شلقم لـ«الشرق الاوسط»: العلاقات مع السعودية جيدة جدا والاتحاد المغاربي ليس الميت الوحيد في المستشفى العربي

وزير خارجية ليبيا: أبلغنا الأميركيين أن سياسة العقوبات لن تؤذي أي نظام وإنما المواطنين البسطاء

عبد الرحمن شلقم وزير خارجية ليبيا
TT

قال عبد الرحمن شلقم، وزير خارجية ليبيا، انه لا يمكن استثناء مصر واليونان من مجموعة «5 زائد 5»، باعتبارها محفلا للحوار، الذي يبقى ناقصا ما لم تنضم إليه القاهرة واثينا. وذكر شلقم في حديث خص به «الشرق الاوسط»، خلال وجوده في الرباط للمشاركة في اجتماع وزراء خارجية مجموعة «5 زائد 5»، التي تضم دول اتحاد المغربي العربي الخمس، واسبانيا وايطاليا وفرنسا ومالطا والبرتغال، ان بلاده مع تحويل المجموعة الى مؤسسة، مشيراً الى انه اذا تم النجاح في مأسسة هذا التوجه المشترك بين الاتحاد المغاربي والاتحاد الأوروبي، فإن ذلك سيمكن من تجاوز سلبيات مسار برشلونة، وسياسة الجوار الجديد.

وبينما وصف شلقم علاقة بلاده بالسعودية بأنها جيدة جدا، فانه قال إن علاقة ليبيا مع الغرب ستكون قيمة مضافة للعلاقات الافريقية ـ الاوروبية. واشار الى ان الاتحاد المغاربي ليس هو الميت الوحيد في المستشفى العربي. واشار إلى أن نزاع الصحراء سبب شللا لاتحاد المغرب العربي. وعبر عن امله في ان تعرف الاجتماعات (المفاوضات) بين المغرب وجبهة البوليساريو في اميركا، روحا تصالحية وموضوعية. وقال «سيسود العقل، وستسود المصلحة، ونحن نتفاءل دائما، ونقول ان الامور ستجد حلا». وبخصوص ما وصل اليه الوضع في غزة، قال شلقم ان الأمر يدعو الى موقف عربي. واضاف: «يجب ان يجتمع العرب، ويتخذوا موقفا ازاء حصار غزة، وموقفا ازاء المصارف العالمية التي لا تريد ايصال المساعدات اليها. فنحن باستطاعتنا فعل ذلك، فمع ارتفاع اسعار النفط اصبح دخل العرب تريليوني دولار، وبالتالي هل يعقل اننا لا نستطيع ان نفعل شيئا؟».

وكشف شلقم ان ليبيا ستطرح خلال الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب، الذي دعت الى التئامه، ليبحث الوضع في غزة، ورقة تتضمن التزامات ومواقف، ومن ثم فان لكل دولة الحق في اتخاذ الموقف الذي تراه، وألا يجب أن نقول للإخوان الفلسطينيين «اذهبا أنتما وربكما فقاتلا فإنا ها هنا قاعدون».

وعلى صعيد آخر، قال شلقم إن ليبيا تعارض اسلحة الدمار الشامل سواء كانت عند سين أو صاد أي سواء كانت عند اميركا او عند روسيا او الصين او ايران. وشدد على القول: «نحن ضد اسلحة الدمار الشامل، ومع اسلحة البناء الشامل». وأشار إلى أن ليبيا ضد سياسة فرض العقوبات على إيران، ومع سياسة الحوار، وانه ابلغ ذلك للاميركيين خلال زيارته الاخيرة لواشنطن، وقال لهم ايضا «اننا في ليبيا اكتوينا بنار العقوبات الظالمة ولا نشجعها، لاننا لا نظن ان سياسة العقوبات ستلحق اي أذى باي نظام، وان من سيتأذى منها هم الناس والمواطنون البسطاء الذين ليس لهم أي دور في القرار». وفي ما يلي نص الحديث.

* كشفتم عن وجود رغبة في توسيع مجموعة 5+ 5، وضم مصر واليونان اليها، فما هي القيمة المضافة لهذه التوسعة؟

