ساركوزي: السعودية شريك استثنائي ودورها يهم العالم

حذر من انزلاق المنطقة نحو الحرب بسبب إيران.. وتوجه إلى قطر

الامير سلطان بن عبد العزيز في حديث مع الرئيس ساركوزي امس في الرياض (رويترز)
TT

في اليوم الثاني من زيارته للمملكة العربية السعودية التي أنهاها أمس وتوجه الى قطر محطته الثانية في جولته الخليجية التي تقوده اليوم الى الإمارات العربية المتحدة، وجه الرئيس الفرنسي مجموعة من الرسائل باتجاه الرياض أولا وباتجاه منطقة الخليج والعالم العربي في الدرجة الثانية وباتجاه الولايات المتحدة بالدرجة الثالثة.

وقد كرم الأمير سلطان بن عبد العزيز، ولي العهد السعودي، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام السعودي، الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي والوفد المرافق له، واقام له حفل غداء عقب استقباله له أمس في قصر «العزيزية» بالرياض.

وفيما ابتدأ نهاره بزيارة قصر الملك عبد العزيز القديم في الرياض واختتمه بتلبية دعوة ولي العهد السعودي الأمير سلطان بن عبد العزيز الى حفل غداء، ألقى ساركوزي خطابين مهمين: الأول أمام مجلس الشورى والثاني بمناسبة انعقاد المنتدى الفرنسي ـ السعودي الاقتصادي في أحد فنادق العاصمة، إضافة الى كلمة موجهة للجالية الفرنسية التي تعيش في السعودية في بيت السفير برتران بيزانسينو. كذلك تحدث سريعا الى الصحافة ليؤكد أن زيارته للسعودية «كانت إيجابية على كل الصعد» وليصف الاستقبال الذي لقيه بأنه كان «استثنائيا».

ووجه الرئيس الفرنسي رسالة أساسية الى السعودية فحواها أنه «يريد أن يكون صديقا» لها، وأن فرنسا عازمة على «العمل» معها في ما خص المسائل الساخنة في المنطقة والعالم. ووصف ساركوزي السعودية بأنها «شريك استثنائي في منطقة يخيم عليها الكثير من المخاطر ويهددها انعدام الاستقرار»، معتبرا في خطابه أمام مجلس الشورى أن الدور الذي تلعبه «يتميز بالاعتدال والتوازن وهو يهم المنطقة والعالم على السواء». وقال الرئيس الفرنسي إن بلاده لا تريد فقط أن تكون شريكا استراتيجيا للسعودية؛ في إشارة الى التعاون بين البلدين في المجالات الدفاعية والعسكرية والأمنية والتقنية بل إنها «تريد أن تكون شريكا سياسيا لأن السعودية وفرنسا تتقاسمان الأهداف نفسها» لجهة اتباع «سياسة حضارية» و لجهة «تحاشي صدام الحضارات وحروب الأديان»، مضيفا أن فرنسا والسعودية «ليست لهما مصالح مشتركة فقط بل مثال مشترك يتعين عليهما العمل لأجله والدفاع عنه.

وأشاد الرئيس الفرنسي بالإصلاحات التي قامت بها السعودية وبالدور الذي يلعبه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز.

ونوه بالدور المعتدل الذي تقوم به السعودية في القطاع النفطي، والذي كان أحد المواضيع الرئيسة التي أثارها مع العاهل السعودي. وقال الرئيس الفرنسي للصحافيين بعد خطابه الاقتصادي إن المحادثات مع الجانب السعودي بخصوص العقود «تسير بشكل جيد»، متوقعا أن تشهد «الأسابيع المقبلة» توقيع «عقود كبيرة»، مقدرا قيمة العقود العسكرية والمدنية التي يتم التفاوض عليها بين الجانبين بأربعين مليار دولار. واغتنم ساركوزي المناسبة ليعرض أسلوبه الجديد في العمل القائم على إعطاء محتوى اكبر للعلاقة الاستراتيجية بين الجانبين وكيفية التفاوض ووضع كل الأمور على الطاولة وإلغاء الوسطاء، خصوصا في ما يتعلق بالعقود العسكرية.

ودلل الرئيس الفرنسي على التعاون السياسي القائم بين الجانبين في ما يخص الموضوع اللبناني. وفي هذا الخصوص، أعلن الرئيس الفرنسي أنه «لن يكون رئيس الجمهورية الفرنسي الذي سيتخلى عن لبنان»، مضيفا أنه يعمل «من أجل لبنان مستقل»، متسائلا عن الغرابة المتمثلة بإغلاق البرلمان. وفي إشارة الى الدور السوري في لبنان، كان لافتا أن الرئيس الفرنسي أكد أنه «يوافق تماما على ما قاله الملك عبد الله بخصوص سورية» من غير أن يأتي على تفاصيل إضافية. غير أن مصادر فرنسية مرافقة قالت لاحقا إن ساركوزي كان يشير الى «التنبيه» الذي وجهه الملك عبد الله للرئيس الفرنسي حول طريقة التعاطي مع السلطات السورية، وذلك عندما كشفت باريس عن عزمها الانفتاح على سورية. وبرر الرئيس ساركوزي مجددا هذا الانفتاح أمس بالإشارة الى الحاجة للتحدث للجميع من أجل إيجاد الحلول للمشاكل العالقة. وبحسب المصادر الفرنسية، فإن الجانبين الفرنسي والسعودي «تبادلا وجهات النظر حول وسائل التحرك» في حال لم تنجح الوساطة العربية في لبنان. وقالت المصادر الفرنسية إن باريس «بصدد بلورة أفكار جديدة» في هذا الشأن. وبحسب المصادر الفرنسية، فإن الملك عبد الله «أشاد بصدق وصراحة ساركوزي في الملف اللبناني»، وأكد له أن باريس والرياض «على الخط نفسه».

