«الاحتواء».. من الاتحاد السوفياتي إلى إيران

مبدأ ظهر في المقالة «اكس».. وترومان أول من طبقه.. وكينان غضب من استخدامه لشن حرب

TT

كرر الرئيس الأميركي جورج بوش، خلال جولته في الشرق الأوسط، والتي انتهت امس، تعبير «احتواء» إيران. والاحتواء الذي بدا كتعبير «قديم جديد» ظهر كاستراتيجية استخدمتها الولايات المتحدة الاميركية، منذ الأعوام الاولى للحرب الباردة. وكان هدف «الاحتواء» هو الوقوف امام «تأثير الدومينو» وهي نظرية اخرى كانت تشير الى تأثير الاتحاد السوفياتي في محيطه الاقليمي، وتأثير ذلك على المصالح والنفوذ الاميركي. وظهر مصطلح «الاحتواء» علانية للمرة الاولى عام 1947 في مقالة نشرت في مجلة «فورين افيرز» (شؤون خارجية) الأميركية على يد المفكر الاستراتيجي الاميركي جورج كينان، الذي صاغ مصطلح «الاحتواء» كأداة من ادوات السياسة الخارجية، لمنع تأثير مضر بالمصالح الاميركية. وفي مقالته التي نشرت تحت عنوان «مصادر السلوك السوفياتي»، وهي المقالة التي عرفت باسم «المقالة اكس» بنى كينان حجته على ضرورة احتواء التأثير السوفياتي في جواره الاقليمي لمنع انتشار الشيوعية بين البلدان غير الشيوعية. وكان مفهوم «الاحتواء» هو أحد المفاهيم الاساسية، التي ذكرها كينان في مقالته لمنع انتشار تأثير الاتحاد السوفياتي. بعد ذلك اصبح مفهوم «الاحتواء» احد اساليب السياسة الخارجية الاميركية، خلال ولاية الرئيس الاميركي هاري ترومان. واصبح «الاحتواء» يعرف بمبدأ ترومان عام 1948. لكن مع نشوب حرب فيتنام التي خاضتها اميركا لمنع انتشار الشيوعية، قال كينان ان مبدأ «الاحتواء» أسيء تفسيره، وانه لم يعن التدخل العسكري، بل كان يعني الدعم الاقتصادي والاستراتيجي للبلاد التي يمكن ان تقف في مواجهة المد الشيوعي. في البدايات الاولى كان الاحتواء «تكتيكا» وليس «استراتيجية». ويمكن تبسيط مفهوم الاحتواء بمثال ورد في موقع «ويكيبديا» على الانترنت مفاده ان الاحتواء: «هو ان تحاصر القلعة التي يتحصن فيها الأمير ذو النفوذ غير المرغوب فيه، أو النفوذ السلبي. وأن تشيد جدارا عازلا يمنع الأمير من الحركة، ثم ان تمنع عن هذا الأمير كل المصادر الحيوية مثل خطوط الامداد. لكن احتواء العدو بحصاره ليس كل المهمة، فهناك بعد الاحتواء بالحصار خطوة اخرى مهمة وهي «إنهاك» الامير المتعب والمحاصر، وذلك بعمليات تجسس وتخريب داخلية، واستقطاب أطراف من قلب الحلقة الضيقة للأمير، وتأليبهم على الأمير لإضعافه».

والاحتواء في هذا الاطار له معنيان. الاول تطويق دولة ما من الناحية السياسية والاقتصادية والاستراتيجية، كما هو حال احتواء العراق بين أعوام 1991 و2003. والمعنى الثاني للاحتواء، هو التحكم في طريقة تطور دولة ما، عبر قيام جوارها الاقليمي بأدوار مختلفة. وهي طريقة الاحتواء التي تعاملت بها الولايات المتحدة الاميركية مع الصين، خلال الاعوام الماضية، فجيران الصين الاقليميون وعلى رأسهم اليابان وكوريا الجنوبية، الذين تربطهم بأميركا علاقات تعاون استراتيجي، يقومون بأدوار مختلفة لتطويق جموح الصين، ومنع تأثيرها السلبي على الأمن الإقليمي في آسيا. كوندوليزا رايس التي تميل إلى الاحتواء بالمعنى الصيني، تحاول أن تفعل الشيء نفسه مع ايران، مستفيدة من ان طهران مثل بكين جوارها الاقليمي يؤثر عليها بشكل اكثر فاعلية.