مصر تهدد بإلغاء جولة مشاورات مع أوروبا وجدل بين المصريين حول «الاستقواء بالخارج»

سرور يعلق مشاركته في «الأورومتوسطي» لحين توضيح انتقادات بروكسل للقاهرة

TT

بينما رفض رئيس البرلمان المصري الدكتور أحمد فتحي سرور أمس طلباً من رئيس البرلمان الاوروبي، هانز غيرت بوترينج، بمشاركته في اجتماعات البرلمان الأورومتوسطي المقرر له يوم 28 فبراير (شباط) المقبل، هددت مصر أمس بإلغاء جولة مشاورات سياسية مع الاتحاد الأوروبي وانتقدت حالة حقوق الإنسان فيه، رداً على انتقاد البرلمان الاوروبي لحالة حقوق الإنسان في مصر اول من امس. ورغم أن بوترينج طلب من رئيس البرلمان المصري أن يتجاوز ما ورد في قرار البرلمان الأوروبي ضد مصر، بحسب ما قاله مصدر رسمي بمجلس الشعب المصري إلا أن سرور قرر أنه وكذلك أيا من البرلمانيين المصريين، لن يشاركوا في اجتماعات مكتب مجلس الأورومتوسطي، المقرر غدا، حتى «يأتي وفد من البرلمان الأوروبي لإجراء حوار مع مجلس الشعب المصري يوضح فيه الأخطاء التي وقع فيها البرلمان الأوروبي».

وصعدت القاهرة أمس من حدة موقفها الرافض لقرار البرلمان الأوروبي الصادر أول من أمس الذي ينتقد أوضاع حقوق الإنسان في مصر، مهددة باتخاذ إجراءات عقابية عملية تعكس هذا الرفض. وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية حسام زكي إن أجهزة الوزارة أعدت مجموعة من التوصيات المعروضة على وزير الخارجية أحمد أبو الغيط للنظر فيها تعبيرا عن موقف مصر الرافض لـ«هذا النوع من التدخل السافر في شؤونها من جانب البرلمان الأوروبي»، موضحاً أن من بين تلك التوصيات عدم عقد اللجنة المعنية بالمشاورات السياسية بين مصر والاتحاد الأوروبي والتي كان من المقرر عقدها يومي 23 و24 يناير (كانون الثاني) الجاري.

وقال المتحدث «إن الفقرة التي تضمنها القرار البرلماني الهزيل عن موضوع الأنفاق عبر الحدود مع قطاع غزة تثير قدرا كبيرا من الشك حول الدوافع التي حركت بعض البرلمانيين الأوروبيين والصلات التي تجمعهم بالدوائر المستفيدة من التضخيم المستمر لهذا الموضوع».

وأضاف زكي «إن مصر تشعر بقلق عميق إزاء حالة التردي الذي تشهده حالة حقوق الأقليات الدينية والعرقية والمهاجرين في القارة الأوروبية بشكل عام»، معربا عن إدانته لانتشار ظاهرة التمييز ضد المسلمين وكراهية الأجانب في مختلف أنحاء أوروبا بحسب التقارير الصادرة عن مؤسسات أوروبية كان آخرها التقرير الصادر عن منظمة الأمن والتعاون في أوروبا الذي أشار إلى أن «المسلمين يعانون من التمييز ضدهم في التعليم والإسكان ويعانون من تصويرهم كإرهابيين ومتطرفين وعدوانيين».

في المقابل أعرب برلمانيون أوروبيون عن عدم تفهمهم لموقف الحكومة المصرية، وخاصة رئيس مجلس الشعب، بقطع العلاقات مع أوروبا في حال تبنت قرار ينتقد حقوق الإنسان في مصر. وجاء في تصريحات لعدد من نواب البرلمان الاوروبي ان «القرار لا يعتبر تهديداً، ولكنه دعوة حوار مكثف مع الساسة في القاهرة بشأن حقوق الإنسان في مصر»، وهو الامر الذي اشارت اليه مجموعة الاحزاب الشعبية في البرلمان الاوروبي، أكبر المجموعات البرلمانية في الجهاز التشريعي الأوروبي، واشارت إلى أن مشروع القرار يمثل «دعوة لمصر، أهم شريك متوسطي لأوروبا خاصة في مجال مكافحة الإرهاب، لحوار مكثف وأكثر جدية من أجل تدعيم الديمقراطية وسيادة القانون» في البلاد.

