارضة بي نظير بوتو في الوقت الذي نفى فيه الرئيس برويز مشرف مجددا مثل هذه الشكوك.

وقتلت بوتو في حادث اطلاق رصاص وتفجير يوم 27 ديسمبر (كانون الأول) وهي تهم بمغادرة تجمع انتخابي في مدينة روالبندي. واتهمت الحكومة مقاتلين على صلة بـ«القاعدة» بمقتلها وبسلسلة من التفجيرات الأخرى في الأشهر الأخيرة التي استهدف الكثير منها قوات الأمن وأسفرت عن مقتل المئات. وقالت بوتو التي كان ينظر لها على أنها مقربة الى الولايات المتحدة وكانت من أشد معارضي التشدد الديني إن «القاعدة» حاولت اغتيالها في الماضي. ومن الناحية الظاهرية يبدو أنها هدف مؤكد للمتشددين الذين قيل انهم وجهوا لها تهديدات بتنفيذ تفجيرات انتحارية قبل عودتها من المنفى في أكتوبر (تشرين الاول). غير أن الكثير من الباكستانيين لا يصدقون أن المتشددين هم الذين اغتالوها. وأظهر استطلاع أجراه معهد «غالوب باكستان» واطلعت عليه «رويترز» أمس أن 17 في المائة فقط من 1300 شخص من مختلف أجزاء البلاد شملهم الاستطلاع يعتقدون أن طالبان أو «القاعدة» قتلوا رئيسة الوزراء السابقة، في حين يعتقد 23 في المائة ممن شملهم الاستطلاع أن أجهزة حكومية وراء الحادث، بينما يرى 25 في المائة أن ساسة موالين للحكومة هم الذين ارتكبوا الجريمة. كما أوضح الاستطلاع أن 12 في المائة يرون أن الولايات المتحدة مسؤولة عن مقتلها، ويعتقد أربعة في المائة أن الهند هي الجاني. ونفى مشرف الذي تعرض شخصيا لمحاولتي اغتيال على الأقل تلميحات بأنه أو أجهزته الأمنية أو الجيش تورطوا في قتل بوتو ووصفها بأنها «مزحة».

ورفض مشرف الذي بدا عليه الغضب هذه الشكوك مجددا في مقابلة أجرتها معه مجلة «نيوزويك»، وقال «أنا أرفض الإصغاء لمثل هذه الاتهامات. أرفض هذا. أنا الحكومة. هل هذا واضح». وأضاف «هل يمكنني أن أطرح عليك سؤالا؟ لو كنت صاحب الكلمة هل ستفكر أبدا في قتل شخص ما بهذه الطريقة؟ لم يخطر هذا على بالنا». وطلب مشرف من الشرطة البريطانية المساعدة في التحقيق في قتل بوتو لكنه استبعد اجراء تحقيق من الأمم المتحدة كما يطالب حزب الشعب الباكستاني الذي كانت تتزعمه بوتو.

وكتبت بوتو خطابا الى مشرف قبل عودتها من المنفى وذكرت أسماء ثلاثة أشخاص بينهم حليف سياسي لمشرف ورئيس أحد الأجهزة الأمنية قالت إنه لا بد من اخضاعهم للتحقيق اذا حدث لها مكروه. لكن مشرف عندما سئل عما اذا كانت التحقيقات ستجرى مع هؤلاء، قال للصحافيين انه لن يسمح للمحققين بمطاردة سراب. ويأمل حلفاء باكستان أن تساعد الانتخابات، التي كان من المقرر اجراؤها في الثامن من يناير الحالي ولكن تم ارجاؤها بعد مقتل بوتو، على تحقيق الاستقرار، ولكن ليس من المؤكد تحقق هذا.

من جهة اخرى يحمل انفجار يوم الخميس الماضي قرب المحكمة العليا في لاهور، المركز السياسي الحيوي في البلاد، رسالة مشؤومة قبل الانتخابات الوطنية. فقد قتل تفجير انتحاري 19 شخصا في لاهور التي كانت مكانا آمنا من العنف في باكستان، مما يبين اشتداد ضراوة المواجهة مع المتشددين في وقت تشهد فيه الساحة السياسية في باكستان حالة من الاضطراب. وينظر للانتخابات على انها مهمة للغاية لمستقبل الرئيس مشرف حليف الولايات المتحدة.

