البنك الدولي: 300 مليون صيني يعيشون تحت مستوى خط الفقر

قرى من دون تدفئة أو مياه جارية.. والجوال من الرفاهية المستحيلة

ظروف صعبة لتعليم الأطفال («نيويورك تايمز»)
TT

حينما تتمرض تأخذ لي انلان، 78 سنة، أعشابا من الغابة بدلا من شراء أدوية حديثة. وهذا بفضل خيار فلسفي. فهي لم تذهب إلى طبيب طوال حياتها ومثل الكثير من سكان تلك المنطقة الفقيرة تكون المقايضة هي الطريقة للحصول على السلع ونادرا ما تستخدم النقود.

وقالت لي: «نحن نأكل بشكل ما لكن ليس بالقدر الكافي. على الأقل نحن لا نجوع».

وفي هذه المنطقة من جنوب مقاطعة هينان تعاني القرى من الفقر إلى الحد الذي لا يستطيع سكانها أن يدفئوا منازلهم في الشتاء والكثير منهم يفتقد للمياه الجارية. أما الهواتف الجوالة فتعتبر في هذه المنطقة نوعا من الرفاهية المستحيلة.

وإذا كانت الصين قد نجحت في نقل عدد كبير من الناس خارج الفاقة أكثر من أي بلد آخر، فإن استمرار الفاقة في مناطق مثل جنوب مقاطعة هينان يتماشى مع الكشوف التي توصل إليها البنك الدولي حديثا في دراسة ترى أن هناك حدا الآن 300 مليون صيني فقير وهذا أكبر بثلاث مرات مما تنبأ البنك الدولي به.

لكن الفاقة تستمر أيضا حتى في أماكن مثل هينان، حيث تعتبر كثافة السكان هناك واحدة من أعلى ما موجود في الصين والثروة الجديدة على الساحل المزدهر تتعارض مع ما هو قائم في الأجزاء البعيدة للإقليم.

وقال البرت كيدل أحد الموظفين الكبار في وقفية كارنيجي للسلام العالمي والخبير في الفاقة الصينية: «لهينان أكبر عدد من السكان من أي مقاطعة فيصل العدد هناك إلى 100 مليون نسمة والأرض لا تستطيع أن تسند عددا بهذه الضخامة. ومن المفترض أن تكون المنطقة سلة حبوب لكن هناك دائما تمييزا ضد المناطق التي تزرع فيها الحبوب في الصين. والربح الذي تستطيع تحقيقه من هكتار واحد مخصص للخضروات أو لتربية الأسماك أو للزيت، هو أكثر مما يعطيه الهكتار في حالة زراعة الحبوب».

وقال خبراء آخرون إن هينان غالبا ما تستثنى من الدعم المالي الذي يذهب إلى المناطق الساحلية. ويقول سكان تلك المناطق عادة إن الأموال المخصصة لهم يتم ابتزازها من قبل المسؤولين المحليين الذين يقومون بتحويلها إلى استثمارات شخصية خاصة بهم.

ويقول هؤلاء إنه من المفارقة أن يتم تجاهلهم بسبب قربهم من المراكز الاقتصادية الرئيسة في الشرق، افتراضا أنهم يستطيعون أن يعيشوا على الدخل المتأتي من العمال المهاجرين من مناطقهم إلى تلك المراكز الاقتصادية.

وقال وانغ اكسيالو نائب مدير معهد البحث الاقتصادي الوطني: «كانت السياسة السابقة التي تركز على رفع مستوى المعيشة تركز على غرب الصين في مناطق مثل كانسو وكينغهاي التي كانت الأفقر. إضافة إلى ذلك فإن الوضع على المناطق الحدودية هو أكثر تعقيدا بسبب الاختلالات القائمة هناك، وهذا ما جعل مشكلة الفقر أعمق. وهذا هو سبب ان تميل الخطط صوبهم».

ويعيش كثير من الناس في هذا الجزء من مقاطعة هينان بين خط الفقر الرسمي ومعيار الدولار الواحد الذي يستخدم منذ فترة بعيدة من جانب البنك الدولي. وتضاعف تقدير البنك الدولي لعدد الفقراء في الصين ثلاث مرات من 100 مليون الى 300 مليون بعد أن غيرت دراسة جديدة للأسعار صورة ما يمكن أن يشتريه الدولار. ووضع المعيار الجديد وفقا لما يسميه الاقتصاديون تماثل القوة الشرائية. وبالحسابات الجديدة، فان تقديرات الحجم الشامل للاقتصاد الصيني انكمشت ايضا بنسبة 40 في المائة.

وفقراء المزارعين هنا هم أول من يبلغ الزائر انهم يبقون، بغض النظر عما تقوله الاحصائيات، غارقين في فقر مدقع. وقال القرويون عبر هذه المنطقة ان الاجراءات المعلنة من جانب الحكومة المركزية لتحسين حياة فقراء المزارعين لم تؤد إلا الى تأثير طفيف على حياتهم. وقد اشتملت على إزالة الضرائب الزراعية وإلغاء رسوم التعليم المدرسي لأطفالهم وخطط جديدة للتقاعد والرعاية الصحية تظهر على الورق أكثر سخاء بالنسبة لفقراء الريف.

وطالما أن معظم فقراء المزارعين لديهم صلة محدودة باقتصاد النقد، فان تقليص الضريبة غير ذي صلة بالموضوع الى حد كبير. وقال كثيرون انه حتى مع الغاء رسوم التعليم فانهم ما زالوا يواجهون ضغوط انتشار رسوم المدارس الأخرى. وقال آخرون ان رسوم المشاركة والاستقطاعات وضعت خطط التقاعد وضمان الرعاية الصحية الريفية خارج امكانياتهم المالية.

وقالت جو جوين، المرأة البالغة 55 عاما من يانغمياو والتي يميزها بيتها المشيد من الطابوق باعتبارها أفضل وضعا من معظم الناس «نحن نزرع فقط ما يكفي من الغذاء لتناوله، بدون فائض في الحبوب. ولم يعد يتعين علينا دفع ضريبة الحبوب، ولكن حياتنا ليست أفضل كثيرا».

وعند سؤالها عن كيفية تدبير أمور معيشتها، قالت جو إنها تتلقى مساعدة بين حين وآخر من أقربائها الذين هاجروا لعمل في مكان آخر. وقالت انه «اذا ما عاش الناس بصورة جيدة في موطنهم فمن الذي يرغب في الهجرة. كل شبابنا القادرين على العمل يشتغلون في أماكن أخرى».

وبالنسبة للكثير من القرويين فان الحكومة المركزية لا تعرف حقائق الحياة الريفية في مناطق مثل هذه، والحكومة المحلية مليئة بموظفين مرتشين يغدقون في انفاق الأموال المخصصة لفقراء الريف على المدن الكبيرة أو يصادرون الأموال لأنفسهم.

وقلل ديفيد دولار، مسؤول البنك الدولي في بكين، من أهمية الحكومة المركزية في معالجة الفقر قائلا ان النتائج كانت ذات صلة مع نجاح المسؤولين المحليين في خلق مناخ استثماري جذاب.

وقال ان الكثير من الفقر يعني عوائل تفتقر الى العمال المهاجرين أو العمال الأصحاء جسميا. غير انه في منطقة غوشي تعاني حتى العوائل التي لديها عمال مهاجرون من الفقر، بل ان وضع المهاجرين انفسهم غالبا ما يظل غير مستقر.

* خدمة «نيويورك تايمز»