«احتواء» إيران يطال تعاملاتها البنكية في الخليج.. و تكلفة العقوبات 5 مليارات دولار

مسؤول ببنك «صادرات» الإيراني لـ«الشرق الأوسط»: القرار سياسي وبنوك خليجية قد تسير على نهج بنك أهلي البحرين

طفلة إيرانية تسير في معرض «الموضة الإسلامي» الذي أقيم في أحد المراكز الثقافية في طهران أمس («رويترز»)
TT

فيما تسعى الولايات المتحدة الاميركية الى «احتواء» ايران اقتصاديا واستراتيجيا، قال مصدران مطلعان ان «البنك الاهلي المتحد»، أكبر بنك في البحرين من حيث القيمة السوقية، علق أعماله مع ايران. وجاءت خطوة البنك البحريني بينما قال مصرفيون أمس ان بنوكا بالامارات العربية المتحدة التي تمتلك ثاني اكبر اقتصاد عربي أوقفت اصدار خطابات اعتماد للشركات الايرانية. يأتي ذلك فيما قال تقرير محاسبي اميركي ان الاثار الاقتصادية للعقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة على ايران بشأن برنامجها النووي «غير واضحة» وان الحكومة الايرانية وقعت منذ عام 2003 عقودا للطاقة تصل قيمتها الى 20 مليار دولار مع شركات أجنبية. وقال ستيوارت ليفي المسؤول البارز في وزارة الخزانة في رد مكتوب الى مكتب محاسبة الحكومة إن ايران «تمر بعزلة اقتصادية ومالية وسياسية متزايدة» وأنه تم رفض عدد يقدر بنحو 25 الف صفقة مع شركات ايرانية قيمتها تزيد على خمسة مليارات دولار منذ عام 1997. وفي أول رد فعل من قبل البنوك الإيرانية على الخطوة، قال مسؤول ببنك «صادرات» لـ«الشرق الأوسط» ان «قرار البحرين سياسي»، موضحا في اتصال هاتفي من لندن ان الضغوط على بنك «صادرات» تتزايد منذ 2006 وأنه بالرغم من أن ارباح البنك لعام 2007 لم تتأثر بالسلب، بل ازدادت، إلا أن أعمال بنك «صادرات» تأثرت منذ عام 2006 بسبب الضغوط الأميركية. وأوضح مسؤول اميركي لـ«الشرق الأوسط» ان واشنطن تريد ان تسير البنوك الخليجية على غرار البنوك الاوروبية التي اتخذ بعضها خطوات لتقليل نشاطاته في إيران، تطبيقا لقرارات مجلس الامن بفرض عقوبات على إيران. وكان الرئيس الاميركي جورج بوش قد قال خلال زيارته للبحرين، التي توجد بها أكبر قاعدة عسكرية اميركية في الخليج، انه ينبغي على دول الخليج مواجهة نفوذ إيران «قبل فوات الآوان»، مشيرا الى ضرورة انضمام دول الخليج الى العقوبات المفروضة من قبل مجلس الامن على إيران بسبب الاشتباه في أهداف برنامجها النووي. وحول تعليق أعمال «البنك الاهلي المتحد» البحريني مع إيران، قال مصدران مطلعان على سياسة البنك ان البنك «جمد» نشاطه المصرفي مع طهران. وامتنع الاثنان عن التعليق بشأن كيف يمكن أن يؤثر هذا على «بنك المستقبل» التابع للبنك البحريني الذي تأسس في عام 2004 مع شريكين ايرانيين هما بنك «صادرات» وبنك «ملي». ويتمثل النشاط الرئيسي لبنك «المستقبل» في الاستثمارات المصرفية كبيرة الحجم ويستهدف التدفقات المالية بين ايران ودول الخليج. وذكر «بنك المستقبل» على موقعه على شبكة الانترنت ان البنك يهدف لنقل استثمارات في السندات والاسهم من الخليج الى ايران. وقالت مصادر بنكية ان الشراكة البحرينية ـ الايرانية في «بنك المستقبل»: «لم تلغ حتى هذه اللحظة، ومن الممكن أن يتم إيجاد مخرج لها خلال الأشهر المقبلة».

