ساركوزي في أبوظبي: مفاعل نووي سلمي.. وقاعدة عسكرية قبالة إيران

الرئيس الفرنسي قال إن إقامة القاعدة «إشارة لمن يهمه الأمر» واتفاقات مختلفة بقيمة أكثر من 20 مليار دولار

الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي يتسلم ميدالية من نظيره الإماراتي الشيخ خليفة بن زايد أمس في ابوظبي (أ.ب)
TT

وضعت دولة الامارات العربية المتحدة قدما لها في مجال الطاقة النووية السلمية، أمس بعد إعلان أبرامها مع فرنسا اتفاقية تاريخية للتعاون الثنائي بين البلدين، يؤسس لإنشاء أول مفاعل خليجي سلمي، خلال زيارة قصيرة قام بها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الى ابوظبي. كما وقعت الدولتان، اتفاقية أخرى للتعاون العسكري، تمنح فرنسا «قاعدة عسكرية دائمة لقواتها المتعددة»، في مكان ما على الشاطئ الإماراتي المقابل لإيران، ستكون جاهزة للاستخدام اعتبارا من العام المقبل. وفي رسالة واضحة باتجاه إيران، قال الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي إن إقامة القاعدة «إشارة الى من يهمه الأمر، بأن فرنسا تشارك في المحافظة على استقرار هذه المنطقة من العالم»، مؤكدا انها تمت بطلب من ابوظبي.

وفيما لم يقدم الطرفان أية معلومات تفصيلية حول «التعاون النووي»، قالت مصادر ان هذه الاتفاقية ستكون مقدمة لإنشاء شركات فرنسية لمفاعل نووي سلمي، سيكون مخصصا بالدرجة الأولى لتوليد الطاقة الكهربائية وتحلية المياه. ووفقا لمصادر فرنسية فإن المشروع النووي الاماراتي من الممكن أن تصل تكاليفه إلى ما يقارب 5.5 مليار دولار أميركي، حيث تتنافس الشركات الفرنسية للفوز بهذا المشروع.

ومن المنتظر أن يتم تشكيل لجنة إماراتية فرنسية رفيعة المستوى تتولى مراقبة تنفيذ التعاون في مجالات توليد الطاقة النووية وتحلية المياه والبحوث الأساسية والتطبيقية فضلا عن التعاون في مجالات العلوم الزراعية وعلوم الأرض والطب والصناعة. ويقول المراقبون ان دول المنطقة العربية ابدت اهتماما متزايدا بالتكنولوجيا النووية للاغراض المدنية في العام ونصف الاخيرين وتقدمت 6 دول عربية على الاقل برغباتها تلك للوكالة الدولية للطاقة الذرية. ودافع ساركوزي مجددا أمس عن سياسة عرض الطاقة النووية السلمية على الدول العربية، معتبرا أنه يتعين اللجوء اليها لأنها «طاقة المستقبل». وتساءل: «هل يتعين حرمان العرب أو المسلمين منها لأنهم عرب أو مسلمون؟». وكشفت المصادر الرئاسية الفرنسية أن الاتفاق «يشمل كل النواحي الخاصة بالنووي السلمي» بما في ذلك تأهيل الفنيين وإقامة المنشأة وتوفير نموذجين من المفاعل النووي المعروف باسم EPR من الجيل الثالث.

ويعلل المسؤولون الإماراتيون حماسهم بالاتجاه للطاقة النووية بسبب الزيادة الكبرى في استهلاك الطاقة، ورغبتهم في التحول نحو الطاقة المتجددة أو النووية. ووفقا للمهندس علي بن عبد الله العويس وكيل وزارة الطاقة الاماراتية، فإن الدراسات العلمية تشير إلى أن مثل هذا العمل «يحتاج منا إلى فترة زمنية لا تقل عن خمسة عشر عاماً»، مضيفا أن الطلب على الطاقة في دول الخليج «هو الأعلى بين دول العالم». وفي ضوء مخاوفها ازاء الطموحات النووية الايرانية وتنامي نفوذ طهران النووي، قررت دول مجلس التعاون الخليجي في ديسمبر (كانون الاول) 2006 اطلاق برنامج مشترك للطاقة النووية السلمية.