وفيما عانت مدن اخرى من موجة من الهجمات الانتحارية في العام الماضي راح ضحيتها المئات وبلغت ذروتها باغتيال زعيمة المعارضة بوتو في روالبندي، لم تمس لاهور عاصمة اقليم البنجاب. والآن لم يعد هناك مكان آمن. ووضعت فريال جوهر، وهي كاتبة تلفزيونية ونشطة في مجال حقوق الإنسان، إكليلا من الزهور عند موقع الانفجار الذي أسفر عن مقتل 16 من رجال الشرطة وثلاثة من المارة وقالت «نخشى ان نصبح مثل العراق، أو مثل أفغانستان». ويرتعد الغرب من فكرة سقوط باكستان النووية في حالة من الفوضى مع وقوف متطرفين اسلاميين متربصين على ابواب إسلام آباد، وترى بعض وسائل الإعلام الغربية ان باكستان اخطر دولة على كوكب الارض. ويعيش عدد كبير من الباكستانيين في حالة انكار فعلي لمدى الخطر المحدق بهم ويعتقدون ان ثمة مؤامرة كبرى لحرمان باكستان من الأسلحة النووية، ولكن بدأ يلوح نوع الإدراك للخطر الداخلي. وحتى لو لم يكن الرجل الذي فجر نفسه في لاهور من تنظيم «القاعدة» فليس ثمة شك بشأن مصدر إلهامه، فللقاعدة عدد كبير من الاتباع في باكستان. ولا تفصح الحكومة عن مخاوفها، لكن معاونين مقربين من مشرف يقولون في احاديث غير رسمية ان الهدف طويل الأمد لـ«القاعدة» هو زعزعة الاستقرار في باكستان وافغانستان لتحويلهما الى ملجأ للمجاهدين من شتى بقاع الارض. ونظرا لان قبضة مشرف تبدو واهنة، فثمة مخاوف من ان تستغل الحكومة الوضع الأمني الحرج لتأجيل الانتخابات التي تأجلت بالفعل عقب مقتل بوتو.

ويرى ساسة معارضون وبعض مؤسسات الابحاث الغربية ان تأجيل تطبيق الديمقراطية وصفة لمزيد من العنف، كما ان تزوير الانتخابات الذي يدفع الخاسرين لتنظيم مظاهرات في الشوارع أسوا سيناريو محتمل آخر. ويقول رسول بخش رئيس، المحلل السياسي في جامعة لاهور للعلوم الادارية، إن باكستان ستشهد حالة من الفوضى. ولن يخوض مشرف انتخابات 18 فبراير (شباط) بعدما ضمن فترة رئاسة ثانية في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي عقب فرض حالة الطوارئ. ولكن نتيجة انتخابات فبراير قد تحدد مصير الرئيس الذي يدعمه الجيش. فقد تخلى مشرف عن منصبه كقائد عام للجيش في اواخر نوفمبر. ويقول محللون انه سيفقد كل سلطاته اذا ما ضعفت مساندة الجيش له. ويعتقدون ان فوز ساسة من اصدقاء مشرف القدامى في الانتخابات يتطلب تزويرا على نطاق واسع وخدعا غير شريفة. واعلن مشرف انه سيستقيل اذا ما تحرك البرلمان المقبل لمساءلته. ويتوقع المحللون بديلين، الأول ان يتوصل مشرف لتفاهم مع زوج بوتو، آصف علي زرداري، وهو أمر لا يزال ممكنا رغم ان ذلك لا يبدو محتملا في ظل المناخ المرير الحالي، والثاني هو ان يتحد حزبا زرداري ورئيس الوزراء السابق نواز شريف لاسقاط مشرف.. وأقصي اماني شريف ان يطيح بمشرف الذي اطاح به من الحكم في انقلاب في عام 1999. ويتناقص عدد من يعتقدون بقدرة مشرف على تحقيق الأمن أو الوفاء بتعهده بتطبيق ديمقراطية حقيقية. ويحملونه المسؤولية عن كل ما هو سيئ، ويقول كثيرون ان باكستان لا يمكنها ان تتحرك الى الامام وهو في سدة الحكم. ويقول حميد زمان، من مؤسسة «منتدى مواطنين معنيين» :«أنا متفائل من انه اذا ما ذهبت هذه الحكومة فان الإرهاب سريعا ماسيتلاشى». ولكن الأمل ضعيف اذ يقول محللون إن تحالف «القاعدة» وطالبان والمجاهدين الباكستانيين اقوى من أي وقت مضى. ويرون ان شخصا آخر ربما يمكنه ان يدير شؤون باكستان بشكل افضل، وان المؤسسات الديمقراطية ربما تصبح اقوى. ولكن ذهاب مشرف لن يقطع العلاقات بين المجاهدين في الحضر ورجال القبائل المتعصبين في الإقليم الحدودي الشمالي الغربي النائي. كما انه لن يقضي على العناصر الفاسدة في وكالات امنية باكستانية تساعدهم في الخفاء.