بوش حاول تصحيح صورته عربيا كزعيم ميال للحرب ودفع القادة للتعاون معه في عامه الأخير

القادة الأجانب لديهم حساباتهم: العمل معه أو انتظار القادم الجديد للبيت الأبيض

بوش خلال خطابه في البيت الأبيض الأسبوع الماضي (رويترز)
TT

في عشاء عمل قبل مغادرته القدس حاول الرئيس الأميركي بوش اقناع الأطراف المختلفة في حكومة ايهود اولمرت بأنه عليهم ان يتوصلوا الى اتفاقية مع الفلسطينيين قبل ان تنتهي ولايته. ووصف مسؤول مطلع على اللقاء الرسالة التي وجهها بوش في منزل أولمرت الشهر الحالي بالقول «أنا أفضل صديق لكم. ولن تجدوا اتفاقا افضل من الاتفاق معي».

ويحاول بوش خلال السنة المتبقية من ولايته في البيت الأبيض أن ينقذ ارث سياسته الخارجية، ليس فقط عبر السعي الى سلام اسرائيلي فلسطيني، وانما ايضا عبر محاولة تحقيق استقرار في العراق وعزل ايران وايقاف طموحات كوريا الشمالية النووية.

وقال ادوارد فيلسبي، المستشار في البيت الأبيض الذي رافق بوش في جولته الشرق أوسطية التي استغرقت ثمانية ايام، ان «كل هؤلاء الزعماء يعرفون هذا الرئيس ويفهمون ان لديه سنة اخرى في الحكم واعتقد أنهم يرون ذلك فرصة لهم جميعا من أجل التعامل مع شخص يعرفونه».

ولكن كما أكدت تلك الجولة فان قوة بوش في هز أحداث العالم خلال أشهره الأخيرة في البيت الأبيض متأرجحة، سوية مع نفوذه السياسي في داخل بلاده. وبينما كان الزعماء يتمتعون باللياقة والدفء تجاه الرئيس في لقاءاتهم الخاصة ومحادثاتهم الهاتفية فان زعماء العالم لديهم حساباتهم: هل يتعين عليهم العمل مع بوش أم أنه من الأفضل بالنسبة لهم أن ينتظروا مغادرته المنصب لصالح رئيس غير معروف في عام 2009؟

وهذه المواقف تختلف من بلد الى آخر وترتبط بما يفكرون به بشأن من سيشغل المكتب البيضاوي. ويبدو أن بعض الزعماء، مثل أولمرت والرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، لديهم دوافع سياسية قوية للعمل مع بوش خلال سنته الأخيرة. أما الآخرون، مثل زعماء كوريا الشمالية وإيران بل ودول صديقة مهتمة بالتقدم على صعيد الاحتباس الحراري في العالم، فقد يلعبون ورقة استنفتاد الوقت املين أن رئيسا اميركيا جديدا قد يكون اكثر استجابة لاهتماماتهم. وفي كل بلد زاروه كان الرئيس ومستشاروه يسألون حول السباق الرئاسي. وتذكر غيلسبي انه سئل في دبي حول من سيفوز في الانتخابات التمهيدية بميتشغين. وقال ان مستوى الاهتمام كان «مؤثرا».

وقال مساعد كبير آخر، طلب عدم الاشارة الى اسمه، ان زعماء الشرق الأوسط كانوا مهتمين بما يفكر به بوش بشأن معالجة الرئيس المقبل لبعض القضايا التي لا تثير اهتماما كبيرا لدى الناخبين مثل تأشيرات الدخول والتجارة والاستثمارات الخارجية وأمن منطقة الخليج. وأضاف ان بوش سعى الى طمأنتهم بأن الولايات المتحدة ستبقى منفتحة بشأن الاعمال.

وخلال جولته سعى بوش الى تصحيح صورته في العالم العربي باعتباره «يميل الى الحرب». غير ان بوش ومستشاريه غادروا المنطقة معتقدين انهم حققوا تقدما في اقناع المسؤولين بأن الرئيس سيستخدم سنته الأخيرة في البيت الأبيض لتحقيق تقدم في قضايا اساسية مثل العراق وايران. وارتباطا باحتمال مجيء ادارة جديدة تسرع الانسحاب الأميركي من العراق قد تكون هذه السنة هي الأخيرة بالنسبة لحكومة المالكي من أجل التوصل الى مصالحة سياسية برعاية اميركية.

