غيوم فوق الإليزيه بعد تراجع شعبية ساركوزي واستفحال الأزمة الاقتصادية

علاقته الغرامية زادت وضعه سوءا

TT

عاد الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الى ارتداء ثياب المرشح الرئاسي وكأن الحملة الانتخابية التي حملته الربيع الماضي الى قصر الإليزيه فتحت مجددا. ومع تراكم الغيوم المنذرة بالسوء فوق القصر الرئاسي وتراجع شعبيته في استطلاعات الرأي العام واستمرار الجدل حول حياته الخاصة المروية والمصورة بتفاصيلها على صفحات الجرائد والمجلات واستفحال المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، كان لا بد للرئيس الفرنسي أن يعود للاهتمام بمشاكل مواطنيه العادية واليومية. وما يزيد الأمور حرجا أن الانتخابات البلدية على الأبواب (مارس القادم) والحزب الاشتراكي واليسار بشكل عام بدآ، رغم انقساماتهما، برفع الرأس والتحضير للانقضاض مجددا على اليمين الحاكم. وكان استطلاع للرأي نشر قبل أيام قليلة بمثابة ناقوس الخطر حيث أظهر للمرة الأولى أن شعبية ساركوزي تراجعت الى درجة أن نسبة الحانقين ازدادت على نسبة الراضين والمؤيدين. وبين استطلاع آخر نشرت نتائجه صحيفة «لو موند» المستقلة أول من أمس أن التأييد للرئيس الفرنسي تراجع بشكل حاد في الشريحة المسنة من الفرنسيين أي في الشريحة المؤيدة لليمين تقليديا ما استوجب منه العودة الى طرح المواضيع التي أوصلته الى الرئاسة وأولها موضوع أمن الضواحي والنظام العام.

وجاء تراجع شعبية ساركوزي الذي كان يحظى بنسبة عالية من التأييد، كما يرى المراقبون، سريعا إذ أنه لم يمض على وجوده في سدة الرئاسة سوى 8 اشهر. وغالبا ما يحظى الرئيس الجديد بـ«فترة سماح» أطول من ذلك. ويرى المراقبون السياسيون أن تراجع شعبية ساركوزي مرده تقاطع مجموعة من العوامل، أولها الشعور العام بأن القدرة الشرائية تراجعت بشكل حاد في فرنسا. والحال أن ساركوزي نصب نفسه، إبان المرحلة الانتخابية «مرشح القدرة الشرائية» ورفع شعار «اعمل لفترة أطول لتكسب اكثر»، والحال أن التدابير والإصلاحات التي أقرت لم تؤت ثمارها بعد. وجاء الجدل حول ساعات العمل الأسبوعي التي يحصرها القانون الفرنسي بـ35 ساعة ليضفي ظلالا من الشك على نية الحكومة التي يبدو أنها تريد التخلص من هذا القانون، ما يعني نسف وعد الساعات الإضافية.

والواقع أن الرئيس ساركوزي أطلق منذ الربيع الماضي المشاريع الإصلاحية في كل اتجاه وطلب تشكيل مجموعة من اللجان المتخصصة التي قدمت له تقارير حول ما يجب القيام به في القطاعات الأساسية مثل الاقتصاد (لجنة أتالي) والإصلاحات الدستورية (لجنة بالادور) والضواحي (خطة الوزيرة فاضلة عمارة) والعدل والقضاء (خطة الوزيرة داتي) وإصلاح قانون الإضرابات والإعلام وغيرها. لكن المشكلة أن الفرنسيين، كما تقول التحليللات السياسية والصحافية «لا يرون الانسجام بينها ولا يرون أثرها على حياتهم اليومية». وما زاد الطين بلة أن «غراميات» الرئيس مع عارضة الأزياء السابقة والمغنية كارلا بروني جاءت في الوقت غير المناسب، مما أخذ عليه أنه «يعرض» حياته الخاصة على شاشات التلفزة وعلى أعمدة المجلات الملونة بينما الفرنسيون العاديون يعانون في حياتهم اليومية. فما بين طائرة صديقه الملياردير فانسان بولوريه التي نقلته الى مدينة أسوان ثم الى شرم الشيخ في عطلة الميلاد، وطائرة العاهل الأردني التي وضعت بتصرفه لقضاء عطلته في البتراء وصوره «العاشقة» مع كارلا بروني، وجد الفرنسيون أن رئيسهم «يغالي» في حياته الشخصية. وأفاد استطلاع للرأي نشرت نتائجه أمس في صحيفة «لا كروا» الكاثوليكية أن 93 في المائة من العينة المستطلعة ترى أن ساركوزي «يبالغ» في عرض حياته الخاصة حيث أن الجدل في الأيام الأخيرة دار حول معرفة ما إذا كان نيكولا وكارلا قد تزوجا أم لا وحول معرفة ما إذا كانت كارلا سترافق الرئيس الفرنسي الى الهند. وخلاصة الأمر أن شعورا تكون لدى الفرنسيين مفاده أن ساركوزي «يستخدم» حياته الخاصة لتغطية على المشاكل الحقيقية للفرنسيين. وكان لافتا للنظر أن شعبية رئيس الحكومة فرنسوا فيون «غير المرئي» إعلاميا ترتفع، بينما شعبية الرئيس تنخفض.

وهكذا، كان لا بد لساركوزي أن يعود الى الإمساك بالأمور بقوة والى إظهار تمسكه بتحقيق الوعود السخية التي أغدقها إبان الحملة الانتخابية. والأهم من ذلك أن يفهم الفرنسيين أنه يعرف الى أين يقودهم وما هي أهداف سياسته الحقيقية.