تدخل الفاتيكان يضبط «الخلاف الماروني ـ الماروني»

فرنجية: عندما يقال إنه ليس لسورية حلفاء بل عملاء فهل هذا تعرض سياسي أم شخصي؟

TT

نجحت مساعي الفاتيكان في ضبط التوتر داخل الطائفة المارونية اللبنانية، بعد التصعيد الكلامي غير المسبوق من مسيحيي المعارضة ضد البطريرك الماروني نصر الله صفير، الذي تضامنت معه قيادات مسيحية واسلامية في قوى «14 اذار».

وفرضت المساعي التي قادها السفير البابوي المونسنيور لويجي غاتي، وقفا لاطلاق التصريحات، وتجميدا للتحركات، في انتظار الوصول الى صيغة حل تضبط الوضع المهدد بالانفجار، ففيما امتنعت قوى «14 اذار» عن تنظيم مظاهرات دعم للبطريرك، ولم يصدر عن اجتماع المطارنة الموارنة مع البطريرك سوى دعوة للصلاة، اعلن رئيس تيار المردة الوزير السابق سليمان فرنجية، انه سيتوقف عن التصريح «طالما لم تصرح بكركي (البطريركية المارونية)»، معلنا بوضوح انه اذا «تكلمت بكركي بالسياسة فسنرد عليها بالسياسة، واذا تكلمت بالشخصي سوف نرد عليها بالشخصي». وعلمت «الشرق الاوسط» من مصادر مطلعة ان المعارضة المسيحية لوحت بتسيير مظاهرات نحو بكركي للمطالبة باستقالة البطريرك، الذي تتهمه بالانحياز الى فريق الموالاة. وفي المعلومات ايضا ان نصائح امنية وجهت الى الطرفين لعدم نقل التصعيد الى الشارع في هذا الظرف الحساس، خوفا من تحولها الى مواجهات غير مضمونة العواقب.

وكان صفير قد ادى الصلاة امس مع المطارنة الموارنة والرؤساء العامين للرهبانيات المارونية، ثم ترأس الخلوة الاستثنائية التي شارك فيها المطارنة والرؤساء العامون والمخصصة «للصلاة والتفكير»، حسبما ورد في بيان أمانة سر البطريركية المارونية. وظهرا، انضم السفير البابوي المونسنيور لويجي غاتي الى المطارنة في خلوتهم.

وبعد نصف ساعة انتهى اليوم الاول من الخلوة بكلمة مقتضبة للنائب البطريركي المطران سمير مظلوم، الذي قال: «لبنان لا يمكن أن يقوم إلا على الألفة والمحبة والتسامح، ولا يمكن أن يبنى إلا بالعودة الى بعضنا البعض، وبعودة كل أبنائه للمشاركة في بناء هذا الوطن، وهذا ما نأمله ونطلبه من كل أبنائنا في هذا الوطن». وعقد فرنجية امس مؤتمرا صحافيا في مبنى تيار المردة في بنشعي بشمال لبنان قال فيه: «لقد تعاملت بكركي مع الموضوع بطريقة إيجابية أمس، ونحن اليوم نقول إننا لسنا هواة مشاكل مع بكركي. وما نقوله ان بكركي وخصوصا سيدنا البطريرك عندما يتكلم بالسياسة سنواجهه بالسياسة، وعندما يتكلم بالدين يواجه بالدين، وعندما يتكلم على الصعيد الشخصي سنواجه كذلك على الصعيد الشخصي. وأكرر أننا لسنا هواة مشاكل مع بكركي ولسنا نحن من بادر. كل من يتناولنا شخصيا سنرد عليه شخصيا، ولا نعمل لضرب هيبة بكركي ولا لنتطاول عليها، ولكن على بكركي ألا تتطاول على كرامات الناس ولا تقترب من أحد، واذا رغبت في الكلام السياسي بأي شكل من الاشكال فسنجيبها بالطريقة نفسها». وشكر «المطارنة الواعين لدقة المرحلة التي نمر بها»، وقال: «أما الحرصاء على بكركي والذين يدافعون عنها بكل الوسائل، نقول لهم ان شاء الله ما يكون حامي بكركي حراميها، وتاريخ هؤلاء كلهم معروف وكل واحد منهم نعرفه ويعرفه اللبنانيون، ونحن لن نصعد. وبعد بيان اليوم (بيان المطارنة) سنعمل لوقف السجال، ولكن إذا صدر مجددا اي كلام عن بكركي فإننا سنرد». واعلن أنه «إذا كانت ستحصل تظاهرات استنكار ضد الكلام الذي قلناه وستذهب الى الصرح البطريركي، فنحن لسنا ضد ذلك، ولكن كما ان لهؤلاء رأيهم، لغيرهم رأي آخر أيضا، وستذهب تظاهرات من عندنا لتشرح وجهة نظرنا. فإما ان تقف كل الامور وإما أن تستمر كل الامور. ينزلون تظاهرات، ننزل تظاهرات. في رواق، في رواق. وهذا ما نقوله». وردا على سؤال عما اذا كانت الوساطات القائمة ستؤدي الى زيارة يقوم بها لبكركي قال فرنجيه: «ليس عندي مشكلة في زيارة بكركي، وأزورها، وانا عند موقفي وضمن اقتناعاتي». لكنه تمنى «ان تكون الزيارات في حضور عدد من المطارنة ليكون هناك شهود على ما يدور في الاجتماع».

