بعثي سابق أعيد للوظيفة يخشى من أن يطرد مجددا بموجب قانون المساءلة والعدالة

آخر يقيم في عمان وصف بديل «اجتثاث البعث» بأنه «طعم»

TT

أصبح اللواء حسين العوادي المسؤول السابق في حزب البعث قائدا للشرطة العراقية الوطنية، على الرغم من وجود قانون صدر عام 2003 يمنع أعضاء الحزب من احتلال مناصب حكومية. ولكن الآن، وبموجب تشريع جديد تم الترويج له باعتباره طريقة لإعادة البعثيين السابقين إلى الوظائف الحكومية، يمكن للواء العوادي، 56 سنة، وآلاف مثله أن يجبروا على ترك وظائفهم، التي سمح لهم باحتلالها، حسبما ذكر مشرعون عراقيون وموظفون من وكالة حكومية تشرف على البعثيين السابقين. وقال العوادي: «هذا القانون شديد الإرباك. أنا لا أعرف ما يعنيه بالنسبة لي». والعوادي ليس الوحيد في هذا الرأي، بل عبر أكثر من عشرة برلمانيين عراقيين ومسؤولين أميركيين وبعثيين سابقين هنا وفي المنفى عن قلقهم، في مقابلات جرت معهم، من أن يفتح القانون الجديد المسمى «المساءلة والعدالة» تطهيرا جديدا للبعثيين السابقين، على عكس ما تأمل الولايات المتحدة من القانون الجديد.

وبعد أن تمت المصادقة على القانون في هذا الشهر تحت ضغط من المسؤولين الأميركيين، أعلن الرئيس الأميركي بوش والقادة العراقيون أنه سيساعد على تخفيف مشاعر الغضب العميقة للكثير من البعثيين السابقين، خصوصا السنة منهم، والكثير من الشيعة أيضا مثل العوادي تجاه الحكومة التي تقودها أحزاب شيعية. مع ذلك فإن المسؤولين الأميركيين وبعض المشرعين الذين صوتوا لصالح القانون الذي يحتاج الى موافقة مجلس الرئاسة عليه، يعترفون بأن تأثيره عسير على التحديد، انطلاقا من النص نفسه، وهذا سيعتمد على الطريقة التي يمكن تعديل القانون وفقها. وقال البعض إن الهدف الأولي هو ليس إعادة البعثيين السابقين إلى العمل، بل منح التعويضات لأولئك الذين تضرروا على يد الحزب والاعتراف بهذه الأضرار. ومن بين التبريرات الثمانية التي أعطيت لوضع القانون لم تتم الإشارة إلى إعادة البعثيين السابقين إلى وظائفهم السابقة.

من ناحيته قال أحمد الجلبي نائب رئيس الوزراء السابق، إن القانون الجديد سيخرج بعضا من البعثيين السابقين من وظائفهم، سبق للجنته المسماة «هيئة اجتثاث البعث»، التي أشرفت على قانون «اجتثاث البعث» السابق، أن أعادتهم إليها. وقال إن الإجراء الجديد هو أقسى من السياسة الموجودة حاليا، ومسودة القانون التي شجعت الولايات المتحدة البرلمان العراقي كي يصادق عليها، يجب وضعها ضمن خانة: «كن حذرا مما تأمل تحقيقه»، حسبما قال الجلبي.

ومن المفترض للقانون الجديد أن يسهل عودة البعثيين السابقين إلى بلدهم مثل محمد كريم. فبعد عمله موظفا حكوميا لمدة 35 سنة، في وزارة النفط، اضطر كريم الى الهروب من سكنه في البصرة، بعد الغزو الأميركي في مارس (آذار) 2003. وقتل أربعة من الوزارة في البصرة آنذاك، وضمن حملة البحث عنه قام رجال الميليشيات بنهب بيته.