ـ «خمسة زائد خمسة» هو محفل للحوار، وهو أيضا جسم تشاوري ليس له امانة عامة، وليس له مشروعات. فهو مجرد محفل نلتقي فيه، ونتبادل الاراء. ما هي انشغالاتنا واكراهاتنا في هذا السياق، اول شيء هناك البيئة في البحر الابيض المتوسط، وبالتالي لا يمكن ان نستثني مصر. ثانيا، هناك الهجرة غير الشرعية، ولا نستطيع هنا ايضا استثناء مصر واليونان. اضافة الى ذلك نحن نعمل على تشجيع النقل البحري، واكبر مؤسسات النقل البحري توجد في اليونان، ونعمل على تأمين حركة النقل البحري، وهنا ايضا لا يمكن استثناء البلدين. فهذا الحوار يبقى ناقصا ما لم تنضم له مصر واليونان. اما القيمة المضافة في ذلك فتكمن في ان هذا الحوار سيأخذ بعدا شاملا، ولن نتعداه إلى شرق المتوسط حيث المشاكل في لبنان واسرائيل وتركيا وقبرص، لكن بخصوص انضمام اليونان فان هذا الانضمام يأتي من منطلق اننا جزء من نسيج ثقافي وتاريخي، وهذا شيء مهم.

* في قمة مجموعة «5 زائد 5»، التي التئمت بتونس في السنوات الأخيرة، كان هناك توجه لجعل المجموعة مؤسسة قائمة بذاتها. فكيف تنظرون في ليبيا إلى هذه المأسسة؟

ـ نحن مع مأسستها، لكن أنت تعرف ان هناك زحمة في الاجسام، وانا اؤيد ما قاله زميلي الاسباني، ميغل انخل موراتينوس، بشأن وجود زحام في الاجسام والتصورات، وأصبح الأمر شبيها بالدمية الروسية، كلما تفتح علبة تجد بداخلها علبة أخرى، وهكذا دواليك. فهناك «خمسة زائد خمسة»، وهناك «مسلسل برشلونة»، وهناك سياسة الجوار الجديد، وهناك الآن الحوار بين الاتحاد المغاربي مع الترويكا الاوروبية، وهناك ايضا مشروع الاتحاد المتوسطي الذي طرحته فرنسا، ثم اصبح برنامجا ايطاليا ـ اسبانيا ـ فرنسيا، هو «الاتحاد من أجل المتوسط»، وهناك ايضا منتدى المتوسط الذي يتكون من «خمسة زائد خمسة» أو «ستة زائد ستة»، زائد تركيا. فنحن مع مأسسة هذا الحوار واذا نجحنا في مأسسة هذا التوجه المشترك بين الاتحاد المغاربي والاتحاد الاوروبي، فان ذلك سيمكن من تجاوز سلبيات مسار برشلونة، وسياسة الجوار الجديد.

* عرفت ليبيا أخيرا حركية دبلوماسية، فهناك جولة العقيد معمر القذافي لاوروبا، وهناك زيارتكم الاخيرة لواشنطن، وذلك في اطار ما يسمى «المصالحة مع الغرب». فما هو الدور الذي يمكن ان تقوم به ليبيا في اطار هذه الحركية الدبلوماسية لتصحيح الوضع في المنطقة العربية، وما يقع فيها من مشاكل وأزمات؟

ـ في مؤتمر عمان ومؤتمر بيروت كانت هناك أفكار والاخ القائد معمر القذافي طرح مبادرة لمعالجة شتى المشاكل، ونظمت بشأنها أوراش عمل في الجامعة العربية. لننظر إلى قضية فلسطين، هذه القضية قامت بالضبط قبل 60 عاما، واسرائيل ستحتفل بقيامها خلال الأشهر القليلة المقبلة، بيد أنها تبدو كأنها بدأت قبل 60 دقيقة، دماء، معاناة، جدار عازل. وبالتالي فاننا ندعو الى التفكير بصوت عال، والتساؤل هو: هل السياقات التي تمت كانت ناجعة؟ حتى الآن عقد 18 مؤتمراً دولياً من أجل حل المشكلة الفلسطينية، ولم يتم التوصل الى حل، فالامور تزداد تصعيدا، وهناك المزيد من شلالات الدماء. اما بالنسبة لزيارة الأخ القائد لاوروبا، فهي زيارة عادية يقوم بها أي زعيم للمنطقة، وساهمت في خلق اجواء جديدة للحوار العربي ـ الاوروبي، والمغاربي ـ الاوروبي. وبشأن زيارتي لواشنطن، أود ان اشير الى ان هناك اشياء نتفق فيها مع اميركا، من قبيل الاستثمارات والمعرفة، ودراسة الشباب، وهناك قضايا نختلف معها بشأنها مثل الوضع في العراق، وموقفها العدائي إزاء سورية، وايضا موقفها في لبنان، ونختلف مع انتهاجها سياسة القوة. نحن نرى ان اميركا بامكانها ان تكون قدوة ليس بعقلية الامبراطوريات القديمة، بمعنى ان اميركا يمكن ان تكون امبراطورية القدوة من خلال مساعدة الفقراء، ونشر التعليم والتنوير والتسامح، واحترام الآخرين. هم يتحدثون عن احترام حقوق الانسان، بيد ان اميركا يوجد فيها 3.5 مليون سجين.وفي هذا السياق، استحضر سامي الحاج، المصور الصحافي السوداني، المعتقل في غوانتانامو. فهو لم يكن يحمل بندقية او رشاشا بل كان يحمل كاميرا، انه مثل من يحمل قلما. فكيف يتحدثون في اميركا عن سجناء الضمير ويسجن انسان سلاحه هو الكاميرا. لقد تحدثت مع الأميركيين بكل صراحة حول هذا الموضوع، فهم حين يتحدثون عن حقوق الانسان، استغرب كيف يطلب مني انسان ان احمي اولادي في ليبيا، فحقوق الليبيين انا اولى بها، ولا يحق لأي كان أن يقول لك ارحم ابنك. فانا اولى برحمة ابنائي من أي شخص اخر، وبالتالي لا اريد نصيحة من اوروبا او اميركا الشمالية او الجنوبية فيما يتعلق بهذا الموضوع. ثم ان منظومة القيم عندنا نحن المسلمون مختلفة عن منظومتهم. فهم يعتبرون تعدد الزوجات، على سبيل المثال، ضد حقوق الانسان، هذا في الوقت الذي يشرعون فيه للزواج المثلي. لا بد من قول ذلك للاميركيين. قد يكون بعض الاخوان الافارقة والعرب غير قادرين على فعل ذلك، لكننا في ليبيا ليس في فمنا ماء. نحن لسنا محتاجين لمساعدات أجنبية لاننا دولة غنية، والأخ القائد معمر القذافي لديه رؤية وأفكار اعتبرها قيمة مضافة للحوار العالمي والإنساني.

