«القاعدة» تتراجع

نقطة ضعفها.. حيثما تذهب يبقى أفرادها غرباء

TT

يشير الاعتقاد الشائع الى أن القاعدة تعود بعد تراجعها في أفغانستان. ويتحدث كثيرون عن نجاحها في قتل بي نظير بوتو في باكستان ودعمها للمتمردين الاسلاميين هناك لاعتباره دليلا على ذلك. الأمر ليس على هذا النحو فهي تعاني من التقلص. ولا علاقة لانحدارها بنجاحنا بقدر ما له علاقة بالتقييدات المؤسساتية لتنظيم القاعدة. وببساطة، فان معرفة القاعدة لا تعني الشعور بالحب تجاهها.

وفي كل مكان كسبت فيه القاعدة قدرا من الهيمنة على السكان المدنيين سرعان ما خسرت الترحيب بها. وقد حدث هذا في كابل وبمحافظة الأنبار غرب العراق. وقد يحدث في باكستان كرد فعل على قتل بوتو.

وما من أحد يرغب في ان يواجه الوحشية والهيمنة على يد أجانب. ونقطة ضعف القاعدة هي انها حيثما تذهب يبقى افرادها غرباء. وهذا ليس السبيل لاقامة الخلافة على نطاق عالمي.

قد لا يحبنا الناس في العراق وأفغانستان، ولكن بالمقارنة مع المناهج الوحشية لأتباع بن لادن نصبح بديلا مقبولا. وهذا صحيح، خصوصا اننا سنعود الى الوطن في خاتمة المطاف.

وردت بوتو ذات مرة على صديق كان يشعر بالقلق بشأن سلامتها، قائلة «المسلمون لا يقتلون النساء». وكانت على حق جزئيا، ولكن القاعدة تفعل ذلك. فقد قتل افرادها مدنيين مسلمين أكثر من الضربات الجوية التي اخطأت هدفها في العراق وأفغانستان معاً. والفارق أن الأميركيين وحلفاءهم يشعرون بالندم على هذه الحوادث ويحققون فيها، بينما القاعدة تخطط لها وتحتفل بها.

فلماذا اذن نخسر، افتراضاً، حرب الاعلام في العالم الاسلامي، ولماذا لم تكن هناك صرخة احتجاج واسعة على ذبح الأبرياء؟ يعود جزء كبير من السبب الى اننا نقضي وقتا من أجل ان نكون محبوبين أكثر من وقت تحويل غضب المسلمين إلى أعدائنا. نحن نبشر ببعض القيم التي تعتبر غريبة ومخيفة لما هو سائد. وثقافتنا الشعبية ينظر إليها باعتبارها منحلة في أحسن الأحوال وفي أسوئها، إذ تعتبر ذات طابع تهديدي. ورسالتنا لا تجد جمهورا. نحن لا نستطيع ولا نريد تغيير أنفسنا. وبغض النظر عن مدى عدم قبول الحكومة، فإن بروباغاندا الحكومة الرسمية سيتم تغطيتها بواسطة الطوفان، المتأتي من الإعلام الشعبي بإيجابياته وسلبياته. نحن نريد أن نقبل هذه الحقيقة ونتقدم إلى الأمام بدلا من تضييع ملايين أخرى في اتصالات استراتيجية ضمن «حملات كسب حب الآخرين».

وما نستطيع القيام به هو تعرية أعدائنا من المتطرفين الإسلاميين لما هم عليه. وتعلم أبناء أفغانستان والأنبار وبالطريقة الصعبة ما يعنيه هؤلاء وتمكنوا من طردهم خارج مناطقهم. لكن حينما تقتل القاعدة عددا من الأبرياء نحن نرفع تقريرا عن الحادث كإحصاءات من دون طرحها ضمن سياقها الحقيقي. نحن قد نرى أقارب يبكون وجثثا عن بعد عبر فيديو أو صورة فوتوغرافية لكنهم يطرحون لا كأشخاص والناس يصبحون بسرعة غير مبالين للصور المجهولة. ومن المفارقة، أن ستالين كان على حق حينما قال: «موت واحد هو مأساة، لكن موت الملايين هو مجرد إحصاءات. نحن نريد مساعدة المسلمين كي يفهموا حقا كيف يعامل هؤلاء الأشخاص المسلمين الآخرين».

نشرت الحركة الإسلامية الأصلية نظرياتها عن طريق استخدام مزيج من نشاطات عسكرية مصحوبة بنشاطات تعبر عن الرحمة. وكان العمل الخيري هو الأداة الفعالة. ولهذا السبب تكسب حماس وحزب الله درجة ما من التأييد الشعبي في المناطق التي تقع تحت سيطرتهما. هذه الخلطة مفقودة في طريقة تعامل القاعدة وطالبان مع العالم الخارجي. فبالنسبة لهم يعني كسب عقول وقلوب الناس أن «عليك أن تتفق معنا وإلا». وهذا هو السبب الذي جعل الحكومة الأميركية تتخلى بسرعة عن أسلوبها المبكر: «معنا أو ضدنا». واحتجنا إلى بعض الوقت لكن يبدو أننا تمكنا من تجاوز ذلك الأسلوب. لعلنا لا نخسر الحرب على الإرهاب، لكننا لا نقوم بكل ما يمكننا فعله لتحقيق الانتصار فيها.

*خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»