وأوضح النائب في البرلمان البحريني البحريني الدكتور جاسم حسين لـ«الشرق الأوسط» أن تعليق البنك الأهلي المتحد عملياته في إيران «سيكون لفترة مؤقتة»، غير أنه أضاف «لا أتوقع أن يتم ذلك خلال الأشهر القليلة المقبلة». وقال حسين، وهو عضو اللجنة الاقتصادية بالبرلمان البحريني إن قرار البنك «لن يؤثر كثيرا على الاستثمارات البحرينية في إيران، أو الاستثمارات الإيرانية في البحرين». وتابع «نعم هناك ظروف معينة خلف هذا القرار الخاص بالبنك، لكنه بالتأكيد لن يستمر لفترة طويلة، وأتوقع أن تعود الأمور إلى ما هي عليه مع تغير الإدارة الأميركية الحالية». وكان جاسم علي، عضو اللجنة المالية والاقتصادية في البرلمان البحريني، قد قال هذا الاسبوع إن الحكومة تضغط على «البنك الاهلي» لتجميد العمليات الايرانية. وتمارس الولايات المتحدة، التي تعتبر البحرين حليفا ولها قاعدة بحرية فيها، ضغوطا على دول المنطقة لعزل ايران التي تتهمها واشنطن بالسعي لصنع أسلحة نووية. وجاءت خطوة البنك البحريني بعدما قال مصرفيون ان بنوكا بالامارات العربية المتحدة التي تمتلك ثاني اكبر اقتصاد عربي أوقفت اصدار خطابات اعتماد للشركات الايرانية. وقال ناصر هاشمبور، نائب رئيس مجلس الاعمال الايراني، في دبي هذا الاسبوع إن الامارات تذعن للضغوط وتعرقل محاولات شركات ايرانية للعمل هناك. وتقيم ايران التي تتزايد عزلتها عن الغرب علاقات اقتصادية وثيقة منذ فترة طويلة مع أغلب دول الخليج لا سيما الامارات والبحرين، وبهما أكبر المراكز المالية بالشرق الاوسط.

وفي اول رد فعل من البنوك الإيرانية، قال مسؤول بارز بفرع بنك «صادرات» في لندن إن البنك لا يستطيع حاليا تقييم تأثير الخطوة البحرينية عليه ولا على بنك المستقبل» موضحا أن الوقت ما زال مبكرا للحكم على تأثير الخطوة. وأوضح المسؤول لـ«الشرق الأوسط» في اتصال هاتفي من لندن ان «قرار بنك الاهلي البحريني قرار سياسي». وحول تأثير خطوة البنك (الأهلي المتحد) على عمل بنك «المستقبل» الذي يتشكل من تحالف 3 بنوك هم بنك «الأهلي المتحد» وبنك «صادرات» وبنك «ملي»، قال المسؤول ببنك صادرات: «نحن في بنك صادرات لدينا 33% من أسهم بنك المستقبل، وبنك ملي لديه 33% من الاسهم، وبنك الأهلي المتحد لديه 33% من الأسهم. اذا لم يكن بنك الأهلى المتحد راضيا عن هذه الشراكة يمكنه ان ينسحب». ولم يقلل المسؤول ببنك «صادرات» من تأثير خطوة البنك البحريني على باقي تعاملات إيران البنكية في الخليج، موضحا: «يجب ان ننتظر ردود أفعال البنوك الأخرى. هناك بنوك في بلاد تربطها بإيران علاقات سياسية، هذه البنوك قد لا تتخذ نفس الخطوات. لكن هناك بنوكا أخرى قد تسير على النهج ذاته». من ناحيته، قال مسؤول بفرع بنك «ملي» في لندن لـ«الشرق الأوسط» ان البنك لم يصله قرار البنك البحريني بشكل رسمي، موضحا في اتصال هاتفي من لندن ان العمل اليومي مع البنك الاهلي المتحد يتم بشكل عادي. وحاولت «الشرق الأوسط» الحصول على تعليقات من المقرين الاساسين لبنكي «صادرات» و«ملي» في طهران، الا أن الاجابة كانت متطابقة وهي انهم لم تصل اليهم إبلغ رسمي بالقرار البحريني، وأنهم بالتالي لا يستطيعون التعليق.

وفيما توجه نائب وزيرة الخارجية الاميركية جون نيغروبونتي الى الصين امس لبحث الجولة الثالثة من العقوبات على طهران مع كبار المسؤولين الصينيين، قال تقرير محاسبي اميركي ان الاثار الاقتصادية للعقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة على ايران بشأن برنامجها النووي غير واضحة وان الحكومة الايرانية وقعت منذ عام 2003 عقودا للطاقة تصل قيمتها الى 20 مليار دولار مع شركات أجنبية.

وقال التقرير الذي حصلت عليه رويترز قبل نشره في وقت لاحق من هذا الاسبوع «يفيد مسؤولون وخبراء اميركيون بأن العقوبات الاميركية لها آثار معينة على ايران لكن من الصعب تحديد حجم مثل هذه الآثار». واضاف «هناك أدلة اخرى تثير تساؤلات بشأن حجم الاثار الاقتصادية المشار اليها». ويأتي التقرير من جانب جهة التحقيق التابعة للكونغرس في توقيت حساس تسعى فيه ادارة الرئيس جورج بوش الى فرض جولة ثالثة من العقوبات على ايران في مجلس الامن التابع للامم المتحدة لرفضها التخلي عن انشطتها النووية وفيما تستعد لاجراء محادثات مع القوى الكبرى في برلين الاسبوع المقبل لتسوية خلافات بشأن تلك العقوبات المقترحة.