وهنا أكد الشيخ عبد الله بن زايد وزير الخارجية الإماراتي ان الاتفاق الذي وقعته بلاده «لا يتعارض مع التزام دولة الإمارات بالعمل مع بقية دول مجلس التعاون في مجال الاستخدام السلمي للطاقة النووية في دول الخليج العربية»، معتبرا أن هذا الاتفاق هو اضافة لجهود المجلس في هذا الصدد وتعزيز لها. وقال الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان عقب التوقيع إن بلاده تقوم حاليا بإجراء مشاورات واسعة «لوضع إطار لبرنامج عمل لتقييم برنامج نووي سلمي وإمكانية تنفيذه بما يضمن الالتزام بأعلى معايير حظر الانتشار النووي والسلامة والأمن النووي»، مضيفا أن الامارات تجري مشاورات عامة مع حكومات ثماني دول هي فرنسا والولايات المتحدة وألمانيا وروسيا والصين والمملكة المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية، «خصوصا فيما يتعلق بصياغة مسودة وثيقة لسياسة دولة الإمارات العربية المتحدة بشأن تقييم وإمكانية تنفيذ برنامج نووي سلمي في الدولة».

وتشير مصادر خليجية الى ان الدخول في مشروع نووي خليجي مشترك «لا يمكن اعتباره قيدا لعدم دخول أية دولة في مشاريع نووية سلمية خاصة بها»، وتضيف «من الممكن أن يسير المشروعان بطريقة متوازية، وكل دولة لها الحرية في إقامة ما تراه مناسبا لمشاريعها، بشرط الالتزام بالاتفاق الخليجي المشترك، والذي أقرته القمة الخليجية التي عقدت في الرياض العام قبل الماضي».

وخطت فرنسا خطوة إضافية أخرى نحو إقامة وجود عسكري دائم في منطقة الخليج بالتوقيع على اتفاقية التعاون العسكري مع دولة الإمارات. وينص الاتفاق على إقامة قاعدة بحرية وبرية وجوية في مكان ما على الشاطئ الإماراتي رفضت المصادر الفرنسية أن تحدد موقعه بدقة. وأوضح الرئيس ساركوزي، عقب التوقيع، أن إقامة القاعدة العسكرية التي تواجه الشاطئ الإيراني المطل على الخليج «تمت بناء على طلب اصدقائنا» الإماراتيين.

وتقوم بين باريس وأبوظبي علاقات تعاون دفاعي وثيق للغاية، حيث أن أكثر من 60% من سلاح القوات الإماراتية فرنسي المصدر. وستكون هذه القاعدة العسكرية الوحيدة من نوعها في الإمارات. وتشغل الولايات المتحدة قاعدة بحرية في البحرين، وتقع أقرب قاعدة فرنسية في المنطقة في جيبوتي. وتوجه ساركوزي الى الدول الخليجية مجتمعة ليقول ان فرنسا «ستكون دائما الى جانب الدول العربية والمسلمة خاصة تلك التي تدعو الى التسامح والانفتاح والسلام والاستقرار». والتقى ساركوزي برئيس دولة الإمارات وامير أبوظبي الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان في اجتماع دام 40 دقيقة وصفه مصدر رئاسي فرنسي بأنه «جرى بشكل جيد» وكان «صريحا للغاية». وحرصت المصادر الفرنسية على التشديد على أهمية الاتفاقات الثقافية والاقتصادية ما يعني انه تم المرور على الجوانب السياسية بسرعة.

وكان الرئيس ساركوزي قد أجرى محادثات مع أمير قطر ليل الإثنين الثلاثاء في الدوحة حيث تم التوقيع على مجموعة من الاتفاقات أهمها مذكرتا تفاهم بين شركة غاز فرنسا وقطر تقوم الأولى على استكشاف إمكانيات العمل المشترك في القطاع النووي المدني لإنتاج الطاقة الكهربائية والآخر حول التعاون في ميدان الطاقة.