* بعد زيارتكم الاخيرة لواشنطن، هل تعتقدون ان صفحة العلاقات الاميركية ـ الليبية اصبحت بيضاء لا تشوبها شائبة؟

ـ لا، للاسف اسلوب العمل في اميركا هو اسلوب لا نتفق معه في كثير من الاحيان، فهم في قضية طائرة «يوتا»، على سبيل المثال، رفعوا قضايا في المحاكم، وطالبوا بتعويضات قدرها 6 مليارات دولار، فهذا ابتزاز وارهاب باسم القانون. فالاميركيون يتحدثون بلغتين، فمن جهة، يقولون انهم يدعمون العدالة وسيادة القانون في العالم، بيد انهم، من جهة اخرى، يخترقون العدالة، ويمارسون الارهاب والابتزاز، وبالتالي مازال الكثير بيننا وبين اميركا محل اختلاف. انها تمنح اسرائيل سنويا مليار دولار، رغم ان اسرائيل ليست فقيرة مثل النيجر وبورما، كما ان اميركا تزودها بالقنابل التي تقتل الفلسطينيين. ونحن لن نقبل ذلك. اضف الى ذلك احتلالهم للعراق، واذكاء النزعة العشائرية فيه، وتهديد ايران، ومضايقة سورية، هذه كلها اشياء لن نقبل بها.

* دعت ليبيا الى عقد اجتماع طارئ لمجلس وزراء الخارجية العرب لبحث الوضع في غزة. فما هي القيمة المضافة لهذا الاجتماع، ذلك انه كلما اندلعت ازمة في المنطقة تتم الدعوة لعقد اجتماع طارئ دون التوصل الى نتائج، وهكذا دواليك. فهل لديكم شيء ملموس تريدون ان تطرحوه خلال الاجتماع؟

ـ ما وصل اليه الوضع في فلسطين او في غزة بالذات، يدعو الى موقف عربي. يجب ان يجتمع العرب، ويتخذوا موقفا إزاء حصار غزة، وموقفا إزاء المصارف العالمية التي لا تريد ايصال المساعدات اليها. فنحن باستطاعتنا فعل ذلك، فمع ارتفاع اسعار النفط اصبح دخل العرب 2 تريليون دولار، وبالتالي هل يعقل اننا لا نستطيع ان نفعل شيئا؟ ان ليبيا ستطرح ورقة تتضمن التزامات ومواقف، ومن ثم فان لكل دولة الحق في اتخاذ الموقف الذي تراه، والا يجب ان نقول للاخوان الفلسطينيين «اذهبا أنتما وربكما فقاتلا فإنا ها هنا قاعدون».