وحث مكتب محاسبة الحكومة مجلس الامن القومي التابع لادارة بوش على اجراء «تقييم اساسي» للعقوبات ضد ايران وابلاغ الكونغرس الاميركي بالنتائج. وقال التقرير «بدون اجراء تقييم اجمالي لتأثير العقوبات والمراجعات التالية كل فترة زمنية فان الكونغرس والادارة سيستمران في الافتقار لمعلومات مهمة لتطوير استراتيجيات فعالة للتأثير على سلوك ايران». وقال ستيوارت ليفي المسؤول البارز في وزارة الخزانة في رد مكتوب الى مكتب محاسبة الحكومة ان ايران «تمر بعزلة اقتصادية ومالية وسياسية متزايدة» بسبب العقوبات الاميركية والدولية. واضاف ان البنوك المملوكة للدولة في ايران أصبحت معزولة بدرجة متزايدة واصبحت قدرتها على الاستمرار في اداء نشاطها مهددة، وقال انه تم رفض عدد يقدر بنحو 25 الف صفقة مع كيانات ايرانية قيمتها تزيد على خمسة مليارات دولار منذ عام 1997. ولم ترد تفاصيل بشأن نوع الصفقات التي رفضت أو مصدر هذه الاحصائيات.

وفي طهران، نقلت هيئة الاذاعة والتلفزيون الايرانية عن محافظ البنك المركزي قوله إن احتياطيات البلاد من النقد الاجنبي ارتفعت لاكثر من 70 مليار دولار. ونسبت الهيئة على موقعها على الانترنت الى المحافظ طهماسب مظاهري قوله «احتياطيات ايران من النقد الاجنبي تتزايد يوما بعد يوم. وفي الوقت الحالي تجاوزت 70 مليار دولار» ولم يذكر أي تفاصيل عن العملات التي تكون الاحتياطي الايراني. وكان البنك المركزي قد قال انه يعمل على تنويع الاحتياطيات بدلا من الاعتماد على الدولار الاميركي وذلك ردا على العقوبات الاميركية التي فرضت على المؤسسات المالية الايرانية. ولم يكشف البنك من قبل عن قيمة الاحتياطيات. وقال مسؤول طلب عدم كشف اسمه ان تعليقات المحافظ ربما تعكس سياسة جديدة. وفي الثاني من يناير (كانون الثاني) الجاري قال داود دانش جعفري، وزير الاقتصاد، ان الاحتياطيات بلغت 60 مليار دولار، لكنه لم يذكر رقما للمقارنة. وحققت ايران زيادة كبيرة في ايرادات النفط بفضل ارتفاع أسعاره في السنوات الاخيرة لكن منتقدين للحكومة يقولون إن الإفراط في الانفاق يغذي التضخم الذي ارتفع الى نحو 19 في المائة. وقال مسؤول ايراني هذا الشهر ان ايران تهدف الى الحصول على 70 مليار دولار من تصدير النفط في السنة الفارسية التي تنتهي في مارس (اذار) بعد أن بلغت الايرادات في النصف الاول نحو 35 مليار دولار.

وبالرغم من أنه من غير الواضح حجم تأثير العقوبات التي فرضت حتى الان على اداء الاقتصاد الإيراني، الا ان طهران تحاول ان تجد مخارج من العقوبات ومن بينها فتح اعتمادات باليورو لتمويل شراء الغاز. وقد قرر كثير من البنوك الدولية، ومن بينها بنك «يو.بي.اس» السويسري و«دويتشه بنك» الالماني، قطع بعض أو كل روابطها مع ايران بتأثير الضغوط السياسية. وقال محافظ البنك المركزي الايراني في سبتمبر (ايلول) الماضي، ان البنوك التي غادرت البلاد لن تكون موضع ترحيب اذا ارادت العودة اليها.

وكانت شركة «ريلاينس» الهندية للتكرير قد اوقفت مبيعات البنزين ووقود الديزل لايران العام الماضي، بعد أن توقف بنك «بي.ان.بي باريبا» وبنك «كاليون» الفرنسيان عن فتح خطابات اعتماد لهذه المبيعات. وقال أحد المصادر ان البنكين اوقفا على الارجح فتح خطابات اعتماد بسبب الضغوط السياسية من الدول الغربية. وخطابات الاعتماد هي الشكل المتفق عليه لضمان السداد في صفقات النفط. وقال مصدر رفيع في «ريلاينس اندستريز ليمتد»، طلب عدم الكشف عن اسمه، «ليس هناك أي بنك له روابط بالولايات المتحدة مستعد لفتح خطابات اعتماد بسبب الضغط الاميركي».

وذكرت مصادر تجارة النفط أن شركة «ريلاينس»، وهي أكبر شركة تكرير خاصة في الهند، كانت تصدر إمدادات كبيرة من البنزين لايران واحيانا بعض كميات من وقود الديزل، اوقفت هذه الشحنات في اكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي، ولم تستأنفها منذ ذلك الحين. وتعد خطوة «بي.إن.بي باريبا» و«كاليون»، وهما من اكبر المصارف التي تفتح خطابات اعتماد لتجارة النفط في العالم، بادرة على أن الحملة التي تقودها الولايات المتحدة لعزل طهران بسبب برنامجها النووي بدأت تؤثر على واردات الوقود الحيوية التي تمثل قضية حساسة لايران، خاصة ان المصافي الايرانية المتقادمة تعجز عن تلبية الطلب المحلي.