وفيما يواظب الرئيس الأميركي على استخدام لهجة بالغة التشدد مع إيران، أشار الرئيس ساركوزي الى طهران على أنها الجهة التي لا تلعب لعبة السلام في منطقة الخليج في قوله إن «أطرافا في منطقة الخليج تهدد استقرار العالم» و«ليست كل الدول عامل سلام». ونبه الرئيس الفرنسي من إمكانية انزلاق منطقة الخليج نحو الحرب، داعيا طهران الى أن تفهم مشاغل الأسرة الدولية ومشددا على ضرورة احترامها المعاهدات التي وقعتها؛ في إشارة الى معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية. وقال الرئيس الفرنسي في رسالة موجهة للدول الخليجية وإيران على السواء: «نحن سنكون دائما الى جانب دول الخليج التي تريد السلام والاستقرار». ودعا الرئيس الفرنسي الى تحاشي المواجهة بين الشرق والغرب عن طريق إيجاد مخرج سلمي للملف النووي الإيراني. ونقلت المصادر الفرنسية عن ساركوزي قوله للعاهل السعودي إن باريس «لا تريد أن تهدد إيران استقرار منطقة الخليج». وسعى الرئيس الفرنسي الى الرد على الانتقادات التي يتعرض لها في العالم بخصوص اقترابه من السياسة الأميركية. وللتأكيد على استقلالية القرار الفرنسي. وفيما وصل الرئيس الأميركي بعد ساعتين من مغادرة ساركوزي مطار القاعدة الجوية في الرياض، قال الرئيس الفرنسي إنه «صديق لأميركا ولكن صديق حر واقف على قدميه». وفي الملف الفلسطيني، شدد ساركوزي على أهمية أن ترى الدولة الفلسطينية النور سريعا؛ إذ أن «الحل مطلوب اليوم وليس بعد 10 سنوات». وقال ساركوزي في خطابه أمام مجلس الشورى إن «السلام ممكن» وإنه «يتعين على المجموعة الدولية أن تكون جاهزة لمواكبة تطبيق اتفاق يمكن أن يتوصل اليه الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي. غير أن مصادر مطلعة أشارت الى أن الطرفين السعودي والفرنسي «واجها بعض الصعوبات» في الاتفاق على نص بيان مشترك؛ إذ ترددت فرنسا بالقبول بصيغة قيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، علما أن ساركوزي اشاد كثيرا بخطة السلام العربية التي كان الملك عبد الله في أساس إطلاقها. كذلك واجه الطرفان صعوبات في صياغة الفقرة المتعلقة بإيران.

وفي خطابه أمام مجلس الشورى، حذر الرئيس الفرنسي من استغلال المشاعر الدينية في اغراض سياسية عدوانية. ودان الإرهاب الذي وصفه بـ«البربري». وقال الرئيس الفرنسي إن سياسة الحضارة التي يدافع عنها تعني محاربة التعصب والإرهاب؛ وهي سياسة كل المسلمين الذين يعودون لقيم الإسلام الحقة لمحاربة التطرف.

وكان رئيس مجلس الشورى السعودي الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد قد ألقى كلمة نوه فيها بالصداقة التقليدية بين فرنسا والسعودية، مثمنا السياسة التي يتبعها الرئيس الفرنسي على خطى من سبقه من الرؤساء الفرنسيين منذ الجنرال ديغول.

وقد غادر الرئيس ساركوزي الرياض في وقت لاحق من أمس بعد زيارة رسمية استغرقت يومين، وودعه بمطار قاعدة الرياض الجوية الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض، والامير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، وعبد الله أحمد زينل وزير الدولة عضو مجلس الوزراء (الوزير المرافق) وسفير السعودية بباريس، والسفير الفرنسي بالرياض، واللواء طيار ركن محمد المعطاني قائد قاعدة الرياض الجوية.

ومساء أمس عقد الرئيس ساركوزي مباحثات مع أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة ال ثاني وجولتي محادثات مع ولي العهد القطري ومع رئيس الوزراء ووزير الخارجية. وأخيرا أعقب ذلك التوقيع على مجموعة من الاتفاقات، واليوم يستكمل الرئيس الفرنسي زيارته الى الدوحة وينتقل منها الى أبوظبي على أن يعود الى باريس ليلا.