* هناك ايضا دعوة لعقد قمة طارئة سابقة لقمة دمشق الدورية المزمع عقدها في مارس (اذار) المقبل، بيد ان الامين العام للجامعة العربية استبعد عقد القمة الطارئة حتى لا تشوش على قمة دمشق. فهل انتم مع عقد القمة الطارئة؟

ـ قد تنعقد القمة ولا يصدر عنها قرار، وقد ينعقد اجتماع لوزراء الخارجية فيصدر عنه قرار. نحن مع قرار عربي فيما يتعلق بالموقف في فلسطين. فالمهم هو الارادة والقرار.

* كيف هي الان علاقتكم مع المملكة العربية السعودية؟ ـ جيدة جدا.

* ليبيا تترأس اتحاد المغرب العربي، الذي يوجد في حالة موت سريري. فهل من مبادرة ليبية لإحياء روح هذا الاتحاد؟

ـ الاتحاد المغاربي ليس هو الميت الوحيد في المستشفى العربي.

* قدم المغرب في الأشهر الاخيرة مبادرة حكم ذاتي للصحراء، وجرت مفاوضات مباشرة في مانهاست بضواحي نيويورك بين اطراف نزاع الصحراء، فكيف تنظر طرابلس الى هذه المفاوضات، وهل تقوم بمحاولات لتقريب وجهات النظر بين أطراف النزاع؟

ـ أنا اقول دائما ان اتحاد المغرب العربي له جناحان هما الجزائر والمغرب، وله قلب هو تونس وليبيا، وله ضمير هو موريتانيا. هذه الأزمة (قضية الصحراء) سببت شللا لاتحاد المغرب العربي. ونأمل ان تعرف الاجتماعات بين المغرب وجبهة البوليساريو في أميركا، روحا تصالحية وموضوعية، وأن يتم التفاهم لكي ننطلق. نحن في النهاية شعب عربي واحد، شعب مسلم، من ليبيا الى موريتانيا مرورا بالمغرب والجزائر. وبين الجزائر والمغرب علاقات وشيجة، وانا متفائل لان فخامة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، انسان مناضل، انطلق نضاله في صفوف الثورة الجزائرية من المغرب، وجلالة الملك محمد السادس هو سليل عائلة دافعت وكافحت من أجل الدفاع عن الإسلام والعروبة في هذه الربوع، وبالتالي سيسود العقل، وستسود المصلحة، ونحن نتفاءل دائما، ونقول إن الامور ستجد حلا.

* يرى كثير من المراقبين أن التوجه الليبي نحو الغرب ربما هو توجه يأتي على حساب كثير من الالتزامات والقناعات الليبية، حيث يلاحظ أن الدور الليبي في إفريقيا تراجع ويعرف انحسارا. كيف تفسرون ذلك؟

ـ أنت استعملت مرتين كلمة «القيمة المضافة»، وأود ان استعيرها منك. أن تحب علي لا يعني أن تكره عثمان وعمر وابو بكر. ان تشتغل مع الغرب لا يعني ان يعطي المرء بظهره لافريقيا. فعلى العكس، لقد انطلق قطار الاتحاد الافريقي، وعلاقة ليبيا مع الغرب ستكون قيمة مضافة للعلاقات الافريقية ـ الاوروبية، وكلمة الاخ القائد في لشبونة واضحة جدا، ذلك انها قدمت تشخيصا لطبيعة هذه العلاقات. نحن نريد صداقة مع الجميع أي صداقة 190 دولة في العالم، ولا نريد عداوة مع احد. انا مع الصداقة انطلاقا من مالطا وانتهاء بأميركا. انا اريد ان اكون صديقا للصين، وصديقا وحليفا لأفريقيا، وصديقا حميما لأميركا وأوروبا، هذه هي سياستي.

* يعيش العالم الآن على ايقاع أزمة ايران مع الغرب بخصوص السلاح النووي. ما هي الرسالة التي يمكن ان توجهها ليبيا الى طهران، خاصة أن بلدكم مر تقريبا، في وقت سابق، بنفس التجربة؟

ـ نحن نعارض أسلحة الدمار الشامل سواء كانت عند سين او صاد، أي سواء كانت عند اميركا او عند روسيا او الصين او ايران. انا اقول دائما نحن ضد اسلحة الدمار الشامل، نحن مع اسلحة البناء الشامل. ان المسؤول عن هذا الموضوع هو الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وسبق (للمدير العام للوكالة) محمد البرادعي ان زار ايران. ونحن ضد سياسة العقوبات ومع سياسة الحوار، وقلت ذلك للاميركيين خلال زيارتي الاخيرة لواشنطن، وقلت لهم ايضا اننا في ليبيا اكتوينا بنار العقوبات الظالمة ولا نشجعها، لاننا لا نظن ان سياسة العقوبات ستلحق اي ادى باي نظام، وان من سيتأذى منها هم الناس والمواطنون البسطاء الذين ليس لهم أي دور في القرار.