وقالت المفوضية الاوروبية انها ستعمل كل الأدوات القانونية التي تمتلكها لتحسين حالة حقوق الإنسان في مصر.

وثار جدل في مصر مفاده «إلى أي مدى يمكن لناشطين سياسيين وحقوقيين من الداخل الاستعانة بدول أجنبية أو بمنظمات دولية للضغط على حكومات بلدانهم من أجل تحقيق الإصلاح». جاء ذلك بعد واقعتين الأولى حين قرر الكونغرس الأميركي تعليق 100 مليون دولار من المعونة المقدمة لمصر إلى حين بذل القاهرة جهدا اكبرا في منع تهريب الأسلحة إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة وتحسين حالة حقوق الإنسان، والواقعة الثانية جاءت حول الموضوع ذاته تقريباً قبل يومين حين اتخذ البرلمان الأوروبي قرار بشأن حقوق الانسان في مصر. وكان حقوقيون مصريون بارزون قد عقدوا عدة لقاءات مع السياسيين الاوروبيين والأميركيين خلال العام الماضي، كان أكثرها لفتاً للانتباه اللقاء الذي جرى بين الرئيس الأميركي جورج بوش والدكتور سعد الدين إبراهيم، رئيس مركز ابن خلدون الحقوقي بمصر، إذ تناولت صحف مصرية رسمية مثل تلك اللقاءات بالهجوم ووصمت الأطراف المصرية التي شاركت في مثل تلك اللقاءات بـ«استعداء الأجانب على وطنهم». لكن الدكتور عمرو الشوبكي، الباحث بمركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية، قال إن استخدام «الخارج» في الضغط على «الداخل» ليس سلوكاً لبعض المعارضين فقط، بل سلوك حكومي أيضاً. ورغم أن مجموعات صغيرة من ناشطين يرفعون عادة لافتات أمام فضائيات تلفزيونية تندد بما يقولون إنه انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان في مصر، إلا أن جانباً منهم يقول إن اتهامهم بالاستقواء بالخارج «مقولة سخيفة». وقال مجدي أحمد حسين، الأمين العام لحزب العمل المعارض (وهو حزب جمدت الحكومة نشاطه منذ نحو 10 سنوات): «إننا، كقوى وطنية، نعتبر أن التيار الرئيسي المعارض لا يستقوي بالخارج.. اتهامات الاستقواء بالخارج سخافة».. وقال أيضاً «إن الغرب، سواء كان أوروبا أو أميركا، لم يقف إلا مع تيارات ليبرالية، و.. لا يعرفون إلا أيمن نور المحبوس مثل عديدين آخرين ظلماً.. الغرب يسعى للضغط على مصر لتحقيق مصالحه».

وقال أمين المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، حافظ أبو سعدة، إن «الحكومة المصرية بعضويتها في المجلس الدولي لحقوق الإنسان لديها التزام بتقديم تقارير عن حالة حقوق الإنسان لديها والنظر، مع الدول الأخرى الأعضاء بذات المجلس، في حالة حقوق الإنسان لتلك الدول، فكيف ترفض، بعد ذلك، أن ينتقدها أحد في مجال حقوق الإنسان». لكن الدكتور عصام العريان يرى أن هناك تناقضاً بين تلقي الحكومة المصرية معونات من الخارج، ورفضها تدخل «الخارج» في شؤونها الداخلية، واعتبر أن «قمة التناقض هي أن تتلقى الحكومة المصرية دعماً مالياً من الاتحاد الاوروبي ثم تستدعي سفراءه للاحتجاج على تدخلهم في قضية انتهاكات حقوق الإنسان». واعتبر حسين محمد إبراهيم نائب رئيس كتلة نواب جماعة الإخوان المسلمين قضية «حقوق الإنسان» لغة عالمية، مع وجود خصوصية لكل دولة، قائلاً «نحن لا نقبل أن يتحدث الاتحاد الاوروبي عما يسمى بحقوق الشواذ في البلدان الإسلامية، لكن حين يتحدث عن وجود تعذيب في مصر فهذا حقيقي».

ووصفت الدكتورة زينب رضوان، وكيلة مجلس الشعب المصري، وهي نائبة عن الحزب الحاكم، موقف جماعة الإخوان من الاستعداد للتحاور مع «الخارج» في بعض المسائل دون أخرى، بأنه «متناقض» قائلة إنه ليس من حق أي دولة أن تتدخل في شؤون دولة أخرى.