قائد شرطة البصرة لـ«الشرق الأوسط» : اختفاء المظاهر المسلحة وانخفاض نسبة الجريمة

بعد شهر على تسلم القوات العراقية الملف الأمني في المحافظة من البريطانيين

عبد الجليل خلف
TT

عندما أعلنت القوات البريطانية في الربع الأخير من العام الماضي عن اتفاقها والحكومة العراقية على تسليم الملف الأمني إلى السلطات المحلية في محافظة البصرة ثاني اكبر المحافظات العراقية في السادس عشر من شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي تبارى مسؤولون حكوميون إيرانيون وميليشيات الأحزاب وقوى فاعلة عن الاستعداد لملء الفراغ الأمني الذي ستتركه القوات المتعددة الجنسيات، واعرب مراقبون عن خشيتهم من عدم جاهزية القوات الحكومية على فرض سلطة القانون وتوقعهم اندلاع حرب أهلية واستفحال أعمال العنف وقطع طريق المؤن على القوات الأميركية المار عبر المدينة من الكويت.

وبعد مرور شهر على تسلم السلطات المحلية الملف الأمني من القوات المتعددة الجنسيات يرى اللواء الركن عبد الجليل خلف قائد شرطة المحافظة أن الوضع الأمني في تحسن مستمر، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن من مظاهر هذا التحسن «هو اختفاء الجماعات المسلحة المرتبطة بالأحزاب والميليشيات التي كانت تجوب المدينة، وتوقف حالة التجاذب بين القوات البريطانية والقوى المناوئة للاحتلال، إذ لم يعد هناك عبوات ناسفة مزروعة في الطرق التي تسلكها هذه القوات التي كان انفجارها يؤدي إلى سقوط ضحايا بين المدنيين وقذف مقراتها بالهاونات والصواريخ التي كثيرا ما تخطئ أهدافها».

وأضاف خلف، «كما شهدت المحافظة عدم تدخل القوات البريطانية في عمليات دهم وتفتيش بيوت المواطنين واعتقال أعداد منهم التي كانت مصدر تذمر إضافة إلى إغلاق هذه القوات معتقل المطار بعد إطلاق سراح عدد من المعتقلين لديها». وأوضح «ان من أهم مظاهر الاستقرار هو التعاون ألاستخباراتي بين المواطن واجهزة الشرطة وتنامي دائرة الحفاظ على الأمن هو من مسؤولية الجميع، إذ تمكنت الأجهزة الأمنية من الوصول إلى أهدافها من خلال هذه المعلومات».

 وأشار قائد الشرطة إلى «انخفاض نسبة الجريمة المنظمة وان كانت دون مستوى الطموح»، مشيرا إلى «إعادة هيبة الدولة إلى الشارع من خلال إزالة فوضى باعة الأرصفة في الأسواق وانتشار الدوريات»، مؤكدا أن هذه «الخطوة الأولى في رفع كل معالم التجاوز، وتطبيق القوانين السائدة بحق المخالفين».

وفيما يخص تحصين رجال الشرطة وتنظيم البيت الداخلي أكد خلف «إكمال نقل 987 رجل شرطة من مجموع 3000 شرطي من المقرر نقلهم إلى المحافظات المجاورة واستبدال أعداد مساوية لهم من المحافظات المنقولين إليها»، مشددا على ان التقييم المعتمد في استمرار رجل الشرطة بوظيفته داخل البصرة «هو الولاء الأول والأخير للوطن..».

من جهته، أوضح الفريق أول الركن موحان حافظ الفريجي قائد العمليات في المحافظة «إن قوات الأجهزة الأمنية في تطور مستمر في التسليح والتجهيز والتدريب فقد دخلت في الخدمة مؤخرا ولأول مرة طائرات مروحية مسلحة لإسناد القطعات ومشاغلة الأهداف البرية والبحرية وهي تعمل الآن بقيادة ضباط عراقيين بكفاة عالية وبات تحليقها في سماء المدينة ضمن المشهد اليومي للأهالي..».

أما القاضي وائل عبد اللطيف عضو البرلمان العراقي عن المحافظة، فشكا من «أن السلاح غير حكومي يتركز لدى ميليشيات الأحزاب وان ما يحدث في البصرة من تجاذبات بين التيار الصدري والمجلس الأعلى وحزب الفضيلة الإسلامي لا ينفصل عن حالة الصراع بين قيادات تلك التيارات التي تشكل غالبية الحكومة المنتخبة». واضاف «إن البصرة المحافظة الحدودية الغنية بالنفط باتت ساحة مفتوحة لمخابرات دول الجوار التي ملأت الفراغ المخابراتي بعد سقوط النظام السابق والتي ترمي إلى تحقيق أجندة خاصة بها من خلال تجنيد العناصر العاطلة عن العمل ومن بينها خلق حالة عدم الاستقرار وإيقاد الصراع بين تيارات الطائفة الواحدة بعد أن فشلت في جر البلد إلى صراع طائفي».

وكشف خير الله البصري عضو البرلمان ممثلا عن المحافظة «عن وجود صراعات عميقة لم تطف على السطح بين التيارات الدينية بالمحافظة». مشيرا إلى «مشروعية الخوف والقلق السائدة بين السكان لعدم وضوح رؤى التيارات المتصارعة واهدافها وخططها المستقبلية ..».  وقال مراقبون «إن مرور شهر على تسلم الملف الأمني، وان قد منح المدينة شيئا من الأمن، إلا أن حالة الاستقرار غير متوفرة مادامت التيارات الدينية المتنفذة بالبصرة لم تصل الى الوفاق حيث مازال التنافس على السلطة والثروة والنفوذ هو مصدر الخلاف»، مؤكدين على «أن تمسك التيار الديني بحقبة تاريخية لا يعفيه من إقناع ناخبيه بحاضر مقنع ومستقبل واضح ..». وأضاف أحدهم «إن الوضع الأمني بالبصرة لا ينفصل عن الحالة العامة بالبلد ، حيث مرت خمس سنوات على النظام الجديد ولم ينجز ما كان معولا على تحقيقه اذ افتقرت جميع الكتل والأحزاب والتيارات السياسية الحاكمة الى برامج وخطط مستقبلية ورؤى واضحة للإحداث، واقتصر معظم أعمالها على التنافس وردود الأفعال والاشتغال بدوائر ضيقة دون إعطاء اهتمام واسع لحاجة المواطن وتشريع القوانين التي تعجل بمغادرة البلاد من المرحلة الانتقالية ..». وأكد سياسيون وأكاديميون «إن تحسن الوضع الأمني يبقى منقوصا ما لم يرافقه تحسن اقتصادي ومعاشي وقطع دابر الفساد الإداري والمالي وتهريب الثروات وعدم الولاء لجهات خارجية ومعالجة الأوضاع المتردية لعوائل الشهداء والمفقودين والمهجرين والأيتام والأرامل والمعاقين الذين باتوا يشكلون نسبة عالية بين السكان وتحقيق العدالة الاجتماعية وزيادة فرص العمل للعاطلين وإطلاق الحريات وتشجيع الهجرة المعاكسة الى البلد وتحسين الظروف الصحية والخدمات العامة..».