ويبلغ كريم الثالثة والخمسين من عمره وانتقل هو وعائلته إلى عمان، حيث يعيشون في شقة ذات أثاث بسيط في قبو. وله أمنية واحدة في نفسه: العودة إلى العراق. لكنه ظل أثناء جلوسه وراء طاولة في المطبخ يقلب القانون الجديد، فمنحه شعورا بالقنوط. قال كريم المدير العام السابق في وزارة النفط: «هذا القانون قنبلة على طريق المصالحة. هذا القانون لا يجلب أي شيء جديد. ولا يخدم المصالحة الوطنية، التي يأمل بها كل العراقيون. على العكس إنه يبشر بالعداوة والكراهية والتمييز والتصادم الطائفي».

ويحاجج كريم، الذي تعرض للتطهير من وظيفته مع بعثيين آخرين، بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة، أيضا بأن القانون يجسد الكراهية التي تحملها الحكومة الحالية، التي تقودها الأحزاب الشيعية، للبيروقراطيين في نظام صدام حسين. وقال هؤلاء إن المناخ لم يصل إلى حد السلامة المطلوبة كي يكشفوا عن هوياتهم للحكومة، باعتبارهم بعثيين سابقين. وقال كريم «هذا القانون هو طعم. علي أن أعود إلى البصرة وتقديم طلب للحصول على التقاعد من خلال إجراءات عديدة. وإذا قتلت فإنه لن يعرف أي شخص من الفاعل».

وكان أول قرار اتخذته الحكومة تحت الاحتلال، الذي قادته الولايات المتحدة بعد سقوط بغداد، هو حل حزب البعث وتطهير الحكومة من أعضائه. كذلك أبعد ذلك القرار الذي اتخذته سلطة التحالف المؤقتة في القرار رقم 1 أيضا إقصاء أعلى أربع مراتب في حزب البعث عن وظائف القطاع الحكومي. وحينما بدأت لجنة اجتثاث البعث عملها في يناير (كانون الثاني) 2004، رأت أن قرار بول بريمر رئيس سلطة التحالف المؤقتة قد ذهب بعيدا جدا، حسبما قال علي فيصل اللامي المدير التنفيذي لهذه اللجنة. لذلك سمحت اللجنة بعودة بعثيين سابقين إلى وظائفهم من مرتبتين حزبيتين عاليتين، وهذا ما مكن عودة 102 ألف شخص. ولم يبق سوى 38 ألف شخص أقصوا من أعمالهم، حسبما قال اللامي. و32 ألفا منهم من رتبة عضو فرع في حزب البعث. لكن اللجنة سمحت لأعضاء الفرع بأن يقدموا طلبات للعودة إلى الوظائف الحكومية. وخلال الأربعة أعوام من تاريخ اللجنة تمت إعادة نصف هؤلاء إلى وظائفهم. ولم يتم رفض سوى 170 طلبا لأشخاص يحملون رتبة عضو فرع في حزب البعث.

لكن الكثير من السنّة والدبلوماسيين الغربيين يشككون بصحة هذه الأرقام، متهمين الجلبي بتعامله بشكل منحاز إلى الشيعة على حساب السنة. وقال خلف العليان رئيس مجلس الحوار الوطني العراقي، وهي مجموعة سنية تمثل الكثير من البعثيين السابقين: «لم يستثنوا إلا جانبا واحدا. إذا كنت بعثيا شيعيا فبإمكانك العودة إلى عملك وإذا كنت بعثيا سنيا فإنك لا تستطيع».

ويوافق الدبلوماسيون الغربيون على أن «الجلبي طبق القانون بشكل منحاز جدا»، حسبما قال دبلوماسي تكلم شرط عدم الكشف عن هويته مثل غيره من الذين تكلموا. وقال العوادي إنه احتل منصبه قائدا للشرطة قبل عامين، بناء على طلب وزارة الداخلية التي قالت له إن لجنة اجتثاث البعث منحته عفوا.

*خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»