وسئل عن الاتهام الموجه الى المعارضة وسورية بإضعاف مركز رئاسة الجمهورية فأجاب: «هل نحن من أضعف موقع رئاسة الجمهورية؟ هل نحن من قام بحملة «فل» وكل الجو الذي رافقها؟ هذه الحملة على رئاسة الجمهورية هل نحن قمنا بها؟ أم لاننا الان نقول اننا لا نذهب الى انتخابات رئاسية الا ضمن اتفاق كامل لابعاد الضعف عن موقع الرئاسة نكون نحن من يضعف هذا الموقع؟ أما ان نقبل برئيس موظف عند سعد الحريري وأما نكون نضعف موقع الرئاسة». وعما اذا كان يعمل «لضرب هيبة بكركي» كما اتهمته قوى «14 اذار»، قال فرنجية: «هيبة بكركي يجب ان يحافَظ عليها من الطرفين... وأتمنى ان تكون البيانات التي تصدر عن بكركي تحافظ ايضا على هيبة بكركي، اذ ليس علينا وحدنا الحفاظ على هذه الهيبة». واضاف: «عندما يقال ان ليس لسورية في لبنان اصدقاء او حلفاء بل عندها ادوات او عملاء في لبنان، فهل هذا تعرض سياسي أم شخصي؟».

ورأى بيار رفول المنسق العام لـ«التيار الوطني الحر» الذي يقوده النائب ميشال عون، ان حملة فرنجية على البطريرك صفير «لم تكن مستجدة، بل جاءت بعد مواقف عدة صدرت عن صفير اتهم فيها المعارضة بأنها في المحور السوري ـ الايراني»، سائلا: «لماذا لا يتحدث عن المحور الاميركي؟ وماذا عن تدخل الرئيس جورج بوش ووزيرة خارجيته كوندوليزا رايس في الشؤون اللبنانية؟». واكد «احترام التيار بكركي كمرجعية دينية»، وقال: «لا خلاف في الشارع المسيحي. هناك مرجعية سياسية اختارها المسيحيون... واذا اردوا ان يبرهنوا العكس فعليهم ان يذهبوا الى الانتخابات المبكرة». ودعا نائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى الشيخ عبد الامير قبلان اللبنانيين الى «الابتعاد عن الاساءة الى رموزهم». وقال: «نحن ضد التحدي للمراجع الروحية والسياسية لان التحدي لا يفيد». وتحدث مطران منطقة جبيل للموارنة بشارة الراعي عن ان جولاته على القيادات المسيحية تركزت «في الاونة الاخيرة على الا خلاص للبنان الا بجمع الكلمة حول البطريرك، لان بكركي كانت منذ ايام المماليك ولا تزال صرحا لحل المشكلات على المستوى الوطني»، وقال ان «اتصالاته بالامس القريب اثمرت وعودا بالالتفاف حول البطريرك في بكركي، وفي جلسة مصارحة وتفكير في العمق، مع صاحب الغبطة الذي يشكل مرجعية وطنية مارونية تاريخية»، مشيرا الى انه «فوجئ بالنتائج التي جاءت عكس التوقعات والوعود»، ومعربا عن خشيته من ان يكون هناك «ايعاز خارجي لشرذمة الصف المسيحي».

واصدر اربعة نواب أرمن من كتلة «المستقبل» بيانا مشتركا دان الحملة الموجهة التي استهدفت البطريرك الماروني نصرالله صفير، واعتبر البيان انها «تندرج في اطار مخطط له بدأ بتعطيل المؤسسات بصورة عامة، ضرب مسار الحكومة، تغييب المجلس النيابي، افراغ مقام الرئاسة الاولى والتجني على شخص قائد الجيش، وتتزامن هذه الحملة مع محاولات النيل من المؤسسة العسكرية لشل قدرتها على الحفاظ على السلم الاهلي وضبط الوضع الامني».

وسأل عضو قوى «14 اذار» النائب سمير فرنجية عن امكانية محاورة «معارضة تسمح لنفسها بشتم بكركي؟». ودان المجلس الاعلى لـ«حزب الوطنيين الاحرار» التطاول على بكركي ورأى انه «يشكل برهانا قاطعا على استمرار مخطط النظام السوري بعد الانسحاب العسكري من ضمن مسلسل النيل من الصخرة التي تكسرت عليها مطامعه وهيمنته، ويكشف الإحراج الذي يعانيه ورغبته في الانتقام من المرجعية الروحية والوطنية التي كان لها الإسهام الأكبر في استعادة استقلال لبنان».

ورأى المرشح السابق «التوافقي» للرئاسة الوزير السابق ميشال ادة ان «حملة التجني والتجريح المغرضة التي تتركز اليوم ولبالغ الاسف على غبطته وعلى الصرح البطريركي على لسان الوزير السابق سليمان فرنجية فانما تستهدف لبنان بأسره، ولكنها تسيء اول ما تسيء الى من يشن هذه الحملة».