واشار جون بولتون، الذي عمل سفيرا لبوش لدى الأمم المتحدة، الى ان رئيسا ديمقراطيا جديدا قد يكون أكثر انفتاحا للتسوية مع ايران، ولهذا فان الوقت يمضي بالنسبة لأولئك الزعماء الذين يشاركون بوش في موقفه الأكثر مجابهة.

وليس هناك مجال تظهر فيه حيوية الإدارة الأميركية أفضل من تعاملها مع النزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني، حيث يقوم الرئيس بوش في آخر سنة له بالبيت الأبيض بدفع الطريق لكي يتفق الطرفان. وغالبا ما كان التقدم في الشرق الاوسط يتحقق في آخر عام للرؤساء الأميركيين، كما لاحظ بعض الخبراء حينما يكون هناك موعد نهائي حقيقي أمام المفاوضين.

ويبدو أن الفلسطينيين من جانبهم يعون هذه التجربة منذ أيام الزعيم الراحل ياسر عرفات الذي لم يقبل بعرض سلام قدم له عام 2000 من قبل بيل كلينتون الرئيس الأميركي الذي كان هو الآخر في وضع ضعيف مع اقتراب نهاية حكمه. وراهن عرفات على امكانية الحصول على عرض أفضل من خليفة كلينتون وبدلا من ذلك أشعل فتيل العنف في الضفة الغربية وغزة فتجنبت إدارة بوش التعامل معه للبدء بالعملية السلمية حتى وفاته.

وقال مايكل أورين مؤرخ الدبلوماسية في مركز شيلم بالقدس: «حقيقة هي أن هذه الجولة لم تجر تغطيتها بشكل واسع في أميركا اعتبرت من قبل زعماء الشرق الأوسط تعبيرا عن تنامي روح العزلة في الولايات المتحدة تجاه العالم بشكل عام والشرق الأوسط بشكل خاص. لذلك ليس هناك من معنى أن يتوقعوا شيئا ما من أشخاص مثل هيلاري كلينتون أو باراك أوباما».

أما ألون ليل المدير العام السابق لوزارة الخارجية الإسرائيلية فقال إن قيام بوش بأول رحلة للمنطقة مع اقتراب نهاية حكمه «خلقت شعورا بأن الأمور قد تتحرك. إنه أفضل وقت للحصول على أفضل اتفاق في عام 2008. لكن حينما تنظر إلى الأمور على الأرض لا يبدو أن هناك أي شيء جاد على وشك الحدوث حقا».

كذلك يقدم الفلسطينيون، مع تزايد العنف في الضفة الغربية وغزة منذ انعقاد مؤتمر انابوليس، رأيا مشابها لرأي الإسرائيليين. فهم يقولون إن بوش انتظر طويلا جدا كي يبدأ بمبادرته الجديدة للسلام.

وقال الفلاح سعيد الله ياسين، 40 سنة، والذي يعيش على بعد ميل من نقطة تقاطع إسرائيل وغزة، ايرز: «إنه هراء، كلام فقط ولا شيء غير ذلك. إذا كان جادا حقا حول هذا الأمر لماذا انتظر حتى الآن؟ لماذا انتظر حتى دمر العراق وأفغانستان ثم بدأ ينتبه إلينا؟» لكن بوش الذي قضى الجزء الأكبر من رحلته وهو يسعى إلى التعامل مع هذه القناعات قال في مقابلة جرت معه في الرياض الأسبوع الماضي من قبل مراسلين كانوا يرافقونه: «بعد سنوات من الإحباط، أولئك المشاركون مباشرة في العملية أمامهم الكثير من الجهود كي يعمقوا الثقة لدى الناس». وحاول الرئيس مرارا تبديد مخاوف مضيفيه كهذه حينما قال قبل مغادرته مصر عائدا الى بلاده: «حينما أقول إنني سأعود للبقاء في المشاركة فأنا أعني ذلك. وحينما أقول إنني متفائل من إمكانية الحصول على اتفاق فأنا أعني ما أقول».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»